الحاج طه من محافظة عمران،
انكسر عموده الفقري بسبب طريق صحراء الجوف، هو الٱن يرقد في مستشفى الهيئة بمارب، بينما كان يفترض أن يكون بالقرب من ميقات يلملم، ماذا لو كان الرجل الطاعن في السن من إيران وليس من عمران؟! هل كان سيضطر إلى عبور طريق الموت والعذاب صحراء الجوف أم أن مقامه وجنسيته الايرانية ستحظى باحترام الحوثة وفتح طريق مفرق الجوف ليقطعها في نصف ساعة بدلا عن تسع ساعات؟!
هل كان سيرقد في المستشفى ويحرم من أداء فريضة الحج؟! أم أنه كان سينتقل عبر الاسفلت ويصل إلى بيت الله الحرام بصحة وعافية؟!
هل ذنب الحاج طه أنه من عمران وليس من طهران ليتكبد كل هذا العناء؟!
وحكاية الحاج طه تختصر كل الحكاية لقد نجح الحوثيون في كسر رقبته وقلبه ومشاعره وتحويل رحلة العمر لأداءه فريضة الحج إلى جريمة انتهت به على سرير المستشفى.
الحديث عن فتح الطرقات هنا يجب أن يبقى في سياقه الإنساني كحق ضروري وواجب حتمي، قطعه جريمه وتسييسه جريمة والتلاعب فيه والتحايل عليه جريمة، والجريمة هنا يمارسها قطاع الطرق بحق كل اليمنيين، ومن بينهم نحو عشرون ألف يمني من حجاج بيت الله الحرام حسب إحصائية وزارة الاوقاف سلكوا الطريق البري العام الماضي عبر منفذ الوديعة.
الحكاية هنا كانت بالأمس بعد ظهر الثلاثاء، عندما ارتطم احد باصات النقل الجماعي في صحراء الجوف بمطب وحفر مفاجأة، تسبب في تمايل الركاب ومن بينهم هذا الرجل الطاعن في السن، كان يغط في نومه من شدة التعب والارهاق ليسقط عن كرسيه ويتسبب الحادث في كسر احدى فقرات عموده الفقري، ويتم نقله إلى مستشفى الهيئة بمارب.
والسؤال هنا: ماذا لو استجاب الحوثة لمبادرة اللواء سلطان العرادة قبل نحو شهرين وفتحوا طريق مفرق الجوف مارب؟!
هذه الطريق يقطعها المسافرون في أقل من نصف ساعة، وهي طريق اسفلتيه معبدة ممهدة وتم شقها خدمة لليمنيين وتسهيل تنقلاتهم، لكن مليشيا الحوثي تتعنت بصلف غير مفهوم ولا مبرر ولا مقبول على الاطلاق عن فتحها، بل إن استمرار قطعها جريمة مركبة وحرب معلنة من بين ضحاياها الحاج الذي يرقد في المستشفى بعمود مكسور.
لو كانت طريق مفرق الجوف - مارب مفتوحة لما انكسر ظهر الحاج، ولما اضطر الاف الحجاج من المخاطرة في الصحراء وقطع نحو تسع ساعات لطريق هي في الأساس لا تستغرق سوى نصف ساعة فقط!، نعم هذه النصف ساعة التي كنا نقطعها في أقل من نصف ساعة قبل سيطرة مليشيا الحوثي، تحولت إلى تسع ساعات وتضاعف معها العناء وتفاقم الخطر إلى درجة أن بعض المسافرين فقدوا حياتهم، وفي حالة العم طه فقد فرصة العمر وحرم من أداء فريضة الحج.
صباح الثلاثاء كنت على اتصال مع شقيقي الأكبر نبيل، وكان مع 48 حاجا على متن باص نقل جماعي، قال لي عند الساعة الثامنة والنصف، نحن الان سندخل صحراء الجوف و سينقطع الاتصال والرحلة تقريبا ستستغرق نحو ثمان ساعات.
انتظرت الى الساعة الثالثة عصرا وخرجت إلى تداوين بالقرب من مطار مأرب لاستقبالهم، وهناك شاهدت عشرات الباصات، ما إن يتوقف الباص حتى يتزاحم الحجيج للنزول، يخرجون شعثا غبرا، يكسوهم الغبار في ملابسهم ووجوهم، اما سائقو النقل الجماعي فينشغلون بنفخ الغبار من باصاتهم ومحاولة تفقد ما أحدثته مصائب ومصاعب الطريق الخطرة.
لماذا تصر مليشيا الحوثي على هذه الجريمة؟! ألا يستحق هؤلاء أن يرفع عنهم كل هذا العذاب؟! لماذا تستمر هذه العصابة في حربها البشعة ضد شعبنا؟!.
المشهد كان مروعا للغاية، طريق الصحراء لا يوجد فيها شبكة اتصال، ولا خدمات لبيع الماء او المرطبات ولا مطاعم ولا محطات ولا أي مؤهلات البقاء، إنها طريق الموت والعذاب المحقق الذي تتعمد مليشيا الحوثي على تجريعه لليمنيين.
وصلت رحلة أخي احتضنته وكنت في حقيقة الأمر احتضن وجع نحو عشرة ألف حاج مجبرين على ركوب كل هذا الخطر، كانت درجة الحرارة تتجاوز الاربعين، غادرت باصات النقل الجماعي التي كانت هناك وفي هذه الأثناء هناك عشرات الباصات يتجرعون عناء الطريق، وبينما ينشغل الحجيج بالتلبية وهم في طريقهم نحو بيت الله الحرام، يرتفع أنين الحاج طه من وجعه بعد أن حبسه المرض على سرير المستشفى.
حين تراقب المشهد، ستجد تصريحات واستهلاك دعائي من قبل مليشيا الحوثي، وفذلكة وتهرب مفضوح، ومراوغة غبية، و اصرار همجي على مواصلة ارتكاب جريمة قطع الطريق الوحيدة التي تخفف العناء عن الاف ممن سيؤدون فريضة الحج برا هذا العام عبر معبر الوديعة الوحيد لليمنيين مع الجارة الشقيقة السعودية.
إنه موسم الحج يا حوثة، والحج لا رفث ولا فسوق ولا جدال فيه، افتحوا طريق مفرق الجوف، ارفعوا الحصار عن الشعب اليمني، احترموا حق الحجاج والمسافرين اليمنيين، قبل أن تزايدوا في شعاراتكم وادعاءاتكم بنصرة مظلومية أهلنا في غزة.
الحق واحد لا يتجزأ، والإنسانية كلٌ لا تتقسم، ومن يحاصر الحجيج ويرتكب الجرائم ضد الإنسان هنا فهو عن مناصرة الفلسطينيين أبعد، ومن لا خير فيه لاهله فلا خير فيه للأخرين.
بلا مزايدات ولا كثير جدل، ولا أعذار واهية، هنا ٱلاف اليمنيين يقطعون طريق الصحراء نحو المشاعر المقدسة، وسيعودون بعد الحج، يكفيكم جرما وعتوا، افتحوا طريق الجوف للحجاج يا حوثة، افتحوها فكل الحجيج عليكم شهودا.