بران برس- وحدة التقارير:
استخدمت جماعة الحوثي المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، الأسبوع الفائت، زورقا مسيّرا يتم التحكم فيه عن بعد لمهاجمة سفينة مملوكة لليونان، مما أجبر طاقم السفينة على إخلائها، بعد تعرضها لـ“إصابة بالغة” وجعلها معرضة للغرق.
وهذه هي "المرة الأولى" التي يستخدم فيها الحوثيون مثل هذا "السلاح"، الأمر الذي اعتبره محللون وخبراء عسكريون أنه قد يمثل وسيلة الجماعة "للتهرب من الجهود التي تقودها الولايات المتحدة، لإحباط الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تستخدمها لمهاجمة السفن في البحر الأحمر".
وأثار استخدام الجماعة لهذا السلاح في تنفيذ هجمات على السفن التجارية، الكثير من التساؤلات عن قدرة هذا السلاح على التخفي من أسلحة ردع التحالف الدولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وعن حدود إمكانيات الجماعة ومخزونها من هذا النوع من الأسلحة لتهديد حركة التجارة العالمية.
وطرح “برّان برس”، تلك التساؤلات على عدد من الخبراء العسكريين، وكانت البداية مع الخبير العسكري الدكتور علي الذهب، الذي قال إن تقنية الزورق المسيّر الذي استخدمه الحوثيون “تشبه زوارق الطائرات الانفجارية أو الانتحارية غير المأهولة التي تستخدم كوسيلة تفجير مثل الصاروخ".
وأوضح “الذهب” في حديثه لـ“برّان برس”، أن هذه الزوارق “تكون على شكلين، الأول عائم، والآخر تحت الماء، وهي في العادة تستخدم لتهريب الذخائر أو الأسلحة والمخدرات والسلع المسروقة في البحار الصغيرة ذات العرض الصغير أو في الخلجان أو على سواحل الدول المجاورة".
ويتم توجيه تلك الزوارق، وفق الذهب، بنفس طريقة توجيه الطائرات المسيّرة أي توجيه عبر الأقمار الصناعية.
وبالنسبة للقدرة على التخفي، يقول “الذهب”، إنها “ليست ميزة”، ولكنها برأيه، “دائما ما يجري استخدامها لاستهداف السفن في المناطق المزدحمة بالسفن كما في المضايق أو المناطق القريبة من القنوات أو القنوات نفسها أو في الموانئ وفي مناطق الانتظار خارج الموانئ، وأيضًا في طرق خط تدفق الشحن في ممرات الشحن".
ويضيف: “نظرًا لأن هناك تراخ في مسألة الحراسة استطاعت هذه الزوارق أن تصل إلى هدفها بشكل مباشر دون اعتراض، وبطبيعة الحال، فإن مثل هذه الوقائع تعرضت لها كبريات السفن الحربية الأمريكية ومنها السفينة يو اس اس كول في ميناء عدن في عام 2000 والسفينة لامبورج في ميناء ضبة المكلا في 2002 تقريبًا”.
وبين الخبير العسكري، أن “السفينة المستهدفة تجارية، وليس لها وسائل دفاعية إلا ضد القراصنة ومن الطبيعي أن تتعرض للمهاجمة”، وفي العادة، يقول إن “هناك شركات أمنية لمواجهة القراصنة فقط بأسلحة تقليدية إذا وجدوا هنالك هجوم وشيك وفي مناطق معينة”.
وأردف أنه “من غير المسموح للسفن التجارية أن يعتليها لمسافات كبيرة حراس أمنيين، إلا في المناطق التي تزداد فيها مخاطر التهديد من القراصنة”. ولذلك، يرى “الذهب“، أنه “من الطبيعي أن تصل إليها مثل هذه الزوارق وحتى زوارق القراصنة”.
وعن أسباب استمرار الحوثيين في هذه الهجمات، يقول “الذهب“ إنهم “يحاولون الإبقاء على وتيرة الحرب بشكل مستمر، ويحاولون استدراج الولايات المتحدة وبريطانيا لخوض معركة برية لتتحول معركتهم إلى معركة وطنية وبهذا يحشدون الداخل لتحقيق مشروعهم وديمومته".
وفي كل الأحوال، يقول "الذهب"، إن الحوثيين “يحاولون انتزاع محاولة هجومية للقوات الحكومية بدعم أمريكي، وبالتالي يصنفونها على أنه غزو أمريكي بريطاني وتطول المواجهة، وبالتالي تعود الحرب في الداخل تحت ذريعة مواجهة الغزو، وقد يتمددون ويطولون الحرب باتجاه تعز وباتجاه مأرب وهذا هو هدفهم إطالة أمد الحرب وصولًا إلى التمكين والتمسك بالسلطة أكثر".
