|    English   |    [email protected]

يريدون ليطفئوا مأرب بأفواههم !

الاثنين 9 يونيو 2025 |منذ أسبوع
مجدي محروس

مجدي محروس

قد يبدو الأمر مبرراً ومقبولاً أن تستنفر وتحتشد وسائل إعلام الحوثي خلال الأحداث الأخيرة في مأرب باعتبار موقفهم منها وحقدهم عليها.

لكن أن تحتشد وسائل إعلام تابعة لأطراف يفترض أن الحوثي عدو مشترك لها ولمأرب، وتتصدر نشر الشائعات، بل وتتولى كبرها، فهذا يترك أكثر من علامة استفهام وتعجب؟!

لا تشكل مأرب أي تهديد أو خطر على إخواننا في الجنوب، بل على العكس كانت دوماً مصدر خير واسناد لهم ولا تزال.

ربما أنها بصمودها أفشلت مأرب كل مشاريع التشطير والتمزيق، وهذا ما يفسر انزعاج بعض أصحاب تلك المشاريع منها وتمنيهم زوال الأمن والاستقرار فيها.

مع كثير من التحفظات حول بعض الملفات الإدارية، تبقى تجربة مأرب الناشئة في الحكم تجربة يمكن البناء عليها لخلق نموذج مشرق لمشروع الدولة اليمنية الحديثة.

وبعيداً عن كل محاولات التشويه وحملات الاساءة التي تنال منها بين الحين والاخر، إلا أن مأرب استطاعت أن تنجح فيما عجزت عنه وفشلت فيه بقية المحافظات المحررة وفي مقدمتها العاصمة المؤقتة عدن.

ملفات كثيرة نجحت فيها مأرب بنسب متفاوتة رغم انشغالاتها بالاعداد والتاهيل لمعارك التحرير الفاصلة، من أبرزها الملف الأمني والخدمات والنازحين والتنمية وغيرها.

تعكس حالة القلق التي تسيطر على الناس خارج مأرب مع كل حدث أو واقعة فيها، حجم الرهانات والآمال التي تعلق على هذه المدينة. 

جاءت الأحداث التي أعقبت الإنقلاب الحوثي في اليمن لتضع مأرب في قلب الحدث، وشاء القدر أن تكون هي مصدر الضوء المنبعث من آخر نفق في اليمن المظلم.

على مدى عقود ومأرب ترزح في ظلام دامس من الجهل والتجاهل والتخلف والاختلاف بفعل سياسة التركيع السابقة.

لقد استطاعت المدينة السبئية إعادة كتابة التاريخ، ورسم حدود الجغرافيا، وسرد حكايتها، وتقديم نفسها كما هي دون مبالغة ولا إسفاف، وبلا شطط أو تزوير.

كانوا فيما مضى يدركون أن مأرب إن حضرت لن تقبل بحضور باهت، وإذا تحضرت لا ترضى بتواجد خجول ورمزي، لذا عمدوا على تغييب دورها واقصائها وإخراجها تماماً عن الخدمة طيلة العقود المنصرمة.

 خلقت مأرب، لتكون شوكة الميزان وقائدة التحولات التاريخية، وسيدة المدائن والحضائر اليمنية، وهذا سبب كافٍ ليبقونها ردحاً من الزمن خارج المعادلات السياسية.

وطالما تصدرت مأرب متن التاريخ وخرائط الحضارات لا يمكن لها أن تعيش على الهامش، ذلك أنها كتاب اليمن المقدس وعنوان حضارته السبئية، وشفرة مجده التليد.

 حين يفسح لها المجال وتتاح لها الفرصة تصنع مأرب المعجزات وتجترح المستحيلات.

تبهرك عندما تختبرها الأحداث، وتمنحك الضوء حين يداهمك ليل الميليشيات، تقويك عندما تضربك المخاطر، وتطمئنك حين تحاصرك  الخطوب.

تعرضت مأرب خلال السنوات القليلة الماضية لأعنف الهجمات وأشرس المعارك، واستهدفت بأخطر الاختراقات الامنية والاستخباراتية، وخرجت منها أكثر صلابة وتماسكا.

دفعت إيران نحو المدينة بأنساق لا حصر لها من كتائب الموت، وزنابيل  الظلام، بغية إطفاء وهج الدولة، وشعلة الثورة، وإخماد جذوة المقاومة لإحكام السيطرة على أهم القلاع الحصينة للجمهورية. 

لم تتوقف بعد، محاولات إطفاء ما تبقى من ضوء في آخر النفق اليمني من خلال استهداف مأرب.

لم تيأس خفافيش الظلام من محاولات التسلل والتسرب نحو مصادر الضوء، عبر ثغرات الاختلاف القبلي، وفجوالات التسامح السياسي. 

لقد عجز الحوثيون طيلة سنين الحرب عن إحداث أي اختراق أمني نحو مدينة مأرب سواء من خلال الخلايا أو عبر العملاء المحليين.

يبحث الحوثي عن التقاط أي صورة نصر له في مأرب، بعد أن حرمته المدينة من إلتقاط أنفاسه وصارت كابوساً يؤرق نهاره وليله.

 يُمَني الحوثي نفسه كل ليلة لو أنها صارت له، لو تحولت تحت إدارته وسيطرته، لو أن صافر أصبحت في قبضته.

لن يفوت الحوثي أي فرصة للنيل من مأرب، ولن يفرط في أي وسيلة لتصفية حساباته معها، ذلك أن بينه وبينها دم كثير وثأر قديم متجدد.

قد يستطيع تنفيذ أعمال تخريبية وتهديد المصالح العامة كضرب أبراج الكهرباء، وقطع الطريق، واستهداف المسافرين عبر مجموعة من المخربين، لكنه لن يتمكن أبداً من إطفاء ضوء مأرب.

وبينما يستميت الحوثيون لتحقيق هدفهم بكل الوسائل، يفعل الانتقاليون الأمر ذاته ليطفئوا مأرب بأفواههم كي يغرقوا اليمن في  مزيد من الظلام، وأنى لهم ذلك! 

 استهداف الكهرباء لعبة خطرة جداً رغم أن ظاهرها ابتزاز للسلطات المحلية من قبل مسلحون قبيليون إلا أن ثمة أياد خفية تلعب بالنار وتحرك تلك الدمى .

سيجرب الحوثيون بالتاكيد حظهم في السيطرة على مأرب مرة ومرات لكنهم سيتعثرون بيقضة رجال الأمن  و بوعي أبناء القبائل وصلابة وتماسك القيادة السياسية وسيموتون بغيضهم ولن يعثروا على مرادهم .

وما لم تحققه المليشيات عبر كتائب الموت وخلايا الإرهاب وعملاء التخريب لن تحققه من خلال الأقلام المأجورة والأبواق المستعارة.