عن وفد الحوثيين إلى الحج.. أغبياء، ولكن
سام الغباري
وجدهم أمامه، هكذا قال لي، وكان يبدو عليه التأسف أن رآهم، لكنه ضرب كفًا بكف وابتسم وعيناه تدوران في الفراغ ورائي، وعلى شفتيه طيف الابتسامة ما يزال شفيفًا،وقد أثار فضولي، وسألته: كيف كانوا؟
- أغبياء !، أجابني متطلعًا إلى ضحكة تتعالى من داخله.
.. وسألته مرة أخرى: كيف ؟، ولم أنتظر طويلًا حتى جاء بكل ما كان يؤرقه، فتحدث،والقول له، وليس لي .. فاتبعوه..
يقول: كنت في طريقي للحج مع ابني البكر، نشدو: طلع البدر علينا، وفي شوارع مدينةجدة السعودية، يحضر أمران: الرخاء من البحر، والحب من البر، وتوقفنا عند بوابةفندق جيد، فنزلنا، وحجزنا غرفة جميلة مُطّلة على شارع خلفي تكثر فيه الحركة،ويتدفق إليه الناس ليلًا كأنهم أرواح شفافة دافئة وصامته، وسمعت جلبة، وخبط أقدامكثيرة على الممر، فأثار الأمر ارتيابي، ورأيت من عين الباب السحرية أناسا يمضون فيطابور، وعليهم ملامح إعاقة ذهنية واضحة، كان الوقت ضحى، والحياة لم تدبّ بعد فيهذا الفندق الأنيق. ارتديت ثيابي، ونزلت مع ابني إلى البهو، وكانوا هناك.
- سألته: تقصد الحوثيين؟!
- بَحلق صديقي في عينيّ، وقد بدت على وجهه إثارة ما، متحمسًا قال: نعم، ورفع أماميسبّابته مُنبهًا: قل المعاقين ذهنيًا.. وضرب كفًا بكف، وعاد إلى الحديث:
"رأيتهم واحدًا يلو آخر، في طابور متصل مثل أشد الجماعات تخلفًا، لا يغادرون مطعمالفندق من السادسة والنصف صباحًا إلى الحادية عشر قبل الظهر، ومن الساعةالواحدة بعد صلاة الظهر إلى الرابعة عصرًا، ومن السابعة مساءً إلى العاشرةوالنصف"
- سألته: أكل هذا يأكلون؟
- رآني بانبهار، يأكلون فقط؟ قل يلتهمون حتى أغطية قناني الماء، لم أر جوعًا أقسى مماهم عليه، رغم أني سمعت بأنهم مهربون ماهرون لمختلف أنواع المخدرات بين دولشتى، ومتحكمون في مصارف البلد الحزين، وثائرون أغبياء، تبدو عليهم ملامح واضحةجدًا للإعاقة الذهنية والجسمانية والنفسية، ثم تذكر صاحبي أمرًا وتابع منفعلًا: هلتصدق أنهم كانوا يذهبون إلى الحمامات ليستفرغوا أكلهم، فيعودوا للأكل منجديد.
- يا رجل..! قلتها مُستنكرًا
بل وأكثر من ذلك، ظلّوا على لبسهم الإحرام، حتى فاحت منهم روائح الحظائر، لايستحمون، وكان أحدهم وهو أفطس منغولي ظهر بجوار مشرفهم يحيى الرزامي كانترائحته مثل حظيرة خنزير بري..!
تابع صاحبي بأن "الرزامي" من عائلة اتقنت العيش في عادات مُقزّزة، فوالده برع في شمّ آبَاط أسياده الخوثيين، وقد يؤلف كتابًا عن الفروق في روائحها، وقد اضطررت في الأيامالأولى إلى لبس الكِمامة، وعجّ الفندق بالبخور حتى تظن أنه يحترق من داخله،ويخجلك اعتبارهم يمنيين، يقولون ذلك بأفواههم الصفراء، وقد تباعد عنهم نزلاءالفندق وطهاته، ومنظفوه، وصاروا جميعًا يلبسون الكمامة، وودت مع أذى روائحهمعزلهم طبيًا، أو تغسيلهم قسرًا وإن جرحت النظافة معتقدهم المذهبي العنصري.
