المركز الوطني المقاوم للجمهوريين
نجيب غلاب
هي وسط اليمن جغرافيا ومركز ثقل تاريخي عظيم لتاريخ الحضارات اليمنية، ولذا ظلت عبر تاريخها نقيضًا للإمامة وكل ما يمكنه أن ينقض الإمامة العنصرية تحتويه داخلها وترفض من يأتيها وينقض طبيعتها اليمانية الحرة، وظلت تواجه أي مظالم تواجه اليمنيين، ولم يكن القردعي إلا أبرز رمز نضالي في العصر الحديث، وكان متواصلا مع اي مقاومة لنجاة اليمن من الاستعمار الخارجي والرجعية الإمامية الطليانية، ولم يكن إلا انعكاسًا لتجربة الوعي الغائر في الذهنية المأربية التي تمتد علاقاتها في جوانب اليمن المختلفة.
ظلت مأرب جمهورية بكل طاقتها، ووجدت في الجمهورية نجاتها، وهذا ما كان يخيف الكتل الإمامية العنصرية من ثقلها ووجودها كفاعل متميز .. واستمرت كنقطة ارتكاز رغم الحصار الذي فرض عليها بالعزل والدعايات المضادة لتشويه صورتها وأهلها.
المأربي إيمانه مصدر قوته؛ إيمان بالذات وبأهل اليمن وبالدين والتدين الذي يجمع بين الاعتزاز والشموخ وتقدير الذات وبين الارتباط بالله، بمجد جعل من تدينهم توحيدي وطني وموحد ملتزم بلا إله غير الله يقينا، ولذا ظل تدينهم عبر تاريخهم نقي من شوائب الشرك الذي ينقض الدين من جذوره كما جاء في القرآن والسنة الصحيحة.
وظلت مأرب حالة تواصلية مع كل اليمنيين بفعل الثقافة الراسخة المتوارثة للحضارات اليمنية، ومهما حدث كانت تعيد صياغة الصدامات مع من ينقض طبيعتها بالعودة إلى الذات والالتزام بالقيم المتوارثة التي تراكمت في بنيتها عبر التاريخ؛ ولو من خلال عزل نفسها من الصراعات المدمرة للنسيج الاجتماعي اليمني.
امتدادات الحالة المأربية مع المكون اليمني الاجتماعي للقبيلة كانت هي الأنضج والأكثر حيوية في حالة حدوث صراعات مهددة للوجود اليمني، ثقافة وإرثًا حضاريًا وتدينًا والتزامًا مع أي انبثاق للمشروع الوطني وعبر تاريخها.
ولأنها مركزية في الجغرافيا مع كل الحضارات التي انبثقت عبر التاريخ اليمني، وكما هي محددة اليوم في الدولة الوطنية للجمهورية اليمنية، ظل دورها مركزيا حتى وهي تعزل نفسها عندما تحدث اضطرابات وفوضى وعدم استقرار، وتتدخل في سياق حماية الذات ولعب دور في التدخل الاجتماعي بما يعيد الأمور إلى نصابها وفق مبادئ الأخوة والتواصل الإيجابي، بما في ذلك توظيف الطاقة القتالية لصالح الوحدة وحماية الهوية الوطنية مع تبجيل إرثها وتجربتها الاجتماعية.
واجهت مأرب مصاعب كثيرة نتيجة ثقلها وقوتها، والتي تعاظمت بعد أن أصبح كل يمني يستفيد من ثرواتها في النفط والغاز، وتحولت مأرب بعد ثمانينيات القرن الماضي وإلى الآن المغذي الأول والأساس لمصالح القوى الوطنية شمالًا وجنوبًا، وأرسلت خيرها للدولة لتثبيت قوة جمهورية الشعب، ولكل اليمنيين ودون أن تشتكي إلا مطالبة بالحقوق التي تمكنها من تنمية نفسها لتكون شريكًا حاميًا ومدافعًا عن الجمهورية، والتي قرأتها مأرب باعتبارها مصدر قوة لها وخيرًا للجميع.
عادة الإمامة بنسختها الحوثية وارتبكت قوى السياسة والقبائل وكثير من اليمنيين، وانتفضت مأرب بثقلها من أجل جمهورية أهل اليمن، وخرجت من العزلة المفروضة والحصار الخبيث، وإذا بها تحولت إلى مأوى لكل الجمهوريين من اليمن كله ومن كل المحافظات، وأصبحت بوتقة انصهر فيها كل الجمهوريين، وتمظهرت بكافة تحركاتها وكأنها المركز الجامع لليمنيين المقاومين لكهنوت الظلم والسلالة، وتجمع كل الأحرار فيها وأصبحت المركز الأكثر حماية وحفاظًا لجمهورية الشعب ودولتها.
مأرب هذه الجغرافيا الأسطورية عبر تاريخ الحضارات اليمنية هي اليوم مأوى نضالي في مواجهة المخاطر التي تهدد اليمنيين، وكل من وجد الظلم وأراد أن يقاومه ويواجهه اتجه إلى مأرب ووجد فيها روحه الوطنية ونجاة اليمن، ووجد فيها يمنيين من كل المحافظات يعيشون كأخوة يحملون طموحات كثير من اليمنيين في مواجهة الإمامة بنسختها الحوثية الإيرانية، والتي تعمل كمستعمر داخلي لخدمة أجندات أخبث استعمار في التاريخ (الخمينية الإيرانية).
في مأرب ستجد الكرامة والعزة والاستعداد للتضحية، واندمجت في مدينتها الهوية الوطنية لتتحول إلى مقاومة قوية ومركز ثقل المعركة، ولا يمكن اختراقها بفعل طبيعتها وتخلقها التاريخي والمعاصر كمركز جامع لليمنيين.
المأربي أصيل جمهوري أصيل واستقبلت الأرض أهل اليمن وتحولت مأرب إلى أعظم وأقدس مركز لكافة الجمهوريين، واقوى نقطة ارتكاز للمقاومة في اليمن كله، وبالإمكان القول أن مأرب اليوم هي أعظم جغرافيا مقاومة جامعة لكل الجمهوريين.