تقرير خاص بـ“برّان برس” — أعده “عمار زعبل”
تشهد الخدمات الأساسية في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد (جنوبي اليمن)، والخاضعة سياسيًا وعسكريًا لسيطرة المجلس الإنتقالي الجنوبي، تدهوراً كبيراً، وخصوصًا الكهرباء التي تشهد انقطاعات متواصلة لساعات طويلة.
ومع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، تضاعفت معاناة المواطنين، خصوصًا الأطفال وكبار السن، والمرضى، الأمر الذي أثار موجة سخط واحتجاجات غاضبة، في مختلف مديريات المدينة، قوبلت بوعود متكررة بـ“حلول جذرية”، من قبل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، التي يحملها المجلس الإنتقالي المتحكم بزمام الأمور في المدينة، المسؤلية.
وفي ظل استمرار المعاناة في صيف قاسٍ، سلط “برّان برس”، الضوء على جانب من معاناة المواطنين مع الكهرباء، والتقى عدداً من سكان مديريتي "كريتر والتواهي"، واللذين بدورهم تحدثوا بمرارة عن الوضع، وأكدوا أن موضوع الكهرباء “يظل هاجساً ومرارة طيلة الليل والنهار لهم ولأسرهم، كما أنه لا حلول لديهم في شراء أنظمة طاقة شمسية، أو مولدات صغيرة لصعوبة الوضع الاقتصادي، الذي لا يسمح لهم سوى بتوفير لقمة العيش”.
تقول "شيماء عزيز" في حديث لـ"برّان برس" إن معاناتها “تهون أمام ما تعايشه بشكل يومي مع جيرانها، خاصة المسنون والمرضى"، لافتة إلى أن "المعاناة تشتد كون البيوت مكتظة بالسكان ولا تسمع إلا أصوات بكاء الأطفال".
وأضافت في سياق حديثها الذي نقله “برّان برس” بلهجتها العامية: "الناس بتموت ووضعنا صعب، والعوائل لا تدري أيش تعمل"، في إشارة إلى النساء. وزادت: "لا طوق نجاة لنا وليس أمامنا إلا الشارع الذي يلجأ إليه الناس كل ليلة ولا حديث للجميع سوى الكهرباء والديزل والحكومة، التي تركتنا نصارع الموت والأمراض".
"شيماء" أشارت إلى أن أكثر ما يزيد من ألمها هو “الوعود المستمرة والاجتماعات التي لا تتوقف والتصريحات التي تخص كهرباء عدن، مع ذلك لم يتحقق شيء من كل تلك الوعود، وذهبت أدراج الرياح كما ذهبت التي قبلها خلال الأعوام السابقة”، حد قولها.
بدورها ألمحت "حنان عبدالله" وهي تعمل في مكتب سفريات في "كريتر" إلى أن ما يحصل في ملف الكهرباء، “نوع من العقاب ولا تفسير آخر غير ذلك" حد قولها.
وأشارت “حنان” في حديثها لـ"برّان برس" إلى وفاة شخصين بسبب اشتداد حرارة الصيف وانقطاع الكهرباء، مؤكدة أن قريبتها شاهدة على إحدى الحالات في مديرية "الشيخ عثمان" وكانت لرجل يتجاوز الخمسين عاماً، وقالت إن "موت الناس نتيجة الحرارة، هو عقاب ممنهج يمارس على أبناء عدن"
وعند سؤالها عمّن يقف وراء سياسية “العقاب الممنهج”، التي تحدثت عنها، ردت بالقول: “عدن وسكانها لا يريدون إلا دولة ومؤسسات وخدمات، ومن عجز عن توفير هذه الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء والماء أمعن في تعذيب عدن والعدنيين".
وأردفت متسائلة: “أين هي عدن؟.. ما معنا إلا البحر نجد هواء فيه، أما بقية حياتنا فهي منهارة لا خدمات لا رواتب للقطاع العام"، مشيرة إلى أن والدها موظف منذ سبعينيات القرن الماضي، واليوم “محروم من راتبه بانتظام رغم أنه لا يكفي مصروف يومين"، حد قولها.
"معتز عبدالفتاح" مواطن من أبناء عدن، يرى بأن 12 ساعة من انطفاء الكهرباء “غير مطاق”. ووصف الحرارة بـ"المجنونة"، مشيراً إلى أن الكهرباء هي “الهاجس اليومي لكل الناس، من الصغار والكبار".
وفي حديثه لـ“برّان برس”، يقول "معتز" إنه فقد ثقته بالحكومة وسلطة الأمر الواقع (المجلس الانتقالي)، مبيناً أن كهرباء عدن “تريد إدارة وخطة حقيقية، ولا بد من تدخل لإنقاذها سواء من التحالف أو حتى من الأمم المتحدة".
