برّان برس - وحدة التقارير:
ما تزال قرارات البنك المركزي في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، مرتكزًا لنقاشات اليمنيين الداخلية، وفي الفضاءات العامة، وتصدرت تدوينات اليمنيين على منصات التواصل الاجتماعي.
وتزايدت هذه النقاشات مع التوجهات الأممية والدولية لدفع الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا للتراجع عن هذه القرارات، بزعم آثاراها على الاقتصاد اليمني والأزمة الإنسانية المتفاقمة.
وخلال الأسبوع الفائت، خرجت تظاهرات في محافظات مأرب وتعز والحديدة، دعمًا لقرارات البنك المركزي باعتبارها خطوة “حاسمة” من شأنها فرض المركز القانوني للبنك المركزي والسيطرة على القطاع المصرفي والقيام بواجبه في الرقابة على البنوك ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي وقت سابق، دعت الأحزاب والقوى السياسية اليمنية، في بيان، مجلس القيادة الرئاسي إلى مواجهة الضغوطات الدولية وعدم التراجع عن قرارات البنك المركزي، محذّرة من عواقب كارثية تدفع البلاد والشعب نحو المجهول.
ولمعرفة السيناريوهات المحتملة لهذه الضغوطات على الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، والتداعيات المحتملة على الاقتصاد الوطني في حال تراجع البنك عن قراراته، تواصل “بران برس” بعدد من المختصين والباحثين.
الخبير والمحلل الاقتصادي “فارس النجار”، استغرب ما جاء على لسان المبعوث الأممي في رسالته لرئيس مجلس القيادة، متسائلاً عن موقف المبعوث الأممي عندما استهدفت الحوثيون الموانئ وحرموا موازنة الدولة من 70 % من مواردها بخسارة سنوية تبلغ مليار ونصف مليار دولار”.
وتساءل “النجار” في حديثه لـ“بران برس”: “أين كان المبعوث الأممي أمام الإجراءات الإرهابية الممنهجة على رجال الأعمال، ومنعهم من الاستيراد من موانئ الشرعية، والضغط عليهم الاستيراد من ميناء الحديدة”، إضافة إلى اتخاذهم “إجراءات صارمة على البضائع القادمة من موانئ الشرعية، ومنع القاطرات من الدخول، وفرض ضرائب ورسوم جمركية 100% على أي بضائع قادمة من مناطق سيطرة الحكومة الشرعية”.
وأضاف أن “هذه الإجراءات أدت إلى انخفاض الايرادات الجمركية والضريبية 20% من يناير- مايو عام 2024 مقارنة بين الفترة ذاتها من العام 2023، مما أدى إلى تدهور قيمة العملة بواقع 5% شهرياً خلال النصف الأول من العام 2024، ووصول السعر إلى ما يقارب 1900 ريال للدولار الواحد في تدهور يصل إلى 20%".
وعن السيناريوهات المحتملة بعد رسالة المبعوث الأممي، قال “النجار” إن “مجلس القيادة الرئاسي كان واضحاً في هذا الأمر، مؤكدًا أن أي حوار يجب أن يتم وفق جدول أعمال محدد، وأولويات على رأسها عودة صادرات النفط، ووقف الإجراءات التعسفية أحادية الجانب على القطاع المصرفي وقطاع الأعمال، وكذا معالجة مسألة انقسام العملة وتوثيقها”.
وباعتقاده أن “المبعوث الأممي يريد إعطاء فرصة لإغلاق الملف المتعلق بالبحر الأحمر، كون الأمريكان تحركاتهم مبنية على ما يحصل في البحر الأحمر، وليس مصلحة اليمنيين، مرجحًا أن “يتم الضغط باتجاه حلحلة هذه الأمور والأولويات التي وضعها”.
وشدد على ضرورة أن يتنبه المبعوث الأممي إلى البند التاسع الفقرة 55 في ميثاق الأمم المتحدة، والتي قال إنها نصت صراحةً على ضرورة أن تعمل الأمم المتحدة على تحسين الأوضاع الإقتصادية للأفراد والجماعات.
