|    English   |    [email protected]

هل دفعت واشنطن مليار دولار لتُجبر الحوثيين على الصمت؟

الجمعة 2 مايو 2025 |منذ يوم
د. محمد العرب

د. محمد العرب

منذ اللحظة التي قررت فيها الولايات المتحدة أن تُفعّل خيار القوة ضد جماعة الحوثي في اليمن، بدا أن المشهد يتجه نحو نقطة حاسمة ، البحر الأحمر لم يعد مجرد ممر ملاحي بل ساحة اختبار حقيقية لهيبة واشنطن ومع تزايد الهجمات الحوثية على السفن التجارية والعسكرية، وتوسع خطاب الجماعة ليطال أمن الملاحة العالمية، جاء الرد الأمريكي تحت مسمى غير رسمي: (عملية الفارس الخشن).

حتى مطلع مايو 2025، بلغ عدد الغارات الأمريكية والبريطانية على أهداف حوثية داخل اليمن أكثر من 914 غارة دقيقة، شملت مواقع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة ومخازن الأسلحة ومراكز الاتصالات العسكرية في 11 محافظة، من صعدة حتى الحديدة، ومن صنعاء حتى ذمار.

الضربات لم تكن استعراضية. الأرقام تؤكد أنها نجحت في شلّ منظومة الإطلاق الهجومي للحوثيين بنسبة فاقت 70%، وفق تقييمات مراكز استخباراتية مستقلة مثل مركز الدراسات الأمنية في جامعة ستانفورد، الذي أشار إلى أن قدرة الجماعة على إطلاق صواريخ باليستية تراجعت بشكل كبير، كما انخفض معدل هجمات الطائرات الانتحارية بنسبة 55% مقارنة بالشهرين السابقين.

وإذا ما نظرنا إلى التفاصيل، نجد أن أكثر من 83 قائداً ميدانيا  متخصصاً في إدارة الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة قُتلوا أو فُقدوا في الضربات، بينهم قيادات ميدانية في صعدة وجنوب صنعاء. أبرزهم أبو عمار المهدي، مهندس الصواريخ الحرارية، والعميد الحاكم مسؤول غرفة العمليات المشتركة في جبهة الساحل.

هذه الضربات دفعت الحوثيين إلى تغيير نمط انتشارهم، والتراجع إلى تكتيكات دفاعية. بعد أن كانت الجماعة تبادر بالهجوم وتحتفظ بزمام المبادرة، أظهرت وثائق استخباراتية مسرّبة أن قيادة الجماعة أصدرت تعليمات بعدم الاشتباك المباشر، والاعتماد فقط على وسائل غير موجهة من البحر، مع تقليل عدد الهجمات لتفادي الانكشاف، ما يدل على حالة إرباك وتراجع استراتيجية واضحة.

وعلى الأرض، تحوّل خطاب الحوثيين من التهديد إلى الدفاع. ففي نهاية أبريل، أُجبرت الجماعة على نقل أكثر من 65 منصة إطلاق كانت موزعة في محيط الحديدة وذمار إلى مناطق جبلية معزولة، وأوقفت عمليات تدريب مشغلي الدرونز في معسكر مران لمدة ثلاثة أسابيع بسبب غارات متلاحقة استهدفتهم.

أما في البحر، فالأثر كان أوضح. تقرير شركة “مارين ترافيك” أشار إلى أن نسبة عبور السفن التجارية في البحر الأحمر ارتفعت بنسبة 36% في أبريل مقارنة بمارس، بعد تراجعها الكبير في بداية الهجمات الحوثية. شركات شحن كبرى مثل “Maersk” و“MSC” أعلنت رسمياً عودتها إلى الممرات المعتادة، بعد أن لاحظت تحسناً في الوضع الأمني بفضل الغطاء الجوي الأمريكي.

حتى داخل العاصمة صنعاء، رُصد انخفاض حاد في بث الرسائل الإعلامية التي تُبث من قنوات الحوثي حول الانتصار والسيطرة البحرية ، وبدأت تظهر بدلاً عنها مواد دفاعية وتوثيقية تتحدث عن الصبر والصمود ، ما يعكس تحولاً نفسياً في خطاب الجماعة بعد الضربات.

من الناحية العسكرية، استطاعت واشنطن عبر هذه الحملة أن تُنهي فعلياً التهديد الحوثي طويل المدى للملاحة، ولو مؤقتاً. لكن الإنجاز الأهم أن المعركة خاضتها الولايات المتحدة دون إنزال قوات، وبدون فتح جبهة برية، وحققت نتائج عملياتية بتكلفة تُقدَّر بمليار دولار فقط.

نعم، مليار دولار رقم ضخم، لكن حين يُقارن بكلفة استمرار تهديد الممر الملاحي الأكثر حيوية في العالم، وما كان سيسببه ذلك من خسائر يومية تتجاوز 20 مليار دولار للاقتصاد العالمي، تبدو العملية الأمريكية أقل تكلفة وأكثر فاعلية مما توقع حتى صقور البنتاغون.

التقديرات تشير إلى أن الفترة من يناير إلى مايو 2025 شهدت أدنى معدل هجمات حوثية منذ خمس سنوات. تم تقليص قدرة الجماعة على استهداف السفن بنسبة قاربت 80%، والأهم أن الرسالة وصلت:
لا يمكن لجماعة مسلّحة، مهما كانت عقيدتها أو حلفاؤها، أن تفرض منطق الابتزاز على البحر الأحمر، دون أن تدفع الثمن.

في نهاية المطاف، لم تكن الغارات الأمريكية عملاً تكتيكياً عابراً ، بل كانت صفعة استراتيجية مدروسة، أعادت رسم قواعد الاشتباك، وشلّت فعلياً أذرع الحوثيين الجوية والبحرية. وإن كانت الجماعة لا تزال تملك القدرة على الدعاية، فقد سُلبت منها القدرة على الفعل.

لقد دُفعت المليارات لا لإزعاج الحوثيين، بل لإسكاتهم وإعادتهم إلى حجمهم الحقيقي. والسؤال اليوم ليس هل نجحت الضربات؟ بل: كم من الوقت يمكن للحوثيين أن يصمدوا تحت سيف السماء المفتوحة؟