آن لليمن أن ترد جميل مأرب !!
يحيى الثلايا
مجددًا .. آن لليمن أن ترد جميل مأرب !!
حين طلب مني الصديق العزيز محمد الصالحي المساهمة في الكتابة عن مأرب القضية والتجربة والنضال، عاد بي شريط الذكريات إلى العام 2008م مع مأرب ذاتها ومحمد الصالحي نفسه.
كانت أول زيارة وطئت فيها قدمي تراب مأرب الغالي عام 2008م، بدعوة كريمة من الأستاذ محمد الصالحي ورفاقه في موقع مأرب برس الإخباري، للمشاركة في فعاليات ندوة نظمها مأرب برس بشراكة وحضور دبلوماسي بريطاني ونخبة سياسية وقبلية واجتماعية نوعية، ندوتهم تطرقت لظاهرة الإرهاب وتداعياتها وتوظيفاتها السياسية.
لم أتردد أبدًا في القبول الفوري لدعوة الأستاذ الصالحي، فهي مأرب التي أحبها، ويشتاق للعودة إليها كل يماني أصيل يحن لموطنه الأول، فمن هنا جاءت اليمن؛ بل هنا ولدت العروبة وانطلقت الحضارة.
مأرب قصة تختلف عن كل القصص، هي الحضارة والمجد والعراقة والمستقبل، هي المتحف الأعظم في التاريخ الذي لازال يحول بينه وبين الظهور والإشراق لثام من رمل وحاجز من كسل يماني.
مما أحسبه لنفسي وأعتز به أنني لم أكن إلا محبًا لمأرب مفتخرًا بها، مشتاقًا إليها منذ قرأت وكتبت أحرف مأرب في صفوف المدرسة الأولى.
حين جاءت الحرب وسقطت البلاد وتهاوت جمهورية اليمانيين، بقيت لنا مأرب دون سواها وطنًا وملاذًا وقلعة ومنطلقًا للعودة الظافرة نحو ما هو أبعد وأعظم من استعادة جمهورية السلال، لقد وجد الناس أنفسهم فجأة في مأرب من كل قرى البلاد ومدنها، كأنما هي عودة إلى المنبع أكثر من كونها هجرة البحث عن الخلاص وصناعة النصر المنشود.
حين تفننت وأبدعت مأرب في التضحية والفداء والبسالة والتفرد، كان الكثير من النخب والساسة في سياق الفخر والمباهاة بها يقولون ما معناه (الله ما أعظمها مأرب ، لقد تغيرت مأرب وبانت صورتها مدهشة، إن مأرب ليست كما كنا نعتقد؛ بل قال بعضهم إن مأرب جميلة وعظيمة).
كانت تستفزني جدًا، هذه العبارات والاعترافات التي كان يطلقها أهلها إنصافًا أو مباهاة، ذلك أنها بدت كمراجعات وصحوة متأخرة عن أوهام سابقة ورسومات زائفة اقتنعوا بها، أو تسربت إلى عقولهم بفعل دعايات سوداء!.
لا يستقيم لسياسي أو مثقف أو كبير قوم مطلقًا أن يعمم على منطقة صورة قاتمة ويطلق عليها حكمه؛ سواء كانت مأرب أو غيرها مما تعتبرونه وطنًا، لكنني تجاه مأرب بالذات لا أستطيع الغفران والتسامح مع من أساؤوا لها ذات يوم.
***
مطلع العام 2016 في احتفالية بمناسبة وطنية ألقيت كلمة في قاعة الشهيد علي بن ناصر القردعي، لم استطع مغالبة الدمع وأنا أرى أمامي مأرب وكل اليمن المجروح، مما قلته آنذاك:
:
((صباح الخير من مأرب .. صباح الثورة والحرية والنضال والمقاومة ..
صباح الخير من عرش بلقيس ومعبد الشمس .. من وادي عبيدة ومن مقام علي عبد المغني ومن بلاد علي بن ناصر القردعي !!
من مدينة المقاومة والشموخ والبقاء .. عاصمة استعادة الجمهورية الثانية..
.حين انكسرت اليمن .. كانت هناك مأرب ..
حين انهزم اليمانيون انبرى أبطال عبيدة والجدعان وجهم وحريب ومراد الجود وكل من آوى إليهم من أحرار اليمن ..
وحين ارتبك الرجال والقادة .. سطع نجم سلطان بن علي العرادة وعبد الرب الشدادي !!.