واستغرب “النجار”، تدخلات الأمم المتحدة “ومحاولتها المتكررة لإنقاذ جماعة الحوثي”. وبرأيه فإن “ما يحصل اليوم هو شبيه لما حصل البارحة خاصةً فيما يتعلق باتفاق ستوكهولم، عندما كانت القوات الحكومية قاب قوسين أو أدنى من تحرير الحديدة”.
وعن موقف مجلس القيادة الرئاسي، قال إن المجلس “أكد مرارًا انفتاحه على كافة المقترحات، وهناك مرونة فيما يتعلق بهذه القرارات ومناقشتها بما يخدم الصالح العام، ويؤدي في النهاية إلى حماية القطاع المصرفي”.
والمطلوب اليوم، وفق النجار، “المزيد من القرارات والإجراءات والسياسات التي تؤمن نجاح هذه القرارات، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بنجاح هذه القرارات”.
وعن إمكانية المناورة في قرارات البنك، قال النجار، إن “هناك مساحة في بعض القرارات للأخذ معها بما يخدم الصالح العام، لكن ليس التراجع برمته عن قرارات تمثل استقلالية البنك المركزي”. مضيفًا أن “التراجع عنها بشكل كامل له عواقب وخيمة على مستوى الواقع السياسي والزخم السياسي والقوة السياسية التي يمتلكها مجلس القيادة والبنك المركزي والحكومة”.
ومن جانبه، تحدث رئيس مركز تهامة للدراسات والتنمية، مرزوق الغرباني، لـ“بران برس” المخاطر على بنية الدولة، وطبيعة الإرادة السياسية لإدارة الدولة وملف الصراع”.
وهذه المخاطر، وفق “الغرباني”، هي: تمييع طبيعة الصراع كدولة في مواجهة مليشيات الى المساواة والندية في أطراف الصراع، وتحجيم مسار تفوق الشرعية كمؤسسات معترف بها دوليا إلى مستوى فريق حوار ملف اقتصادي، وخلق نتوءات في مسار تعزيز الصف الوطني وهو ما انعكس بصمت عميق من جميع القوى السياسية لتعزيز مجلس القيادة بتريث وتفويت اي نتوء يفسد الاصطفاف”.
وقال إن “الشرعية اليوم ليس كالأمس“، مضيفًا أنها “تملك من الإمكانيات والوسائل ما يوقف العبث الدولي في الملف اليمني خاصة أن معظم العملة الصعبة في بنوك صنعاء هي لمنظمات دولية وللأمم المتحدة”.
وبرأيه، فإن إيقاف البنوك “سيترتب عليه إجبار الحوثيين على النزول إلى عدن، وفتح مقراتهم في العاصمة المؤقتة”.
وعن السيناريوهات المحتملة بعد رسالة المبعوث الأممي، قال “الغرباني”، إن “تدخل المبعوث الدولي لأنه ليس بالأمر الجديد”.
ويرى أن “السيناريو الأول، أن ترفع الشرعية سقف الحوار والضمانات لتحقيق مكاسب الملف الاقتصادي.
وهذا يعتمد، وفق الغرباني، على نقطتين: معرفة أن الحوثي أصبح محدود المغامرة في تهديدات فقط وضربات سطحية غير قادر على قلب الطاولة عسكريًا على الأرض، وانشغال المجتمع الدولي بملفات أكثر حساسية يعكس الرغبة في الضغط على الحوثي لتحقيق تسوية تحقق استقرار نسبي يفتح الباب الى ملفات أكثر تعقيدا”.
السيناريو الثاني هو جولة جديدة من العمليات العسكرية أكثر دموية، وستأخذ جبهة الساحل حصة الأسد منها كون الحوثي يدرك فشله في اجتياز جبهة مأرب. بينما تمثل له جبهة الساحل فرصة للهروب إلى الأمام تحت ذريعة ملف محور المقاومة وغزة والتسويق لفكرة السيطرة على الأرض في الساحل للتمكين من السيطرة أكثر على البحر الأحمر.
ولهذا، يقول إنه “ليس أمام الشرعية سوى إيقاف أي تراخي في تنفيذ قرارات البنك خاصة مع احتمالية السيناريو الأخير”.