أطلت بسمة مبتسرة من طرف شفتي، قلت: المهم نظافة اليد، والروح والضمير. لوّحصديقي بكفيه متعجبًا، وقال: كلها صنوان لا تفترق، واقترب بكرسيه. أخفض صوتهضاحكًا: هل تصدق أنهم ظنوا أني أراقبهم وأتفحصهم، ووالله ما وجدتهم إلا صدفةسيئة، لكنها مثيرة ورائعة.
لمّا رأيتهم، عرفتهم، كانت مشاهد إعلانهم الحج منتشرة، وقد استمعت إليها بشكلعابر، ومضيت في طريقي بحثًا عن سكن ملائم لنا في أيام التمتع بعد عُمرة الحج،وهناك كانوا، بعد دفعي أجرة الفندق، وأول ما ألفيت على باب المطعم عنصرين منهم،أحدهما كرشه مندلقة إلى ركبتيه، وشفته السفلى إلى ذقنه، يمضي في ردهات الفندقمثل بطريق ثلجي، يتلفع بإحرامه ويصارعه، وقد أعلمته لمّا رأيته مندهشًا من أصنافأطعمة لم يكن يعرفها، فالتفت إليّ، مُعرّفًا عن نفسه أنه "أبو راغب" وتلك كنية لبنانيةفنية لا تستقيم مع عنصر حوثي يسكن بداخل بيت منهوب، فبدأ يصارحني كثيرًا عنأحواله، وجدوى وجوده في قعر الميليشيا الإرهابية، ثم بعد يومين صمت كالقبور، حتىأنه رفض مجرد رد السلام، وأنكر أن كنيته "أبو راغب"! فعلمت أنه امتثل كغيره من وفدالإرهابيين الحديث إليّ، وقد أصابني ذلك بخيبة أمل .
وهنا ضحك صاحبي كثيرًا، وعاد إليّ من وسط قهقهاته، قائلًا: وأما ذلك المُسمى وكيلأمانة العاصمة علي اللاحجي، وقد بدا لطيفًا، غير مكترث بالصرخة أو الولاية، جاءنيمُعرِفًا عن نفسه بحماس من يبحث عن أصدقاء أو حلفاء، ولما عرفني، رحبّ بي كثيرًا،وظل يسألني مرارًا عن حقيقة مراقبتي لهم، حتى أنهم تداولوا ذلك بينهم، ووصل أصقاعالحديدة المحتلة فنشره محافظهم السخيم القحيم على منصة تويتر.
- كانوا يرتابون منك إذن.. سألته.
- كثيرًا . وضحك، ثم استطرد: جاءنا عنصر حوثي أشيب وكُنّا وقوفًا، يلومني على اعوجاجأفكاري – حسب زعمه – وقلت له: لا يجوز منكم تقييم أي رأي أو انتقاد أي فكرة، وأنتمعلى حالكم من الفساد والقهر والتضليل والنهب والفحش في القول والرأي والمنهجوالطريقة، فلا يوجد أوحش ولا أفسد ولا أعوج من ملازمكم وجرائمكم البائنة في حياةالمستضعفين الذين تنهبون أموالهم بالقهر والحيلة والخديعة، فبُهت الذي تحوّث،وتنحى، فأخذني اللاحجي إلى عربة القهوة في الجانب الغربي من البهو الفسيح، و يبدوأنه العنصر الحوثي الوحيد الذي يستحم جيدًا، وسألني فجأة والكأس على شفتيه،وعيناه تدوران في كل اتجاه خشية أن يرصدنا أحد مُشرفيه: هل يكرمونكم؟ أجبته: أنتفي أرض عليها ملوك كرام، أبناء ملوك، وأحفاد ملوك. فانفجر في لوعة يشكو حظه معالحوثيين، ورفعت حاجبيّ متعجبًا: ألا يكفيكم ما تنهبون؟ وكأنه اندهش من مصارحةأحد له بذلك، فقد ظل وظلوا سنواتهم الماضية لا يسمعون إلا صوت النفاقوالمصلحة. وقبل أن يعود من دهشته، قلت: أنت الٱن تشعر بالحيرة أن يحدثك إنسانبما تقترفون دون أن تملك عقابه وتقييد حريته وزجّه في السجن، فتبسم محاولًا ادعاءالخبث ليشرح لي عن أفضال سيده، وقد اقترب غبي آخر من كوكبان نحونا، فضربتكفه هازئًا: دعنا من هذا الهراء، ورأيت هذا الهجوم المباغت مني قد وقع في نفسه،فأحبه.
