برّان برس - وحدة التقارير:
أثارت استجابة جماعة الحوثي المصنفة عالميًا على قوائم الإرهاب “المفاجئة” بفتح بعض الطرق في محافظتي تعز ومأرب مطلع يونيو/حزيران الجاري، العديد من الأسئلة عن دوافع الجماعة رغم رفضها فتحها طيلة العقد الماضي.
وذهبت الكثير من التحليلات إلى أن استجابة الحوثيين “الجزئية” لها علاقة بالقرارات التي اتخذها البنك المركزي اليمني في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، بشأن نقل مقرات البنوك الرئيسية من صنعاء إلى عدن، وكذا إعطائه مهلة للتعامل بالعملة الورقية القديمة، والتي وصفت بأنها ضربة قاضية للحوثيين.
وفسر البعض الموقف الحوثي بأنه يهدف للاستفادة من فتح الطرقات في تهريب العملة الصعبة من مناطق الحكومة اليمنية، وليس بهدف تخفيف معاناة اليمنيين والاستجابة للجهود الدولية الساعية لإحلال السلام في البلاد.
والخميس 20 يونيو/حزيران 2024م، أصدر محور تعز العسكري، التابع للجيش اليمني، تعليمات “حازمة” قال إنها لتنفيذ قرارات وتوجيهات البنك المركزي اليمني الأخيرة الخاصة بالعملة، وتنظيم دخولها وخروجها من وإلى المحافظات والمناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ومناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية.
ووجه المحور في "تعميم" اطلع عليه "برّان برس"، بمنع دخول العملات القديمة إلى المناطق المحررة في مقابل السماح بخروجها، وكذا "منع خروج العملات الأجنبية "الدولار، السعودي، اليورو" إلى مناطق سيطرة الحوثيين.
وجاءت هذه التعليمات بعد أيام من فتح طريق “الكمب– جولة القصر” والتي سهلت العبور إلى مدينة تعز، بعد حصار تسع سنوات ظلت خلالها جماعة الحوثي ترفض أي نقاش حول الطرق من وإلى المدينة.
وأظهرت التوجيهات مخاوف السلطات الأمنية والعسكرية في تعز من استغلال الحوثيين للطريق لتهريب العملة وللتخفيف من تأثيرات قرارات البنك المركزي اليمني في عدن، والذي أعطى مهلة 60 يوماً لإيداع العملة الوطنية من طبعات ما قبل 2016 إلى أي فرع من فروعه في المحافظات.
المحلل السياسي ياسين التميمي، قال لـ“بران برس” إن “هناك دوافع عديدة لقرار الجماعة الحوثية”، معتبرًا استجابتها لفتح طريقين في تعز ومأرب “جزء من حملة علاقات عامة تهدف إلى إظهار التزام الجماعة تجاه الجهود المبذولة لتحقيق السلام، رغم أن هذه الخطوة استحقاق ظلت تتهرب منه طيلة السنوات الماضية”.
وعن القرارات الاقتصادية الأخيرة، قال التميمي، “لا شك أنها مثلت ضربة مؤلمة وغير متوقعة للحوثيين”، مشيراً إلى أن هذه القرارات “سيكون لها تأثير مباشر على قدراتهم الاقتصادية مستقبلًا”.
ولهذا يقول إن الجماعة “سعت إلى التخفيف من الحواجز المادية والمعنوية التي فرضتها سابقا وذلك لتلافي تأثيرات السياسة النقدية للحكومة الشرعية”.
ووفق “التميمي” فإن “السياسات الجديدة تمثل إيذان بتهديد الجماعة وتقويض مكاسبها التي حصلت عليها بفضل التواطؤ الاقليمي والدولي”.
من جانبه، اعتبر الصحفي والمحلل الاقتصادي نجيب العدوفي، قرارات البنك المركزي اليمني في عدن “جزء من مهامه في إدارة السياسة النقدية وحماية القطاع المصرفي وودائع عملاء البنوك”. معتبرًا في تصريح لـ“بران برس” تلك القرارات “خطوة مهمة في إنهاء الانقسام النقدي”.
وبرأيه فإن المبادرة الحوثية “المفاجئة بفتح لطرق في تعز ومأرب هي محاولة لتسهيل تهريب العملات إلى مناطق سيطرتها،، إلى جانب تخفيف الضغط الاقتصادي خاصة المتعلقة بالتحويلات المالية عقب فرض مركزي عدن عقوبات على 6 بنوك ضمن إجراءاته العقابية ضد البنوك التي لم تستجب لقرار نقل أعمالها إلى العاصمة المؤقتة عدن”.