ودعا إلى “إنقاذ عدن من الفشل الذي انعكس على وضع المواطنين في المدنيين"، وقال "من ينقذ المرضى والصغار والمسنين، الذين أثرت عليهم الحرارة التي ربما تشهد عدن الأعلى هذا العام".
وفي آخر تحديث لأوضاع كهرباء عدن، وصلت ساعات الإطفاء إلى 12 ساعة، مقابل ساعتين تشغيل في مختلف أحياء عدن، في حين تواجه المؤسسة العامة للكهرباء “وضعاً صعباً في توفير الديزل لتشغيل محطات التوليد”.
عن ذلك، كتب الصحفي "عبدالرحمن أنيس" ملخصاً للوضع الذي وصفه ب“المزري” والذي تمر به "كهرباء عدن"، مشيرًا إلى أنه “تم تأمين بوزتين من الديزل، وكانت سلفاً من أحد التجار، وذلك لضمان عدم ارتفاع ساعات العجز إلى فوق 12 ساعة".
مصدر في المؤسسة العامة للكهرباء قال لـ“برّان برس”، إن المؤسية تنتظر وصول سفينة محملة بالوقود إلى ميناء الزيت بمديرية البريقة، والتي قال إنها “ستساهم تقليل ساعات العجز”، مستدركًا حديثه بالقول: “لكن تظل المشكلة قائمة، إذا لم توجد حلول جذرية".
"شيماء عزيز" تقول لـ“برّان برس” إن "هذه الحلول لا تفيد، ووصول الديزل لن يحل شيئاً في الكهرباء”، مستدركة: "لكن التخفيف مهم عن معاناة الناس وما نحتاجه في عدن هي الكهرباء أولاً".
وأشارت إلى أن “الاحتجاجات وحالة الغضب يجب أن لا تتوقف، فعلى الجميع النزول إلى الشوارع حتى الاستجابة لمطالبهم وذلك للضغط على أصحاب القرار لإنهاء هذا الألم"، حسب قولها.
"معتز عبدالفتاح" هو الآخر اتفق مع ما ذهبت إليه “شيماء”، في التأكيد على أهمية المظاهرات استمرارها. وقال “إذا لم نطالب بالكهرباء لن يحس أحد، فالمسؤولين معهم كهرباء ومنازلهم مضاءة ومكيفة وأن عليهم معرفة ما يعيشه الناس في حواري عدن".
وأردف: "أجساد المواطنين أصبحت كلها جراح وبثور، نتيجة الحرارة التي لا يتوقف تأثيرها على أجسادهم بل إلى أدمغتهم.. هكذا وضع يعيشه كبار السن والأطفال كيف نتحمله.. فعلى الفعاليات والاحتجاجات أن تستمر".
أما "حنان عبدالله" فتعتبر أن ما يحدث “ظلم، يجب عدم السكوت عنه”، وقالت "وضع عدن هذه الأيام لا يسمح حتى بالتظاهر في النهار، وهو ما يدفع الشباب إلى الاحتجاجات الليلية، التي تعبر عن الجميع، داعية إلى استمرارها بغضب فصوت الشباب هو صوت النساء والأطفال والمرضى".
وقالت إنها حين تزور أقربائها “تجد مأساة في وجوه وأجساد الأطفال، من خلال البثور الغريبة، فلماذا السكوت”، مؤكدة أن الجميع في قيادة الدولة من حكومة ومعها الأطراف المنضوية فيها “فشلوا في إعادة الحياة إلى مدينة عدن"، حد تعبيرها.
وأضافت: "عدن لا ينفع معها الحلول المؤقتة حتى المواطنين المقتدرين أو متوسطي الدخل يعانوا من هذا الأمر، فمثلاً البطاريات لا تفي بالغرض، وأن من يعملون منظومات قوية تحتاج إلى آلاف الدولارات".
وتستمر الفعاليات الاحتجاجية المنددة بانطفاء الكهرباء في مدينة عدن، حيث شهدت في وقت متأخر أمس الأحد 2 يونيو/حزيران، تظاهرات غاضبة وأحداث شغب نددت بـ“انهيار خدمة الكهرباء في مديرية الشيخ عثمان”.
وكانت الاحتجاجات قد تواصلت لأيام في مايو/أيار الماضي، في مديريات (المنصورة والمعلى والشيخ عثمان) جراء تفاقم أزمة الكهرباء وانطفاءاتها المستمرة نتيجة نفاد وقود محطات التوليد.
