مطارح مأرب.. الدلالات والمآلات
عبدالحميد سعيد الشرعبي
لم تك مطارح مأرب لحظة تأسيسها في 18 سبتمبر 2014م مجرد حدث يختص بأهميته وأبعاده ودلالاته وتأثيره بجغرافية مأرب وقبائلها وكافة قواها السياسية والمدنية وسلطتها المحلية فحسب، بل كانت حدثا مزلزلًا على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، وتحولًا في سيناريو المشهد اليمني المرسوم خارجيًا في إطار سيناريو أكبر يستهدف تغيير وجه المنطقة العربية بكاملها، وتحطيما لأحلام ومشاريع داخلية سلالية كهنوتية تستهدف ثورته وحريته وتأريخه وحاضره وعروبته، وخارجية فارسية إيرانية احتلالية توسعية، ومن المطارح كانت بداية لكتابة مشهد آخر للتاريخ اليمني المعاصر متصالح مع تاريخه ومعتقده وحضارته وحاضره ويحمل تطلعات مستقبله.
ولتوضيح ذلك يجب قراءة المشهد اليمني بدءًا بالأطماع الخارجية بموقع اليمن وثروته، ومخاض صراع بين دول كبرى للسيطرة على العالم وحكمه أمام تثبيت نظام القطب الواحد والعولمة الذي بدأ يتأكد، أو ميلاد نظام عالمي جديد يقوم على تعدد الاقطاب، وتقويض الدول والشعوب خاصة العالم الثالث وبالذات في الشرق الاوسط قلب الصراع ومحوره، بإثارة كل أنواع الصراعات، من صراع حضارات إلى صراع عرقيات وقوميات ومناطقية، وصراع سلطة وثروة، وصراع بالوكالة وتدخلات خارجية عبر السفارات والأمم المتحدة ومنظماتها لإدارة تلك الصراعات.
وجدت إيران ضالتها لتحقيق أطماعها القديمة قدم التاريخ في احتلال اليمن بعد احتلالها للبنان والعراق وسوريا بمساعدة أمريكية بريطانية غربية إسرائيلة، وجدت ضالتها في مليشيا الحوثي الإرهابية من أبناء السلالة الفارسية التي بدأت طلائعها في استيطان اليمن مع أول احتلال فارسي لليمن في عهد سيف بن ذي يزن، ثم في عهد الرسي الطبطبائي وأدعيائهم الذين زورا هاشميتهم وانتماءهم لآل البيت، وأن الله اصطفاهم لحكم اليمن، ولقبوا أنفسهم بالأئمة والأسياد والأشراف وأعلام الهدى، وقبائل اليمن رعية وعبيدًا وكفارًا انجاسًا، ومارسوا بحق اليمنيين كل أنواع البطش والتنكيل والإبادة باعتبارهم غنيمة حرب إلى جانب إغراقهم في وحول الجهل والفقر والمرض.
كشفت ايران عن حضورها في المن عام 2004م بإعلان الصرخة الخمينية من صعدة على يد شباب دربتهم ودرستهم بقيادة حسين بدر الدين الحوثي، وخاضت الدولة معهم ستة حروب.. وبتدفق الأموال الإيرانية والأسلحة والغطاء السياسي الدولي، تمكن علوج الفرس الحوثيين من البقاء والتوسع وبشعارات خداعة تتغير وفق المرحلة من ادعاء المظلومية إلى حقوق الزيدية ثم استغلال الخلافات والصراعات السياسية التي كانت تذكيها بين القوى السياسية والأحزاب وإذكائها الصراعات المناطقية والطائفية والفوضى الأمنية والثارات بين القبائل وتسللت وتسلقت على أكتاف الجميع.
وزادت أطماعها وفرصها بالسيطرة على اليمن الكبير والقضاء على ثورة 26 سبتمبر الخالدة التي اجتثت النظام الكهنوتي السلالي الفارسي، وأعادت السلطة للشعب وأقامت نظامًا جمهوريًا عادلًا، وتنفيذ مشروعها الذي لم تكن تعلن عنه بعد بإعادة النظام الإمامي الكهنوتي بنسخته الإيرانية كما هو في العراق، وبدعم دولي وأممي أدخلوا مليشيا الحوثي الإرهابية في مؤتمر الحوار الوطني التي خرجت فيه القوى السياسية بوثيقة تتضمن حلولًا لكافة الإشكالات التي تعاني منها اليمن وتسببت بالصراعات وتؤسس لشراكة حقيقية في السلطة والثروة.
