ست المرحلة الثانوية ( 1990 ـ 1992) في مدينة مأرب بمدرسة الميثاق.
كانت تلك المدة التي عشتها هناك من أجمل الأيام وأكثرها متعة في حياة شاب صغير، جاء من بلاد حاشد، وعاش جزء من حياته في منطقة العصيمات، وجزء منها في مدينة صنعاء.
مدة جميلة أضافت لي الكثير من الصفات النبيلة؛ التي كسبتها وتعلمتها من أهلنا في مأرب، ومن تشربي لثقافات مختلفة من بلادنا العزيزة، ومأرب هي منبت الرجولة وواحة الشهامة، ومحور الكرم، وقبلة العادات والتقاليد الأصيلة.
شيء واحد فقط كان يضايقني، ولم أكن أعرف مقصده أو أفهم مغزاه أو أعلم أساسه، وكيف أتخلص منه!
كان زملائي ( رعاهم الله) من قبائل مأرب ينادونني " يازيدي" إن أرادوا مضايقتي أو حدث خلاف بيننا، وكانت تأتي منهم كشتيمة ومنقصة لا أسوأ منها!
لم أكن أعرف ما هي هذه الزيدية التي يشتمونني بها، ولم أسمعها في حياتي من أهلي يوما ما، برغم أنني مولود في مدينة حوث بالعصيمات وأنا من قبيلة المعامرة التي حاربت الرسي في معارك كثيرة، أخرها في وادي خيوان في تلك الفترات الغابرة من تاريخ اليمن المثقل بالدماء بسبب الغزاة الرسيين.
كما أن زملائي كانوا يطلقون شتيمة الزيدية على كل شخص جاء من جهة المغرب لمأرب، أو مطلع - المناطق الجبلية الغربية - أو من صنعاء والمحافظات الشمالية، وكانت شتيمة جغرافية!
اليوم عرفنا أن الزيدية هي المشروع السياسي للرسيين (الهاشميين) الذين جاءوا مع المجرم يحيى الرسي - |لذي لقب نفسه كذبا بالهادي - إلى صعدة عام 284 هجرية، هربا من أبناء عمهم العباسيين ( أحفاد عم النبي العباس)، بسبب تطاحنهم على حكم الدولة الإسلامية، الأمر الذي دفعهم للانتشار في كل الجزيرة العربية وبلاد فارس، طمعا في السلطة والثروة والمكانة الاجتماعية، باسم النبي والدين.
وخلال احتلالهم المتقطع لشمال اليمن خلال ألف عام من تسللهم إلى بلادنا، ظلت الزيدية هي السلاح المسموم الذي بها أخضعوا الناس، واختطفوا السلطة والدولة وأجواد الأراضي الزراعية من اليمنيين بموجبها بعد أن قدموها للناس على أساس أنها دين يعبد.
ظلت الزيدية هي الحامل السياسي والديني لكل أطماع الأئمة المجرمين الذين تسلطوا على رقاب اليمنيين، ولم يكن لديهم وسيلة أخرى للتغلغل بين اليمنيين وهم ليس منهم إلا الركوب على شعارات الإسلام، ولكن بنظرتهم العنصرية لا بشموليته واتساع أفقه ومبادئه، التي ترتكز على محاربة التسيد والتسلط والعنصرية.
على كلا الزيدية هي أفكار متطرفة ومرويات عنصرية كملازم حسين بدر وأبو عواضة، حملتها الهاشمية معها إلى بلادنا، وليست منطقة جغرافية في شمال اليمن، كما يعتقدها البعض، فحتى في صعدة، نجد أن أهلها أكثر من عانى وضحى في مواجهة السلالية العنصرية الزيدية خلال قرون طويلة، وما زالوا في مقدمة صفوف المؤمنين بالإسلام كدين عالمي لجميع الناس، وبالدولة اليمنية كحق خاص لليمنيين، لا بالهاشمية كطائفة مقدسة تفرض نفسها على الناس، ولا بالولاية الفارسية كدين أو الزيدية كمذهب إسلامي.
وبهذا أعتقد أن لي حق الاعتذار من زملائي في مأرب على شتائمهم الزيدية لي في مرحلة الثانوية، ولكن وبما أن مأرب كانت أخر القلاع التي حمت الدولة اليمنية واحتضنت معظم أبناء الشعب اليمني، فأنا مسامح لهم، ولكن إياكم والشتيمة مرة أخرى.
ولنا لقاء قادم جديد لتفكيك شتيمة أخرى، من الشتائم التي سممت اليمن.