مطارح نخلا.. مقاومة شعب ووطن عندما تهاوت العروش والجيوش
محمد الولص بحيبح
في لحظات ومرحلة صعبة ومعقدة كانت تعيشها اليمن، تعتبر من أصعب الأيام والأشهر في تاريخ اليمن؛ وعلى وجه الخصوص(يوليو - أغسطس - سبتمبر) من العام 2014م، عندما كانت تزحف مليشيات الحوثي الإيرانية من الجوف باتجاه مأرب بهدف إسقاط مأرب وحقول النفط والغاز، ومن ثم التوجه إلى حضرموت، وفق خطط المشروع الإيراني التوسعي، وكان ذلك في شهري يوليو وأغسطس 2014م، وقد وصلت عصابات الحوثيين مفرق الجوف وبعض بلاد الجدعان الأشاوس بعد معارك طاحنة استمرت في جبهة الصفراء – مجزر- لعدة أشهر، سقط فيها مئات من الشهداء والقادة من المقاومة الشعبية ومئات القتلى من الحوثيين، وفي نفس الوقت كانت مليشيا الحوثي تحاصر صنعاء بحجة الجرعة السعرية في شهري يوليو وأغسطس، وتحشد بعشرات الآلاف من مقاتليها وفق المخطط الإيراني لإسقاط العاصمة صنعاء والاستيلاء على مقدرات الدولة والبنك المركزي ومؤسسات القوات المسلحة والأمن ووسائل الإعلام الرئيسية ومقرات المخابرات والمطارات ...الخ، واشتد الزحف عسكريًا من مليشيا الحوثي بحشود كبيرة على مأرب، وبدأت الصفوف في صنعاء والقوات المسلحة ووسائل الإعلام الحكومية تتصدع وتتوارى عن المشهد، وتفاجأ الشرفاء من الشعب اليمني والجيش بأن صنعاء على وشك السقوط بيد عصابات الحوثي.
في نفس الوقت كانت تدور معارك طاحنة في منطقة رداع، منها في خبزة ومناطق أخرى في قيفة – البيضاء، تصدى فيها أبطال قيفة ومن معهم من أبطال البيضاء لأشرس حرب وهجوم حوثي عليهم.
حينها قرر بعض مشائخ وقيادات قبائل مأرب وقيادات حزبية مأربية اتخاذ قرار وطني شجاع، وكان –حينها- قرارًا مصيريًا؛ وهو إنشاء وتأسيس مطارح قبائل مأرب لجمع مقاتلي القبائل وتشكيل المقاومة، وتم اختيار منطقة نخلا لذلك الغرض.
وحينها يعتبر الظرف والوقت أقسى وأخطر لحظة في تاريخ الشعب اليمني الحديث، حينها قالت قبائل مأرب وأحزابها كلمتها وحزمت قرارها وحسمت أمرها بأنها لن تنحني للعاصفة، ولن تعود إلى تقبيل أقدام الكهنة، ولن تبدل الحرية والجمهورية بالذل والعبودية، وهنا تداعى أسود وصقور مأرب لاتخاذ مواقف وقرارات مصيرية لتشكيل مقاومة شعبية حاملين أسلحتهم وأكفانهم، معاهدين الله والوطن بالوقوف صفًا واحدًا في مواجهة فلول التمرد والإرهاب.
شكل هذا الموقف للقبائل تغييرًا في المعادلة العسكرية أمام جحافل الحوثي المدعومة من إيران، وبدأ نصب الخيام في منطقة نخلا؛ خيام العز والشرف والوطن، وتجمعت القبائل بأسلحتها الشخصية وسياراتها الخاصة في يومي 17و18 سبتمبر من العام 2014م، وذلك من كل مناطق ومديريات مأرب الأبية، وبدأت كل يوم تزداد أعداد الحشود والمقاتلين والتعزيزات من جميع قبائل مأرب، ووضحت المطارح موقفها السياسي والوطني منذ الوهلة الأولى؛ بأنها إلى جانب الدولة، وترفض الانقلاب الحوثي على مخرجات الحوار الوطني واجتياح المحافظات اليمنية؛ محافظة بعد الأخرى من قبل عصابات الحوثي المسلحة الخارجة على النظام والقانون المدعومة إيرانيا، وتم تشكيل قيادة موحدة لمطارح نخلا بقيادة الشهيد القائد عبدالله بن حمد بن جرادن العبيدي رحمه الله، وتم تشكيل حزام أمني للمطارح وإدارة عمليات وادارة تموين وإعلام وتسليح و...الخ. وبدأ التواصل بين قيادات من مطارح نخلا هي والبعض من أحرار قبائل اليمن وبعض الضباط الشرفاء في القوات المسلحة للانضمام للمطارح القبلية في مأرب، وبعد 5 أيام من تأسيس المطارح تهاوت العروش والجيوش في صنعاء العاصمة مساء 21/9/2014 وسقطت العاصمة والمدن والحواضر من حولها، ووقف الجميع يشاهدون في ذهول فصول مأساة ضياع وخراب البلد، وطوفان الخراب والإرهاب يطوف بالمدن والقرى، وشكلت مطارح نخلا في مأرب النواة الاولى للعمل المقاوم على مستوى اليمن بعد إسقاط الدولة والسيطرة على مؤسساتها السيادية، وانطلقت مواكب الدفاع والتحرير إلى شمال وغرب وجنوب مأرب كدرع فولاذي يحمي المحافظة من أي هجوم عسكري محتمل، ومن هنا انطلقت شرارة المقاومة وعاد الأمل للشعب اليمني في الخلاص من قبضة الميليشيات، وتداعى الأحرار للحاق بإخوانهم حتى لا تنطفئ الشعلة ويضيع الوطن.
