|    English   |    [email protected]

ثلاثون نوفمبر.. الاستقلال والثبات عند مبادئ التحرر والخلاص

السبت 30 نوفمبر 2024 |منذ شهرين
محمد نبراس العميسي

محمد نبراس العميسي

ثمة مجذوب فقد بصيرته في استجلاء بواطن الأمور، معتوهٌ فقد نظرته الثاقبة لمآلات الحياة، جار عليه زمنّه، غُيّمت عليه الدروب وتشابكت الرؤى؛ يخرج في يوم الاستقلال ال 30 من نوفمبر المهيب، يقول: لو بقى المحتل في جنوب البلاد لظلت زهرة..فهنيئاً لبريطانيا على خروجها من اليمن. 

هذا الصنف من اليمنيين يقيس الوطنية وفق معاييرَ يخضعها لظروفه الشخصية واشتراطاته الخاصة. فإن كانت حياته منظمة ومرتبة آمَن بالوطن وتمسّك به وأظهر إخلاصه وصدق انتمائه، وإن كانت خلاف ذلك، فوضوية، وغاية في التعقيد والضائقة المالية؛ كفّر بالوطن وتخلى عنه وأظهر استياءه من بلاد -كلها ضياع- على حد قوله ومحاكماته؛ فيما هو في حقيقة الأمر منفصم عن ذاته، ذاهل عن حقيقته، مشاكله نابعة من داخله، يحشر ظروفه الشخصية في القضايا القومية، ويستخدم الوطن مشجباً يعلق عليه شتاتَه ونكوصَه.

حالنا مع المحتل البريطاني لم يكنْ أفضل، ولن يكون فيما لو بقى إلى اليوم، لن تزدهر اليمن حتّى ولو فرش المحتل الطرقات بالورود، لن نسعد بتواجده بيننا، لن يطيب لنا عيش أو يستتب لنا هدوء وهو جاثم على ترابنا، يقودنا إلى المذبح متّى ما أراد، يفرش لنا النطع ويدلي حبل المشنقة متّى ما افتقد السادية، يحقق نزوات أولياء نعمته ويدوسنا ببسطاره متّى مافقد إيمانه بذاته، ويؤكده بامتهان كرامتنا وسحقنا تحت الأقدام.

أيّاً يكن واقع البلاد مدمرًا، خراباً ولايبشر بالأمل، خانقًا للحلم وقاتلاً للأمنيات؛ لن يكون تواجد المحتل البريطاني أرحم بنّا من وطننا.. يستحيل المقارنة بين حريتك وأنت جائع، حذر تترقب المصير وبين خيار عبوديتك وأنت شابع ممتلئ حد التخمة..حريتك فطرتك الّتي فُطرت عليها منذُ خلقت، لا تقبل المساس ولا تُشترى بأي ثمن، وفي وجود المحتل حريتك هذه مصادرة؛ هذا يعني غياب معنى حياتك وأهم ركيزة فيها، غياب فطرتك ونسفها.

تحاكمون البلاد وتستنتجون الخلاصة من وضعنا الراهن، البلاد لم تتعافَ بعد، مازالت ممزقة وتكتوي بويلات الحروب. برتكولات -المحتل البريطاني- السبب المركزي في ذلك، كما أن التاريخ حافل بالصراع. التطاحن، والتدافع سنّة حتمية للحياة. من هذا الواقع التعس سنعبر إلى مستقبل أفضل، إلى ضفاف الأمان، سننسى كلّ مانمر به من ويلات ونستعيد أوطاننا من قبضة الغزاة.

تفاءلوا ياشباب فالحاضر بين أيدينا، وهذه لوحته بين أيديكم ارسموا عليها طموحاتكم وأحلامكم بمستقبل أزهى بدأ مخاضه و ستلده الأيام القادمة، خطّوا عليها أمانيكم وعانقوا فيها مصائرَكم المذبوحة..في الغد سيذوى هذا الخراب وسيبزغ فجر العمران. 

حاضرنا المخنوق لا يعني نهاية الحياة، هي فوضى مبدئية تمهد الطريق لمستقبل نجد فيه ذواتنا ونحققها على الوجه الّذي نرتضيه. في الغد ستبدأ في الكون دورة جديدة تتعافى فيها البلاد وينتهي كلّ هذا العناء والخراب..ولنا صبح نؤمله.