مطارح مأرب ..الصورة المشرقة للقبيلة اليمنية
ناصر الصانع
قد يكون ما حدث على أطراف صنعاء ( قبائل الطوق) حينما اجتاحت جماعة الحوثي العاصمة وانقلبت على الشرعية وسيطرت على مؤسسات الدولة بقوة السلاح في ٢١ سبتمبر من العام ٢٠١٤م ؛ قد رسم صورة ذهنية خاطئة عند الكثيرين تجاه القبيلة اليمنية، في حين أن حقيقة ما جرى لم تكن كما تم تصويره على أنه تواطؤ من القبيلة مع جماعة الحوثي، فقد تخلت الدولة حينها عن خيار المواجهة العسكرية مع جماعة الحوثي لحماية الجمهورية، بسبب عوامل خارجية وداخلية يطول الحديث عنها، والتي بطبيعة الأمر أثرت سلبًا على المشهد وفرضت واقعًا جديدًا.
غير أن ما جرى في محافظة مأرب في شهر سبتمبر ذاته، من نفس العام 2014 ، أظهر الصورة الحقيقية المشرقة للقبيلة اليمنية، وأعاد إليها هيبتها ومكانتها الرائدة، وأكد أهمية دورها الإيجابي والمؤثر في الأحداث.
ففي الوقت الذي كان القادمون من غبار التاريخ ومن أعماق كهوف مران يزحفون باتجاه العاصمة صنعاء، تساندهم قوى داخلية وخارجية وتمهد الطريق أمامهم، كان رجال القبائل في مأرب ومعهم القوى الوطنية يكتبون فصلًا جديدًا من فصول التاريخ المشرق بأحرف من نور، حيث تداعى أبناء القبيلة هناك إلى إنشاء المطارح كخط دفاع أول لمواجهة مليشيات الحوثي الانقلابية.
لقد شكلت مطارح مأرب صورة مذهلة من حالة التلاحم بين القبيلة وقيادة السلطة المحلية والمكونات السياسية، ستظل تلك الصورة محفورة في ذاكرة اليمنيين، وملهمة للأجيال على مر التاريخ، حيث انصهرت داخل مطارح مأرب كل الخلافات وذابت كل التباينات وتوحدت الجهود والتف الجميع حول هدف واحد، هو الدفاع عن النظام الجمهوري والتصدي لمليشيا التمرد الحوثية.
لقد مثلت مطارح مأرب نقطة الضوء وسط الظلام الحالك الذي خيم على ربوع اليمن، ونقطة التحول التاريخية في مسيرة اليمن المعاصر، وشكلت حجر الأساس في بناء اللبنات الأولى لنواة المقاومة الشعبية، ومن ثم بناء وحدات الجيش الوطني الذي حمل على عاتقه مشروع اليمن الكبير؛ مشروع الدفاع عن الجمهورية والمكتسبات الوطنية والهوية اليمنية التي حاولت مليشيا التمرد الحوثية طمس معالمها.
لم تكن مطارح مأرب حدثًا عابرًا يمكن تجاوزه، أو مجرد استنفار لحظي يمكن تخطيه أو القفز عليه؛ إنما هي امتداد لنضالات القبيلة المأربية التي ساهمت في إشعال ثورة الـ ٢٦ من سبتمبر المجيدة ضد الحكم الإمامي المستبد في منتصف القرن الماضي.
ونحن نحيي الذكرى العاشرة لتأسيس مطارح مأرب لا يمكن أن ننسى تلك الصورة النمطية السيئة التي ظل النظام السابق يحاول إلصاقها بقبائل مأرب طيلة العقود السابقة على أنهم مجرد قبائل متناحرة ومتمردة على الدولة، ومجاميع قبلية مسلحة خارجة عن النظام والقانون؛ فقد أثبتت الأحداث في السنوات العشر الماضية أن مأرب هي قلعة الجمهورية وحصنها الحصين وسدها المنيع، أرض التعايش ومهوى الأحرار وقبلة الثوار من مختلف محافظات الجمهورية، وعاصمة المقاومة التي احتضنت على أرضها وتحت سمائها جميع أبناء اليمن المناهضين للمليشيا الحوثية الإرهابية، دون تمييز.
لقد استقبلت مطارح مأرب وقيادتها الحكيمة أحرار اليمن من كل المناطق والمحافظات، ومن كل التيارات والتوجهات، لم يفرقوا يومًا بين أحد، مدركين أن مهمة الدفاع عن الجمهورية ليست حكرًا على جماعة أو حزب أو طائفة؛ بل حق مشروع لكل اليمنيين.
فسلام على مأرب أرض الكرامة وعلى أهلها وقبائلها الأبية، رجال السلام والحرب في الأولين وسلام عليهم في الآخرين، وسلام عليهم في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.