وقد صنع هذا الموقف البطولي العظيم نقطة تحول كبير من أجل استعادة الدولة وإعادة بناء وتشكيل الحكومة الشرعية وأهم مؤسساتها؛ الجيش والأمن، واحتواء وتوجيه جهود كل الشرفاء والأبطال في ربوع اليمن، وكان طليعة العمل العسكري الذي توج بمشاركة الأشقاء في إسناد الشعب اليمني من خلال إطلاق عاصفة الحزم في فجر 26/3/2014، وتشكل تحالف دعم الشرعية في اليمن لمواجهة الانقلاب الحوثي وقطع يد إيران التي تفاخرت بإسقاط صنعاء وأنها أصبحت العاصمة العربية الرابعة بأيديهم.
وما يميز هذه المطارح هو الإجماع القبلي الكبير الذي تجاوز الفرز المناطقي والخلافات والثارات القبلية وانتظم الجميع في صف الوطن بإمكاناتهم الذاتية.
وفي نهاية شهر ديسمبر 2014 تم تأسيس مطارح الوشحا - مراد في منطقة الجوبة، وذلك لإسناد ورفد مطارح نخلا عسكريًا وسياسيًا، ومثلت هذه المواقف التي قامت بها مأرب وأبطالها ومن معهم من أحرار اليمن تحولًا وطنيًا في مسار الأحداث محليًا واقليميًا، وكانت الصخرة الأولى التي أفشلت المشروع التوسعي الإيراني قبل أن يستولي على اليمن كاملًا والوصول إلى المهرة وحضرموت وخليج عدن كما حدث من سقوط للعاصمة.
تحل علينا اليوم الذكرى العاشرة لمطارح نخلا ونتذكر معها آلاف من الأبطال ممن قدموا أرواحهم ودماءهم رخيصة من أجل تحرير الوطن، كذلك إنصافا وعرفانا فإن اللواء سلطان العرادة محافظ مأرب كان الداعم الأول لهذه المطارح من أجل الدولة والشرعية الدستورية ورفض الانقلاب، عندما سقطت وزارة الدفاع وكل مقرات الدولة السيادية في صنعاء كان اللواء العرادة رمزًا وطنيًا شامخًا، وقاد مرحلة جديدة في اليمن كانت الأساس والنواة الأولى لإعادة الأمل للشعب اليمني الذي أصبح تحت سيطرة مليشيا الحوثي. وللتاريخ هناك قيادات حزبية ورجال دين ورجال أعمال ومشايخ قبائل وضباط وشباب من أبناء مأرب كان لهم دور رئيسي في دعم هذه المطارح، ولا نريد أن نذكرهم في الوقت الحالي تحاشيًا لتصنيف مشاركتنا هذه بأننا قد ننحاز إلى بعض الأطراف والأشخاص، وهناك لدينا وثائق ومراسلات وصور وشواهد حول مطارح نخلا وقبلها، توضح الكثير عن المطارح والأدوار والمواقف عشتها وشاركت فيها، وكان لي دور في ذلك قبل المطارح وبعدها ضمن أداء الواجب الوطني المقدس، وستكون يومًا ما هذه الشواهد بين أيدي الجميع ضمن التوثيق والحقائق لمطارح نخلا، وفي حديثينا المقتضب هذا في الذكرى الـ10 لمطارح مأرب لا نملك إلا أن ندعو للشهداء بالرحمة ونخلد ذكراهم بأحرف من نور، وندعو الله الشفاء للجرحى، وشكرًا لكل الأبطال المقاتلين والمقاومين والأحرار من كل مناطق اليمن، ومن هنا نوجه تحية لكل من شارك في تأسيس وتكوين هذه المطارح من قيادات ومشائخ وشباب من كل فئات المجتمع.