وتؤكد كل تلك الاحتجاجات أن الانهيار والارتفاع الكبير في ساعات انقطاع خدمة الكهرباء، فاقم من معاناتهم بشكل كبير خصوصاً أنه جاء في الوقت الذي تشهد فيه محافظة عدن موجة حر ورطوبة شديدة تسببت بوفاة بعض الحالات من أصحاب الأمراض المزمنة.
وفي وقت سابق منتصف مايو/ أيار الماضي، أعلنت المؤسسة العام للكهرباء في عدن، أن ذروة الأحمال في كهرباء عدن وصلت بلغت 710 ميجاوات، وهو مؤشر مرتفع مقارنة بالصيف الماضي الذي لم تتجاوز ذروته 690 ميجاوات.
وتزامن إعلان كهرباء عدن مع تصريحات لرئيس الحكومة اليمنة المعترف بها دولياً "أحمد عوض بن مبارك"، الذي تحدث عن حجم الفساد والعبث والهدر للمال العام في قطاع الكهرباء، لافتاً إلى "أن القطاع يستنزف 31% من إيرادات الدولة، وأن الحكومة أنفقت تريليوناً و10 مليارات ريال (4 مليارات دولار) على الكهرباء خلال العام الماضي 2023.
جاء ذلك في مقابلة مع قناتي "اليمن، وعدن" الرسميتين والذي ذكر فيها أن ملف الكهرباء "تركة كبيرة وتراكم كبير لفترة طويلة جداً حصل فيها إخفاقات كبيرة جداً، لأن ملف الكهرباء لم يُدَرْ بطريقة صحيحة، وطوال الفترة الماضية كل معالجات الكهرباء كانت عبارة عن فزعات، وليست خططاً استراتيجية أو توجهات سليمة، وكلها فيها التزامات، وخلقت التزامات كبيرة جداً على الدولة".
وأوضح أن محطات الكهرباء في اليمن لم تخضع لأيّ عمليات صيانة، مما زاد من معاناة المواطنين مع تراجع إنتاجيتها، مقدماً اعتذاره للمواطنين في عدن والمحافظات المجاورة عن انقطاع الكهرباء لفترات طويلة خصوصاً مع موسم الصيف، كما طلب منهم أن يصبروا وألّا يكونوا سبباً في الضغط عليه ليتمكن مما وصفه بالإصلاح الحقيقي لقطاع الكهرباء، حسب تعبيره.
وتزامنًا مع استئناف الإحتجاجات الغاضبة، قال المجلس الانتقالي الجنوبي، الإثنين، إن أزمة الكهرباء التي تمر بها مدينة عدن وبقية المحافظات الجنوبية، “مفتعلة لممارسة سياسة عقابية تجاه شعب الجنوب".
جاء ذلك، في اجتماع للأمانة العامة لهيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، عقدته اليوم في مدينة عدن، طبقاً للموقع الرسمي للمجلس الانتقالي.
وقال الموقع إن الاجتماع “ناقش تقرير المشهد الاقتصادي، المقدم من الدائرة الاقتصادية بالأمانة العامة، الذي تضمن أبرز مستجدات الأوضاع المعيشية والاقتصادية وفي مقدمتها أزمة الكهرباء، ودواعيها المفتعلة بقصد ممارسة سياسة عقابية تجاه شعب الجنوب".
وقالت الأمانة العامة لهيئة رئاسة المجلس الإنتقالي، المتحكم بزمام الأمور السياسية والأمنية والعسكرية في مدينة عدن إن "موقف المجلس لن يكون إلا مع شعب الجنوب فهو منه وإليه في كل مطالبه المشروعة".
وفي 28 مايو/أيار الماضي، اتهم عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي "عيدروس الزُبيدي" الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والتي يشارك فيها مجلسه بعدد من الحقائب الوزارية بـ“العجز والفشل”، ملوحاً بإعادة النظر في مشاركته في مجلس الرئاسة والحكومة.
وقال إن "استمرار الوضع القائم لم يعد مقبولاً"، مشيراً إلى أن "المجلس الانتقالي الجنوبي لن ينتظر إلى مالانهاية تجاه فشل الحكومة وعجزها، واستمرار تدهور الأوضاع المعيشية، ووصولها إلى حد فاق قدرة أبناء شعبنا على الصبر والتحمّل".
والمجلس الانتقالي الجنوبي، هو أحد المكونات الرئيسية التي يتشكل منها مجلس القيادة الرئاسي، ويشغل العديد من الحقائب الوزارية في الحكومة، ويسيطر عسكريًا وإداريًا على العاصمة المؤقتة عدن منذ سبتمبر 2019.
ووصلت فترة الانقطاعات هذا العام إلى أكثر منة 12 ساعة في ظل ارتفاع درجة الحرارة، ما شكل ضغطاً على الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسيطر في العاصمة المؤقتة عدن.