واعتبر أن “ما يحدث في البحر الأحمر مسرحيات سوف تنتهي بتفعيل قرارات البنك المركزي، ولذلك حذر المبعوث الأممي من وجود مأساة إنسانية هم يعلموا كيف تفاقمت ويتحكم في خيوطها”.
وعن توقعات تأثير التراجع أو تأجيل القرار على الاقتصاد والعملة المحلية، قال “الغرباني”، إنه لا يعتقد أن تتراجع الشرعية عن قرارات البنك المركزي كون مآلاته كارثية على الاقتصاد والعملة، وتسليم مطلق أن يبقى القرار بيد الحوثي، ولذلك نستبعد الإلغاء”.
وأضاف أنه “قد يكون نتيجة الاعراف الدبلوماسية الدولية وقنوات العلاقات الدولية تفرض التأجيل وفق معايير محددة ولكن حتى التأجيل له أضرار تفاقيمية على الحياة المعيشية والعملة المحلية تقصم ظهر المواطن”.
وفي السياق، تحدث المحلل السياسي فارس البيل، لـ“بران برس” عن مخاطر عديدة للتراجع عن قرارات البنك، أهمها “زعزعة الثقة بالشرعية وقدرتها على مواجهة مليشيا الحوثي وإنفاذ قراراتها الأخرى”.
وقال إن “هناك مخاطر اقتصادية، تتمثل في ضعف ثقة الرأس مال بنظام اقتصاد الشرعية، واستمرار انهيار العملة، لأن المعالجات لم تتم، وبالتالي تفاقم الأوضاع الاقتصادية وزيادة الكلفة على الشرعية التي تعاني أصلا من قلة الموارد، والتراجع سيحرمها أيضا من نوافذ مهمة لرفد الخزينة”.
وأضاف أن هناك أيضًا “مخاطر سياسية تنعكس بسبب الموقف الضعيف للشرعية إن تم، مما يفتت حالة الاحتشاد وراء الشرعية، التي تصاعدت أثناء القرارات، وبالتالي تعرض جبهة الشرعية لحالة من التشظي وعدم الثقة بقدراتها، والاختلاف السياسي، وخفوت فرص الاحتشاد السياسي مرات أخرى”.
وفي 30 مايو/ أيار المنصرم، أصدر البنك المركزي اليمني في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، قراراً قضى بإيقاف التعامل مع 6 من البنوك والمصارف اليمنية، بعد انتهاء المهلة المحددة بـ60 يوماً لتنفيذ قراره بنقل مراكزها الرئيسية إلى عدن.
وبالتزامن، أصدر البنك، قرارًا آخر دعا فيه كافة الأفراد والمحلات التجارية والشركات والجهات الأخرى والمؤسسات المالية والمصرفية ممن يحتفظون بنقود ورقية من الطبعة القديمة ما قبل العام 2016 ومن مختلف الفئات، سرعة إيداعها خلال مدة أقصاها 60 يوماً من تاريخ الإعلان.
وواصل البنك المركزي، إجراءاته لمواجهة الإجراءات الإقتصادية التي اتخذتها جماعة الحوثية المصنفة دوليًا في قوائم الإرهاب، بحق القطاع المصرفي وألقت بظلالها على الوضع الإقتصادي، وتسببت في تراجع قيمة الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة.
وبقرارات للمحافظ أحمد المعبقي، ألغى البنك المركزي الأسبوع الفائت، تراخيص 26 شركة صرافة منذ أواخر الشهر الفائت، وأمر بإغلاق فروعها إلى أجل غير مسمى، لمخالفتها قرارات وتعليمات البنك.
وجاءت هذه القرارات، بعد قرارين سابقين، بفرض شبكة موحدة للحوالات الداخلية، وحظر التعامل مع 12 كياناً للدفع الإلكتروني غير المرخص، ووقف العمل نهائياً في شبكات الحوالات المالية المحلية المملوكة للبنوك والمصارف أو شركات ومنشآت الصرافة العاملة في اليمن.