ومن خلال فتح الطرق، يقول العدوفي، إن الحوثيين سيتمكنون من “سحب النقد الأجنبي في مناطق الحكومة، إلى جانب استلام الحوالات الخارجية من تلك المدن في ظل الحظر المفروض عليهم”.
ولفت “العدوفي” إلى محاولات الحوثيين لإفشال قرارات البنك المركزي، ومنها إصدار مركزي صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين عددا من القرارات إلا أنها “غير مجدية”.
ويتفق الخبير والمحلل الاقتصادي فارس النجار، بأن “مبادرة فتح الطريق من قبل الحوثي جاءت كرد فعل على الضغط الإقتصادي الذي مورس ضد هذه الجماعة في الفترة الأخيرة”.
وتمثّل الضغط وفق النجار، في “القرارات المتعلقة بنقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية أو تنظيم التحويلات الداخلية والخارجية أو البدء الإشارة ضمنياً لإلغاء التعامل بالطبعة القديمة لمواجهة تشوهات قطاع المصرفية التي ابتكرتها أو التي استفادتها جماعة الحوثي خلال السنوات الماضية، والتي أسهمت في تدمير القطاع المصرفي وتعرض كثير من البنوك التجارية للإفلاس أو الإفلاس الوشيك”.
ولهذا يقول “النجار”، في حديث لـ“بران برس” إن “الحوثي يحاول اليوم الاستفادة من فتح الطرقات لتخفيف وطأة الضغوطات التي يتعرض لها”.
وإضافة إلى ذلك، يرى النجار، أن “فتح الطريق من قبل جماعة الحوثي بعد القرارات يريد أن يعكس صورة إيجابية له بأنه يبادر للسلام خاصة بعد الامتعاض الذي وجه له مما يقوم به في البحر الأحمر”. لافتًا إلى استغراب اليمنيين من ادعاء الحوثي الدفاع عن قضية فلسطين، وهو يحاصر أبناء الشعب اليمني، ويحاصر تعز لسنوات.
ولهذا قال “النجار” إن الحوثي “يريد إيصال رسالة يخفف من خلالها الضغط المجتمعي والدولي وكذلك الاقتصادي الذي يواجهه”.
ومن ضمن الأهداف، وفق النجار، أن جماعة الحوثي “تسعى لسحب العملة القديمة إلى مناطق سيطرتها كون ما هو موجود منها في مناطق الحكومة أجود وعمرها أفضل، حتى تستطيع الصمود أكثر أمام أي قرارات مرتقبة من قبل البنك المركزي، وأهمها إلغاء التعامل مع الطبعة القديمة باعتبارها أصبحت شبه تالفه واستبدالها بالطبعة الجديدة”.
وأضاف أن “الحوثي يحاول الحصول على أكبر قدر من العملة القديمة كون التي عنده شارفت على الانتهاء”. مشيراً إلى أنه في حال إصرار الحوثيين على التعامل بهذه العملة القديمة رغم قرار البنك المركزي فإنه “سيأتي يوم وتنتهي”.
وغير بعيد، قال رئيس مركز أبعاد للدراسات عبدالسلام محمد، إن “ما يقوم به الحوثيون الآن من فتح الطرقات هو هروب من الضغط الاجتماعي، ضغط الناس، ووضعهم المزري وانهيار الوضع الاقتصادي، وكذلك محاولة استعادة الحاضنة الاجتماعية قبل الحرب”.
وأضاف في تصريح لـ“بران برس” أن “الحوثيين يخططون لحرب كبيرة”. ومن ضمن الحرب، وفق عبدالسلام، يريدون مثلا في تعز الذهاب إلى المخا وباب المندب.
ولتحقيق هذا، يقول الباحث عبدالسلام، إنه يتحتم على الحوثيين “استعادة جزء من الحاضنة الاجتماعية، وتخفيض التصعيد مع حزب الإصلاح، وتخدير المجتمع الدولي والاعلام ببعض الاجراءات”. وبرأيه، فإن كل هذه الإجراءات “مقدمات لحرب”.
وعن إجراءات البنك المركزي بشأن العملة، أشار عبدالسلام محمد، إلى أن أضرارها ستكون “كبيرة على الحوثيين على المدى القصير والمتوسط والبعيد”.