برّان برس - وحدة التقارير:
على مدى سنوات، أطلقت جماعة الحوثي المصنفة عالميًا على قوائم الإرهاب، حملات ضغط واسعة ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا والتحالف الداعم لها بقيادة السعودية، للمطالبة بفتح مطار صنعاء الدولي.
الحملات اشتركت فيها المنظمات الأممية والوكالات الدولية وحتى نشطاء ومسؤولين موالين للحكومة اليمنية والمستقلين، باعتبار أن إغلاق المطار تسبب في معاناة ملايين اليمنيين، وفي مقدمتهم المرضى والمسافرين.
وشملت الحملات عشرات الوقفات الاحتجاجية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وأخرى خارج البلاد بما فيها تظاهرات لنشطاء وناشطات في أمريكا وغيرها، بالإضافة إلى مئات الحملات الإعلامية الإلكترونية.
رغم اتهام الحكومة اليمنية، والتحالف الداعم لها، جماعة الحوثيين باستخدام المطار لأغراض سياسية وعسكرية، بما فيها تهريب أسلحة وقيادات وخبراء من إيران إلى صنعاء، إلا أن الحملات المستمرة والمتصاعدة باتت صداعاً مزمنًا ونجحت في إعادة فتح المطار.
ورغم شكاوى شركة الخطوط الجوية اليمنية، من انتهاكات الحوثيين، إلا أنها واصلت رحلاتها الجوية من مطار صنعاء إلى الأردن، وبواقع ست رحلات في الأسبوع، وفق إعلان الهدنة الأممية في ابريل/نيسان 2022، والذي نص على إعادة فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة أمام الرحلات التجارية.
إلا أن المفاجأة كانت مبادرة جماعة الحوثي مؤخراً على احتجاز أربع طائرات مدنية تابعة لشركة الخطوط الجوية اليمنية، في خطوة كانت غير متوقعة وصادمة للشارع اليمني الذي اعتاد على سماع الخطاب الحوثي المنادي بفتح المطار كونه مرفق خدمي وحيوي لا علاقة له بالسياسة والصراع.
والأربعاء 26 يونيو/حزيران 2024، تقدمت شركة الخطوط الجوية اليمنية، باعتذارها “الشديد” لحجاج بيت الله الحرام لعدم استطاعتها نقلهم إلى العاصمة اليمنية صنعاء، بسبب احتجاز الحوثيين لأربع من طائراتها.
وأوضحت الشركة، في بيان لها، أن جماعة الحوثي المصنفة عالميًا على قوائم الإرهاب، احتجزت 4 من طائراتها في مطار صنعاء الدولي. معتبراً هذا الأمر تهديدًا لسلامة الملاحة الجوية في البلاد”، وقالت إنه “يعزز من صعوبة تشغيل الرحلات الجوية من وإلى داخل البلاد”.
من جانبها، قالت وزارة النقل في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، إن أكثر من 1300 حاج، ما يزالون عالقين في مطار الملك عبد العزيز الدولي والأراضي المقدسة، مبينة أن الانتهاكات الحوثية بحق الناقل الوطني مستمرة منذ تجميد أرصدة الشركة المالية في وائل شهر مارس 2023م والتي تجاوزت 100 مليون دولار.
"برّان برس" ناقش دوافع هذا الإجراء الحوثي وتداعياته مع مراقبين ومحللين وباحثين، اعتبروه “تطوراً خطيرًا” يهدد بإعادة إغلاق مطار صنعاء أمام أي رحلات جوية، مما سيفاقم الوضع في البلاد، التي تنتظر انفراجة في عدد من الملفات وأولها الملف الاقتصادي والمالي.
الباحث الدكتور عادل دشيلة، قال إن احتجاز الحوثيين للطائرات “ليس بجديد على جماعة مليشياوية من حيث المبدأ، ثم أن هذه الخطوة تعيد اليمن إلى المربع الأول، أي الصراع على الموارد في البلد”.
وذكر أن الجماعة المصنفة في قوائم الإرهاب “سبق وأن احتجزت أموالاً طائلة من أصول شركة الخطوط الجوية اليمنية، كما أنها أوقفت النفط والغاز، من خلال الضربات العسكرية”، لافتاً إلى أن “الإجراءات الإدارية الأخيرة التي قامت بها الخطوط الجوية اليمنية، كمنع بيع وشراء التذاكر في مناطق سيطرة الحوثيين على سبيل المثال، دفعهم إلى التصعيد وصولاً إلى اختطاف الطائرات”.
ويرى “دشيلة”، أن هذه الخطوة تأتي كذلك في إطار التصعيد الحوثي، للرد على خطوات البنك المركزي، والذي له كانت له قرارات عدة خلال الفترة القليلة الماضية.