فضلا عن ذلك، يرى “الذهب” أن “الزوبعة التي يخلقها الحوثيون وتمكينهم من إحداث الأضرار بالشأن البحري هو ايضًا من أجل ابتزاز دول الجوار أو التأثير عليها اقتصاديًا، كما هو حال قناة السويس أو حتى التأثير على مبادرة الحزام والطريق الصينية أو خلق ما يشغل الناخب الغربي على وجه الخصوص الأمريكي بأن الولايات المتحدة تواجه عدائيات مختلفة في البحر الأحمر وفي منطقة الشرق الأوسط وهذا يبرر لها ما تمارسه في المنطقة خصوصًا مع الوضع في غزة".
تطور خطير
ومن جانبه، يقول المحلل العسكري العميد محمد الكميم، إن “الزوارق المسيرة سبق وأن استخدمتها جماعة الحوثي منذ فترة بعد عملية “عاصفة الحزم“، ولكن كانت استخدامات خفيفة على بعض السفن التجارية".
وأشار “الكميم” في حديث لـ“بران برس”، إلى أن استخدام هذه الزوارق في هذه المرحلة يعد “تطورًا خطيرًا باعتبار أن هذه الزوارق تقريباً متطورة وعندها قدرات الإقتراب أو القدرة على تجاوز الدفاعات الذاتية للسفن".
ويضيف “الكميم”، أن هذه الزوارق المفخخة “تستطيع أن تتملص من الرادار باعتبار أنها تسير على مستوى سطح البحر، ومن ناحية ثانية أن هذه الزوارق خطيرة جداً لأنها تضرب السفينة على مستوى سطح البحر وتحدث ثغرة أو فتحة في جسد السفينة وتسرع في غرقها، خاصة إذا كان الزورق فيه كمية كبيرة من المتفجرات”.
ووفق المحلل العسكري، فإن “هذه الزوارق هي بدرجة رئيسية تستهدف الأهداف الرخوة، فالسفن التجارية ليست بالقدرة الكاملة على تأمين نفسها، وهي ما يستهدفها الحوثيون”، مضيفًا أن “الحوثيين لم يستطعون حتى الآن إصابة أي سفينة عسكرية في البحر الأحمر على الإطلاق لأن لديها قدرات الدفاع الذاتي، ولديها قدرات عسكرية كبيرة”.
ضالة الحوثي
وأوضح أن “الحوثيين ينتهجون حرب العصابات، ويستخدمون التحصينات الجبلية لحماية أسلحتهم، ويستخدمون طرق الإقتراب المخفية للوصول إلى أماكن الإطلاق المتحركة وهذا ما يعطيهم حرية المناورة والحركة”.
وبرأي ”الكميم”، فإن “الحوثي وجد في البحر الأحمر ضالته التي كان يبحث عنها منذ فترة، وإيران زودته بالأسلحة اللازمة بعيداً عن موضوع غزة وبعيداً عن القضية الذي يتعلق بها الحوثي”. معتبراً هذه “معركة إيرانية بامتياز“.
أجندة إيرانية
ويشير إلى أن “الحوثي ينفذ الأجندة الإيرانية في البحر الأحمر وفقاً للإستراتيجية الإيرانية التي تحاول توسيع نفوذها الإقليمي في المنطقة”، معتبرًا تهديد إيران للعالم عبر أذرعتها في العراق ولبنان واليمن وفي مناطق أخرى بأفريقيا “مؤشر خطير”.
ووفق “الكميم”، فإن محاولات مواجهة الهجمات الحوثية لن تحقق النجاح المطلوب طالما والموانئ مفتوحة للحوثيين وتصلهم الأسلحة بسهولة. وقال إن “أمريكا لحد الآن لا تريد أن تقضي على الحوثي، وتتعامل وكأنها تقاتل عدو أمين أو أنها تبتز العالم بوجود الحوثي وتفرض وجودها في البحر الأحمر“.
ويعتقد الخبير “الكميم” أن هناك مصلحة مشتركة بين والحوثيين وأمريكا، فالأخيرة لا تريد إنهاءه على الإطلاق. وإجمالاً، يقول إن هناك تضخيم إعلامي لما يحدث في البحر الأحمر، معتبراً الصدى الإعلامي للأحداث مبالغ فيها من قبل أمريكا والحوثيين”.
ومنذ نوفمبر/تشرين الأول الماضي، تشن جماعة الحوثي هجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة تجاه سفن الشحن التجارية في البحر الأحمر، أدت إلى زيادة تكاليف التأمين البحري، ودفعت العديد من شركات الشحن إلى تفضيل الممر الأطول بكثير حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، شكلت الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الرئيس لإسرائيل، تحالفًا متعدد الجنسيات، لحماية حركة الملاحة البحرية من هجمات الجماعة المصنفة في قوائم الإرهاب، في حين تنفذ القوات الأمريكية، بين الحين والأخر ضربات ضد أهداف عسكرية تابعة للحوثيين.