تقرير خاص أعده لـ“بران برس” - محمد الحاجبي:
منذ أواخر العام 2016م، توقفت رواتب موظفي الدولة اليمنية، ما دفع الآلاف منهم للنزوح إلى مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، وإلى بقيّة المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.
وفي مقدمة هؤلاء، موظفي شركة النفط اليمنية، الذين اضطرّوا للنزوح إلى عدن ومحافظات أخرى خارج سيطرة جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، بغرض الحصول على مرتباتهم والبحث عما يعولون به أسرهم.
في مناطق النزوح، وجد معظم هؤلاء الموظفين أنفسهم أمام أوضاع معيشية غاية في الصعوبة، لعدم حصولهم على مرتباتهم والعودة إلى وظائفهم السابقة كما كانوا يأملون.
اضطر الكثير منهم لمزاولة أعمال شاقة ومهينة للحصول على لقمة العيش، ومنها العمل كباعة متجولين أو عمال بناء أو بيع الخضروات والفواكه، وحتى بيع القات والمياه الباردة في الشوارع، وفق ما تحدث به العديد منهم لـ“بران برس”.
هذا التحول سبب للكثير منهم إصابات بحالات نفسية وأمراض وأوبئة، وبعضهم أُصيب بأمراض خطيرة كالجلطات القلبية، نتيجة للظروف القاسية التي يعيشونها، بحسب أقوال بعض هؤلاء الموظفين.
محمد العزيزي، موظف في شركة النفط، يقول لـ“بران برس” إن موظفي الدولة اضطروا للنزوح إلى المناطق المحررة نتيجة بطش جماعة الحوثي، خصوصًا الذين كانوا مناهضين لانقلاب الجماعة والذين أُفرج عنهم من سجونها.
ويضيف “الغزيزي”، وهو عضو في مباردة ملتقى الموظفين للدفاع عن الموظفين النازحين، أن “فرار الموظفين كان أيضًا نتيجة للجوع الذي تسبب فيه سطو جماعة الحوثي على الدولة ونهب مرتبات الموظفين. مضيفًا أن الجماعة تطالبهم بالعمل بقوة السلاح دون أن تدفع رواتبهم، وفي حال رفضهم تتهمهم بالوقوف مع العدوان”.
رشاد سيف، موظف آخر في شركة النفط، يقول لـ“بران برس” إن الكثير من الموظفين النازحين يعانون من ارتفاع تكاليف المعيشة، دون تلقي التسويات اللازمة التي يحصل عليها زملاؤهم في مناطق الحكومة اليمنية.
ويضيف أن هؤلاء يعانون تعسفًا مستمرًا من قبل وزارتي الخدمة المدنية والمالية في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، حيث تصادران رواتبهم وتحرمانهم من حقوقهم الأساسية كالعلاوات وبدلات السكن والانتقال.
وأبدى “رشاد” استياءه من حرمانهم من حقوقهم المالية كموظفين، لافتًا إلى معاناتهم جراء نقل مقار عملهم من صنعاء إلى عدن دون توفير التسهيلات المطلوبة.
نذير صالح، موظف ثالث في شركة النفط، تحدث لـ“بران برس” عن الوضع المعيشي للموظفين النازحين، وقال إنه “يتدهور يومًا بعد آخر، خاصة في ظل تدهور الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية الصعبة.
واشتكى لـ“بران برس” من “تأخير صرف الرواتب، وتحديد صرفها في المناطق المحررة فقط، مما يضاعف معاناتهم إلى جانب غلاء المعيشة وارتفاع الإيجارات في مناطق النزوح”.
واستعرض “نذير”، الصعوبات التي يواجهونها من أجل تأمين حياتهم اليومية في مناطق النزوح، بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الإيجارات، إضافة إلى قساوة الظروف المناخية وانقطاع الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه.
تحدث “العزيزي”، عن المعاملات التي وصفها بـ“الطويلة والمضنية”، أجل إعادة صرف الراتب. وقال إن “ما يقارب 20 ألف موظف وموظفة حصلوا على رواتبهم بين عامي ٢٠١٧ و٢٠١٨م بعد مرور 6 أشهر من التعب والمعاملات بين جهات أعمالهم ووزارتي الخدمة والمالية، بينما البقية لم يحصلوا على مرتباتهم حتى الآن”.
ووفق “العزيزي” فإن وزارة المالية أوقفت المعاملات والمراجعات المتعلقة بالراتب في ١٥ مارس/آذار ٢٠١٨، ومع ذلك استطاع البعض عبر توجيهات عليا أو عبر السلطات المحلية للمحافظات التي نزحوا منها الحصول على رواتبهم ليصل العدد إلى قرابة 30 ألف موظف وموظفة”. فيما البقيّة ما يزالون في طور المعاناة، بحسبه.
وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 2019، قالت وزارة المالية في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، إن البنوك والمصارف التي تعاقدت معها لصرف رواتب المتقاعدين وموظفي الدولة في عدد من القطاعات بالمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين “اعتذرت عن عدم قدرتها على الاستمرار في الصرف عقب الاجراءات غير القانونية للمليشيات بمنع تداول العملة الوطنية الجديدة”.
وحملت الوزارة في بيان أصدرته حينها، الحوثيين “كامل المسؤولية عن إعاقة عشرات الآلاف من الموظفين والمتقاعدين من استلام رواتبهم ومعاشاتهم التي انتظمت الحكومة في دفعها منذ أكثر من عام، رغم استمرار الجماعة في نهب الايرادات العامة وعدم توريدها للبنك المركزي في عدن”. معبرة عن أسفها “للاستخفاف الذي تتعامل به مليشيا الحوثي مع معاناة المواطنين وتعميقها”.
وطالبت الوزارة “المجتمع الدولي والامم المتحدة والبنك وصندوق النقد الدوليين، بتحمل مسؤولياتهم تجاه هذه الاجراءات التي تفاقم الكارثة الإنسانية التي تسببت بها المليشيات منذ انقلابها على السلطة الشرعية واشعالها للحرب”.
وكان البنك المركزي فرع صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، قد أصدر بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، قرارًا يمنع تداول أو حيازة الأوراق النقدية التي طبعتها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، معللًا ذلك بأن تداول وحيازة تلك العملة يشكلان إضرارا بالاقتصاد الوطني.