وقال “أراد الحوثيون من خطوة خطف الطائرات بأن تكون خطوة استباقية مثلاً من أجل ألا تقوم اليمنية بمراجعة شاملة لبعض الإجراءات الأخرى، كون "الحوثيين" غير قادرين على المناورة واستخدم أوراق الضغط ضد الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً في الوقت الراهن، بعد أن نفدت كل أوراق الضغط التي كانت بيدهم”.
ورجح أن “هذا التصعيد قد يفتح الباب لخطوات تصعيدية أخرى، ولا يستبعد إن لم تنجح هذه الخطوات التي ستقوم بها أن تصعد عسكرياً، وهو ما تعد الجماعة له في الوقت الراهن”.
وتوقع الباحث دشيلة، أن “الحكومة اليمنية قد تقدم تنازلات أخرى للحوثيين بضغط من الإقليم فيما يخص بعض الإجراءات من شركة الخطوط الجوية اليمنية”.
واستدرك قائلاً: ولكن ستظل القضايا الاستراتيجية عالقة، مثل "الموارد والقضايا السياسية والعسكرية فكلها قضايا شائكة، وقد تعيدنا إلى المربع الأول والصراع من جديد، ولكن كل الاحتمالات واردة بما في ذلك العودة إلى مربع العنف والاقتتال”.
وعن موقف الوكالات العاملة في السفريات يرى “دشيلة”، أن أقصى ما يمكن أن تقوم به الاحتجاج، مشيراً إلى أن بعض الوكالات المحلية قد تتعرض لخسائر اقتصادية نتيجة تأخير نقل الحجاج، وهو ما سيزيد من التخوف لدى الوكالات التي تعمل في صنعاء وقد يدفعها الأمر إلى أن تحاول نقل مكاتبها إلى مناطق الدولة مستقبلا.
ووفقاً لـ“دشيلة” فإنه “لا يعوّل على المنظمات الدولية”، وقال إنها “لا تملك أوراق ضغط على الحوثيين، وأن الإدانة هي ما ستقدمه، مضيفاً "وحتى لو قامت بإدانة الحوثيين فيعتبر عملاً إيجابياً”.
بدوره، قال الباحث والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي، إن احتجاز الحوثيين للطائرات في مطار صنعاء، يثبت أن “المطار لا يعد أكثر من ورقة سياسية واقتصادية لتلك الجماعة، كما أنها على الدوام تثبت بأنه لا يعنيها معاناة المواطنين”.
وأضاف الفودعي، في حديثه لـ "برّان برس" أن "الجماعة تفضل تحقيق مكاسبها على حساب معاناة المواطنين، وأنها تعتقد باحتجاز الطائرات ومنع الرحلات يعزز نفوذها في الصراع الدائر.
وتابع أن “الحوثيين يستخدمون المطار كورقة ضغط في المفاوضات السياسية وكوسيلة لتحصيل الموارد الاقتصادية عبر الرسوم والإتاوات. مؤكدًا “عدم اهتمام الحوثيين بتخفيف معاناة الشعب اليمني يظهر جليًا في استمرارهم في احتجاز الطائرات، رغم الأثر السلبي الكبير على المدنيين”.
ويرى “الفودعي”، بأن هناك احتمالاً كبيراً لإعادة إغلاق مطار صنعاء مجددًا بعد هذا الإجراء الحوثي، وقد تتوقف رحلات الخطوط الجوية اليمنية عبر المطار.
وبالنظر إلى التوترات المستمرة والصراع المستمر بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي، يرى بإمكانية أن “تتصاعد الأوضاع إلى درجة تجعل من الصعب استمرار العمليات الجوية”.
وبرأيه فإن “أي تصعيد عسكري أو سياسي يمكن أن يؤدي إلى إغلاق المطار كإجراء أمني، مما يعمق الأزمة الإنسانية في اليمن”.
وعن دور المنظمات الأممية والوكالات الدولية، يقول الاقتصادي الفودعي، إنها “غالبًا ما تعبر عن قلقها واستنكارها لتصرفات الحوثيين التي تزيد من معاناة المدنيين، كالأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، ومنظمات الإغاثة الدولية تدين بشكل مستمر أي انتهاكات أو استخدام للمرافق المدنية كأدوات سياسية”.
وقال إنه “منذ إعادة الرحلات عبر مطار صنعاء، دعت هذه المنظمات إلى ضمان حرية التنقل وسلامة المدنيين، وحثت الأطراف المتصارعة على التوصل إلى حلول سلمية تضمن حقوق المدنيين وتخفف من معاناتهم”.
وبينّ أن التصرفات الأخيرة لجماعة الحوثي، مثل احتجاز الطائرات، تزيد من حدة الانتقادات والدعوات لاتخاذ إجراءات دولية أكثر صرامة لضمان الامتثال للقوانين الإنسانية الدولية.