ومن مؤتمر الحوار كانت مليشيا الحوثي تروج لنفسها بأنها مع حقوق الشعب اليمني ومؤمنة بثورة 26 سبتمبر، وأنها لا تريد السلطة وإنما حقوق الشعب، فيما كانت على الأرض تواصل حروبها على الجيش والقبائل اليمنية من صعدة حتى الجوف وحجة وعمران، وتتوسع بالسيطرة، حتى وصلت إلى العاصمة صنعاء وسيطرت عليها واحتلت مؤسسات الدولة في 21 سبتمبر 2014م، ثم انطلقت للسيطرة والتوسع نحو المحافظات اليمنية الكبرى وأحيانا كان الطيران المسير الأمريكي يدعمهم جويًا كما حصل بالبيضاء، واليمنيون بين مصدوم بما حدث ومخدوع بشعاراتها البراقة وطامع في المصالحة معها، وباتت القوى الوطنية مبعثرة ولا توجد قوة أو قيادة تستطيع الوقوف أمامها، وبات مشروعها في القضاء على النظام الجمهوري وثورة 26 سبتمبر وإعادة النظام الكهنوتي السلالي قاب قوسين أو أدنى.
في هذه اللحظة التاريخية الفارقة انبرت محافظة مأرب النائية والصحراوية بقبائلها وقواها السياسية والإدارية الرسمية والشعبية، بقيادة محافظها سلطان بن علي العرادة، بكل شموخ وعزة وكرامة وإباء، لتصنع مجدًا جديدًا لها ولليمن، وتقول كلمتها الفصل " لن تمروا" ولن تتحقق أحلامكم، ولن ينفذ مشروعكم. القادة الاستثنائيون للمشروع الوطني إذا غابت القيادات، ونحن سلالة ملوك سبأ صانعي الحضارات، ودان لنا العالم وأصل اليمن والعرب، وحماة الوطن والجمهورية والدولة وعمق اليمن الكبير وموطن الأحرار، ونحن الصخر الذي تتحطم عليه مخططات وأجندات ومشاريع فارس وإيران في احتلال اليمن، ونحن من يقضي على علوجها ولكم في قيس بن مكشوح والقردعي مثالًا.
وتقاطر أبناء محافظة مأرب من كل حدب وصوب، قبائل وقوى سياسية وسلطة محلية، وقيادات في أجهزة الدولة العليا وضباطًا ومنتسبي المؤسستين العسكرية والأمنية من كل أرجاء اليمن لتوحيد صفوفهم ونبذ الخلافات متسامين على جراحاتهم وثاراتهم التي كانت مليشيا الحوثي الإرهابية تراهن عليها لكسر إرادتهم وتفريقهم، وأسسو " مطارح مأرب" رافعين مشعل ثورة 26 سبتمبر مؤكدين أنها ثورة مستمرة والنظام الجمهوري سيظل قائما، والتي أشعلت في نفوس كافة أحرار اليمن وقبائلها وهج الثورة والحرية والكرامة، وفتحت مأرب صدرها لكل أحرار اليمن ليشاركوا في شرف الدفاع عن الوطن والجمهورية والهوية اليمنية ومقاومة الاحتلال الايراني، ومثلت عمق اليمن الكبير وحصن الجمهورية، وتشكلت المقاومة الوطنية لمواجهة آلة الحرب الجبارة لمليشيا الحوثي الإرهابية وعلوج الفرس، واستنهضت روح المارد اليمني الحرة في المحافظات الأخرى لمقاومة مليشيا الحوثي، وإدراك خطرها، وفي مقدمتها محافظات تعز وعدن ولحج والضالع وشبوة والبيضاء وغيرها.
وشكلت مطارح مأرب النواة الأولى للمقاومة الوطنية المكونة من أحرار اليمن من كل ربوع اليمن ومحافظاتها ومخالفها وقبائلها، ومثلها فعلت بقية المحافظات، وصنعت تاريخًا في مقاومتها لمليشيا الحوثي وصنعت أروع الملاحم رغم الفارق الكبير في القدرات والتسليح والإمكانات التي كانت تتفوق بها مليشيا الحوثي الإرهابية، إلا أن أبناء مأرب ومطارحها كانوا يتفوقون بإيمانهم بالقضية واستعدادهم للتضحية وبالشجاعة والكرامة والحرية والإقدام التي كانت تمنحهم العزة والنصر.
