|    English   |    [email protected]

لماذا تفشل الديمقراطية في العالم العربي؟

الأحد 13 أبريل 2025 |منذ 5 أيام
عبد ربه السقاف الطهيفي

عبد ربه السقاف الطهيفي

يعتقد البعض أن الشعوب العربية غير مؤهلة لتطبيق الديمقراطية، وأن هناك عوائق جينية أو دينية تحول دون تحقيق ذلك.

لكنه اعتقاد خاطئ جملةً وتفصيلًا، على الرغم من شيوعه، فالعرب ليسوا أقل قدرة على التغيير من أمم أخرى تحوّلت إلى الحكم الديمقراطي بعد فترات طويلة من القمع والاستبداد.

وليست المشكلة في طبيعة العرب أو ثقافتهم، بل في الظروف التاريخية التي مرّت بها هذه الشعوب.

ولا يتسع المقام للتأصيل التاريخي، لكن يكفي أن نذكر أن أسلاف العرب الأوائل كانوا من أوائل من عرفوا الانتخاب والمجالس التشريعية والشورى، ويكفينا في هذا السياق أن نوضح الحقائق والتجارب القائمة اليوم.

فالحكم الشمولي ينتج وعيًا ضعيفًا بمفهوم الدولة والعلاقة بين المواطن ومؤسسات الحكم.

وقد رزحت الأمة العربية  أزمنةً طويلة تحت أنواع من الحكم الشمولي.

ومن هنا، فإن الانتقال المفاجئ من الاستبداد إلى الديمقراطية غالبًا ما يؤدي إلى الفشل، وهو ما رسّخ الفكرة الخاطئة بأن العرب غير صالحين للحكم الديمقراطي.

والمعضلة الكبرى التي لم تُناقَش بشكل كافٍ من قبل المثقفين العرب، هي أن الديمقراطية لا تنجح مع شعوب غير مثقفة سياسيًا،ولا مع شعوب فقيرة، ولا مع شعوب لا تملك مؤسسات دولة.

فطوال الحلم العربي بالديمقراطية، ظلّ العرب يضعون العربة قبل الحصان.

ولكي نصل إلى ديمقراطية مستدامة، نحتاج إلى مرحلة انتقالية تُهيّئ الشعوب لهذا النظام.

وهذا ليس تصورًا نظريًا، بل تجربة حقيقية عاشتها أوروبا ودول أخرى في عصر التنوير، من خلال ما عُرف بـ"حكم المستبد المستنير" (Enlightened Absolutism).

المستبد المستنير هو حاكم فرد يتمتع بسلطة مطلقة، لكنه يستخدمها لترسيخ المصلحة العامة، وتحقيق إصلاحات حقيقية.

يُعلّم شعبه احترام الحرية، ويُرسّخ ثقافة امتلاك المواطن للمصالح العامة، ويُؤسّس لمؤسسات حكم قوية تضمن استقلال السلطات الثلاث، وتزدهر البلاد اقتصاديًا إلى أن تتوفر الشروط التي تمهّد لولادة ديمقراطية مستدامة.

وفي هذه المرحلة، يتقلص تأثير الخطاب الشعبوي والعاطفي، ويصبح المواطن أكثر وعيًا بحقوقه، وأكثر قدرة على اختيار من يخدم مصالحه الواقعية.

وهناك دراسات أثبتت أن الشعوب التي يتجاوز دخل الفرد فيها 8000 دولار سنويًا، استطاعت الحفاظ على الديمقراطية، وترسخ فيها التبادل السلمي للسلطة، خلافًا لتجارب فشلت حين كان مستوى الدخل أقل من ذلك.

ولا يعني هذا أن الديمقراطية لا يمكن أن تنشأ إلا بهذه الشروط، فهناك استثناءات قليلة خرجت عن هذه القاعدة، لكننا نُفضّل التعامل مع مجمل تجارب العالم كمرجعية لفهم الطريق الأسلم.

وطبعًا لا يُفترض بالعالم العربي أن يُقلّد أوروبا حرفيًا أو غيرها في كل تفاصيل تجاربهم، فلكل أمة خصوصيتها، وكل أمة تختلف عن غيرها، ومن غير الحكمة استنساخ كامل لتجارب أمم أخرى.

لكن يمكن الاستفادة من دروس التحول الديمقراطي، خاصة أن النماذج الناجحة أيضًا متنوعة ومختلفة في كثير من تفاصيلها، إنما هناك مشتركات أساسية أشرنا إليها أعلاه.

ومن المهم هنا أن يتضح أن الديمقراطية ليست هي من تُنتج النضج الشعبي، بل هي ثمرة له.

ولهذا، فإن أول خطوة نحو الديمقراطية تبدأ بالنخب السياسية والثقافية، التي يقع على عاتقها تهيئة الشعوب ورفع وعيها السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

فلو أُتيحت ديمقراطية حقيقية لشعوب غير واعية، لاختارت أسوأ حكّامها، ووقعت في فخ الديماغوجيا والشعبوية والانقسام.

وكذلك الشعوب الفقيرة والخالية من المؤسسات لا يمكن أن تستمر فيها الديمقراطية، حتى ولو فرضتها قوة معينة أو ظروف قهرية.

في النهاية، الديمقراطية ليست مجرد نظام سياسي، بل ثقافة تُبنى وتترسخ عبر الزمن.

إن الشعوب الخارجة من حقب الاستبداد تحتاج إلى وقت لتتعلم مبادئ الديمقراطية، وتُوفَّر لها الشروط التي تمهّد لولادة ديمقراطية مستدامة.

مرحلة المستبد المستنير قد تكون إحدى المحطات المؤقتة على هذا الطريق، أو أي بدائل أخرى تحقق المتطلبات نفسها، لكن الأهم أن ندرك أن الديمقراطية مشروع وطني طويل النفس، يتطلب وعيًا عميقًا، ومجتمعًا ناضجًا، وأسسًا متينة لضمان نجاحه واستمراريته.