من جهته، قال الصحفي والباحث فؤاد مسعد، إن ما أقدم عليه الحوثيون في مطار صنعاء، يدل على أنهم تنظيم مسلح، لا يعيش إلا في حالة حرب وصراع مستمر، سواء كان ذلك في اختطاف الطائرات أو اعتقال موظفي المنظمات الدولية.
وعن المواقف الدولية إزاء هذه الخطوة الحوثية، أضاف مسعد، لـ“بران برس” أن تلك المواقف ساهمت خلال الفترة الماضية في تشجيع الحوثيين لأنها لم تتخذ أي موقف حازم تجاه تصرفاتها وانتهاكاتها، منذ انقلابها في العام ٢٠١٤.
وأشار إلى أن “الممارسات الحوثية الأخيرة لا شك بأنه سيكون تبعات وآثار سلبية لأنها تثبت للجميع أن "الحوثيين" غير جادين في الوصول إلى تسوية سياسية تنهي الحرب وتؤسس لمرحلة جديدة.
ويرى الصحفي مسعد، أن “إغلاق مطار صنعاء، هو احتمال كبير ووارد، في حال إصرار الحوثيين على ارتكاب مثل هذه الجرائم والتي تستهدف الطيران المدني وعموم المواطنين”.
المحلل السياسي أسعد عمر، قال لـ“بران برس” إن “جماعة الحوثي لا تفرق إطلاقا بين ما هو سياسي وما هو إنساني، ولا يعنيها معاناة المواطنين في كل ممارساتها”.
وأضاف أن الجماعة دائمًا “توظف كل شيء لخدمة هيمنتها وسيطرتها القمعية”. وبرأيه فإن “احتجاز طائرات اليمنية لا يخرج عن غاية ونهج الحوثي”.
واتهم السياسي عمر، الحوثيين بالسعي لاستغلال هذه الخطوة “لتقدم نفسها بأنها قادرة على استخدام أوراق مختلفة على سبيل الابتزاز والضغط لمواجهات الاجراءات والقرارات الصادرة من الحكومة الشرعية بخصوص العملة ونقل المركز المالي والاقتصادي للعاصمة المؤقتة عدن”.
وبرأيه فإن الجماعة ”تقدم بهذا دليلاً إضافيا عن طبيعة نهجها وتوجهها تجاه كل ما يمس مصالح المواطنين في مناطق سيطرتها، وأنها لن تتوانى عن استغلال ما يجري اليوم لتبرير سلوكها في هدر المال العام و مصادرته”.
وكانت شركة الخطوط الجوية اليمنية، قد أوضحت أن سبب وصول الطائرات المحتجزة إلى مطار صنعاء، هو نقل نحو 8 آلاف و400 حاج من صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة سلطة صنعاء، من مدينة جدة إلى صنعاء خلال مدة أسبوع.
وأوضحت في بيانها أنها اضطرت بالتعاون والتنسيق مع الهيئة العامة للطيران المدني السعودية لتشغيل أكثر من رحلة في اليوم الواحد من جدة إلى صنعاء لاستكمال نقل الحجاج إلى أرض الوطن في الوقت المحدد، مؤكدة أنه "ما زال هناك الآلاف من الحجاج العالقين في الأراضي السعودية والذين لايزالون ينتظرون دورهم في العودة”.
وناشدت الشركة قيادتي مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، وقيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، ومنظمات النقل الجوي الدولية، والمبعوث الدولي إلى اليمن، وكافة الجهات ذات الاختصاص، إلى التدخل العاجل لوقف مثل هذه التعسفات التي تتعرض لها الشركة الوطنية الخطوط الجوية اليمنية.
ولليوم الثاني على التوالي، تشهد مواقع التواصل الاجتماعي سيولاً من الكتابات المنددة باحتجاز الحوثيين للطائرات، وبموقف الحكومة اليمنية التي أرسلت الطائرات تباعاً إلى المطار رغم علمها بموقف الجماعة مع اختطافها لأول طائرة.
واستذكر النشطاء مواقف الحوثيين وحملاتهم الدعائية طيلة السنوات الماضية، التي ظلت تطالب بفتح مطار صنعاء لدواع إنسانية، معتبرين احتجاز الجماعة لطائرات اليمنية دليلاً على أنها كانت تستغل المطار للمزايدة السياسية وما تزال تتخذه ورقة سياسية منذ إعادة فتحه جزئياً أمام الرحلات الإنسانية في أبريل/نيسان 2022.
وفي أغسطس/ آب 2016، كان التحالف العربي بقيادة السعودية قد أغلق مطار صنعاء أمام الرحلات المدنية على خلفية اتهامه الحوثيين باستخدامه لأغراض عسكرية، وسبق وأن تعرض المطار ومحيطه لغارات جوية متكررة بسبب ما قيل إنه استخدام الحوثيين لأجزاء منه لتخزين الأسلحة ومنصات إطلاق للصواريخ والمسيرات.