وعرفت أنه حزين على الزعيم صالح يرحمه الله، ولمّا أصاخت آذان رفاقه من قريبوبعيد إلينا، لامني على كلماتي ومقالاتي وكُتبي، وصفها بـ الحادة، وبدا كناصح متأسف:لِمَ لم تنتظر حتى تبرد الأحداث فتميل مع من استوى حظهم وتنادت إليهم السُلطة؟وأكدت له أني مع الدولة على ميليشياتهم، ومع النظام على فوضاهم، ومع القانون علىملازمهم الفارغة شكلا ومحتوى. ولا يمضي على مبدئه إلا من لا يتحرى موضع قدمه،وقد قال الله مُحذِرًا "من يعمل مثقال ذرة".
وهنا تدحرج إلينا كتلة غباء بائنة مثل فضيحة علنية في وسط النهار، إنه فتى منكوكبان، تغضن وجهه لمجرد سؤالي عن قرابته "من الثلاثي الكوكباني"، قال بشفتينممطوطتين أن ثمة فسطاطين، إما أميركا وإسرائيل، وإما هُم، فأجبته ساخرًا منحماقته بأني مع أميركا !، وتراجع محتدًا إلى الوراء، ارتبك، لم يتوقع رد الفعل الهازئبشعارهم الأجوف وصرختهم وصواريخهم وبياناتهم التي كانت وستظل جعجة بلاطحين، وكما هي البعرة تدل على البعير، فإن الدم يدل على الحرب، فأين قتلاهم وقتلىأعدائهم المزعومين في هذه الحرب التي ينثرونها على الملأ مثل غبار سبتمبر؟ لم يجبوتوارى بعد حين، ثم أصبح كرفاقه صامتًا بأمر من ذلك الأفطس المنغولي الذي أشاربحدة إلى "اللاحجي" يستنهضه ويسأله عمّا أباح لي من معلومات، وصوت المسكينكالمذبوح يُبرر، ويعود إليّ يستحسن كتابة اعتذار عمّا ظللت اكتبه عن سيده القزم، فأشفقت على صاحبنا من كثرة الارتجاف، ولم أره بعد ذلك، اختفى تمامًا، ابتلعته رائحة نتنة، وغاب وسط رداء نتن لأحد المهربين، وقد تعمدت السؤال عنه ومحاولة الاطمئنانعليه والإشادة به !
وعلى بساط ورد الخزامى الرائق، مضى المنشد الذي وهب ابنه عبدًا لسيده،عبدالعظيم عزالدين نحو موظف الاستقبال بخطى مثقلة، مُتعبًا كـ امرأة تحمل فيبطنها جنينين اثنين، يسأل عن شيء سخيف، يريد اقتناص معلومة تقربه إلى سادتهزُلفى، وقد بدى مشدودًا مع أثقاله وأحماله إلى فتى دؤوب الحركة، يُصِر على نثر رائحتهالمؤسفة بـمرافق الفندق كافة، من المصاعد إلى المسبح والنادي الصحي، وفي البهوالمُعلّق وسط بانوراما زجاجية مُشعة، ظهر الأفندي "حنين قطينة" بشاربه الكث يؤديدور كومبارس في مُسلسل تركي مُمل، يروم الحديث إليّ، لولا مراقبة لصيقة منسيدهم المُشرف، وقد عرفت ألا خير في كثير من نجواهم، فتركتهم وذهبت صباحًاصوب مكة مُغتسلًا ومُلبيًا لفريضة الحج، وإلى جواري ابني عُدي في حجه الأول.
وقبل افتراقنا وصديقي، سألته: كيف تحكّم هؤلاء في مشهد صنعاء؟ قال: لقد رأيتهم يعززون فكرة الحيوانية في تصرفاتهم، يستحبون هذه التصرف، وفي العموم لقد اتبعملايين الهنود البقرة وعبدوها، ولا يعني ذلك أنهم على حق، وأما البقرة فلا علاقة لهابالحق أو الباطل، وأما هُم فـمجرد أدوات تستخدمهم إيران، أغبياء ولكن مجرمون !
.. وإلى لقاء يتجدد،،