سلام الله عليك يا مأرب وأنت كل يوم وكل عصر تمنحين اليمنيين أملًا ومجدًا وكهرباء ونفط وبرتقال.
.
آن لليمن أن ترد جميل مأرب.
من مأرب .. ومن مسارب السد .. تفرقت العرب أيدي سبأ .. ومنذ تفرقت العرب إثر سيل العرم لم تجتمع في تاريخها أو تستعيد حضارتها !!
اليوم ... ها هم اليمانيون والعرب يتداعون إلى حضنهم الأول ومنبعهم الأصل .. ها هي العروبة تعانق روحها المبعثرة في وادي سبأ من جديد ..
وسنكون بإذن الله على موعد مع المجد ... مع الحضارة والازدهار .. في أرض الجنتين والصناعة والزراعة أرض الأقيال)).
مازال على اليمن أن ترد الجميل لمأرب، ومازلنا على الموعد المنتظر مع المجد يا مأرب.
كم من الحكايات والتفاصيل التي يمكن قولها عن مأرب، إضافة لكونها مأرب بكل ما تعنيه الكلمة فقد عجنتنا هذه الأرض الغالية بالحب والدمع والدم والأمل والعزم.
مأرب أكبر من مدينة وأكبر من عاصمة؛ بل هي وطننا الأكبر، وحضارتنا التليدة ومستقبلنا المشرق، وهي فعلًا التي صنعت المعجزة وردت السيل مطلع، سيل القبح والطائفية والكهنوت والسلالة الغاشمة الذي اجتاح البلاد كلها دون توقف، بينما صحراء مأرب دون سواها ابتلعته وبعثرته وأوقفته عن الجريان، وردت ما تبقى من قيح السلالة النتن خائبًا هاربًا نحو الجبال.
تخيلوا أن اليمن بعد سقوط صنعاء لم يكن فيها شيء يسمى مأرب!.
إن الحديث عن ما أنجزته مأرب وتحبير سطور سفرها العظيم يحتاج إلى جهود كثيرة، وعمل دؤوب يدون كل القصص والتفاصيل والبطولات التي ستبهر الأجيال، هذه المهمة الجليلة مسؤولية في أعناقنا جميعًا بلا استثناء، وإن كان لي أمل أن يقود العزيز الصالحي ورفاقه هذه المبادرة.
هناك الكثير من الأشواق والعبرات التي يجب أن ندونها في الأوراق؛ بل وفي صخور المسند مجددًا، كما صنع أسلافنا الأقيال لكي تظل عصية على النسيان وثابتة أمام عوامل التعرية وتقادم القرون.
** لكن الأهم اليوم هو التأكيد أن مأرب أحوج ما تكون اليوم إلى رؤية استراتيجية شاملة للتنمية والنهوض والبناء والاستثمار، أن هذه الأمة التي صمدت عقدًا كاملًا وتغلبت على أعتى الظروف والمصاعب والمشاق والمكائد، جديرة برسم لوحة النهوض، لقد أودع الله في مأرب كل مقومات الحياة وعوامل الحضارة، وحبى أهلها ومجتمعها من المزايا والطباع ما يؤهلهم للريادة ومجد يبلغ الآفاق، وزاد اليوم أن ساقت إليها الأقدار خيرة ما في البلاد من رجال وشباب، وهذا كله لابد أن يحتشد لرسم لوحة العودة إلى عرش سبأ وتدفق الجنتين.
مأرب اليوم بحاجة إلى خطة ورؤية استراتيجية خمسية وعشرية وعشرينية وخمسينية تستفيد من كل المقدرات والإمكانات المتاحة أمامها، ومن كل التجارب الناجحة من حولنا، والفرص المتاحة التي لن تستمر متاحة إذا لم نحسن استغلالها.
وإذا لم يتحقق هذا التحول والعزم في عهد سلطان وادي سبأ وزعيم البلاد وفارس الشعب سلطان بن علي مبخوت العرادة فمتى وعلى يد من؟!
إن ميزة مأرب ليست فقط أنها محتاجة لهذا الطموح المشروع؛ بل الأهم أنها مؤهلة له وجاهزة وتمتلك كل أسبابه، وبقدر ما هو احتياجها فنهوض مأرب هو حاجة ملحة لكل اليمن؛ بل وللعروبة كلها.
ولا يتوقف الحديث إليك أو عنك مأرب أو تحتويه مساحة.