وعندما تدخل الأشقاء، وهبت المملكة العربية السعودية تقود تحالفًا عربيًا لمساندة الشرعية الدستورية في اليمن وقبائل مأرب وأحرارها بعد أشهر من الكر والفر والصمود، تمكنت مأرب من تحطيم أحلام مليشيا الحوثي وإنهاء مشروع الاحتلال الفارسي الإيراني لليمن ولمأرب، خاصة التي شكلت أيضًا سدًا منيعًا لتوسع مليشيا الحوثي واحتلالها المحافظات الشرقية والجنوبية.
ومن مأرب تشكلت نواة الجيش الوطني وبإسناد المقاومة الشعبية من أحرار اليمن تمكن اليمنيون من الوصول إلى تخوم العاصمة صنعاء لتحريرها لولا تدخل الدول الكبرى لحماية مليشيا الحوثي الإرهابية السلالية في إطار المشروع المشترك بين أمريكا وإسرائيل وبريطانيا مع النظام الإيراني ومليشياته لتغيير وجه المنطقة والقضاء على العرب والإسلام والوصول إلى الكعبة المشرفة.
لقد أذهلت مأرب العالم أجمع في قيادتها وشموخها وفكرها الحضاري وتمسكها بالنظام الجمهوري والحرية والكرامة، وبالتسامح وسعة الصدر واحتضانها الأحرار من كل اليمن، رغم التشويه الذي كانت تتعرض له على مدى سنوات لشيطنتها في عيون اليمنيين والعالم وعزلها عن محيطها، وبالتالي إنهاء أي دور وطني مستقبلي لها، ولكنها مثلما دافعت عن الجمهورية، تمسكت بالشرعية وحافظت على مؤسسات الدولة، ولم تتعرض لأي نهب أو تدمير كما حصل في العديد من المحافظات حتى تلك التي لم تتعرض للحرب؛ بل وفي نفس الوقت الذي كانت تدافع فيه وتصنع الملاحم البطولية، كانت على قلب رجل واحد وبقيادة محافظها اللواء العرادة، تخوض معركة التنمية للبنى التحتية التي تكاد تكون منعدمة وتطور الخدمات وتتمسك بالنظام والقانون وتفعل القضاء والأجهزة الامنية التابعة لوزارة الداخلية، وتوفر الحريات الإعلامية، وتطور في منظومة التعليم وتنشئ الجامعة وتفتتح فروعًا للمؤسسات الخدمية التي لم تكن موجودة من قبل في المحافظة، وتصنع الجمال في نظافة الشوارع وتزيينها وتوسع المساحات الخضراء وتتوسع في الأنشطة المعمارية والتجارية في ظل الأمن والاستقرار.
إن مطارح مأرب ليست حدثًا وموقفًا عابرًا، ويحق لأبناء مأرب التفاخر والاحتفاء بذكراه؛ بل يجب أن يحتفل به كحدث وطني، ومحطة هامة لوهج ثورة 26 سبتمبر واستمرارها والحفاظ على النظام الجمهوري، إنها مطارح حفظت لليمنيين مجدهم وتاريخهم وجمهوريتهم، مطارح صنعت تاريخًا جديدًا، وأنهت السيناريوهات الخارجية المعدة لليمن مسبقًا، مطارح جعلت من مأرب رقمًا صعبًا في كتابة التاريخ اليمني المعاصر، ولها حضور لا يمكن تجاوزه في أي تسويات سياسية أو عسكرية لليمن، رقمًا صعبًا في استعادة الجمهورية والقضاء على علوج الفرس وتحرير العاصمة صنعاء وإنهاء المشروع السلالي الحوثي، وقطع اليد الإيرانية الممتدة لاحتلال اليمن عبر علوجها من أبناء الفرس مليشيا الحوثي الإرهابية السلالية.
عظيم التهاني والتبريكات لأبناء مأرب وقبائلها وقواها السياسية ولأبناء اليمن بهذه المناسبة؛ الذكرى العاشرة لمطارح مأرب الامتداد لثورة 26 سبتمبر الخالدة، والتي يجب أن تظل نبراسًا وتاريخًا يروى للأجيال.