تقرير خاص أعده لـ“بران برس” - سهيل الشارحي:
في 25 يناير/كانون الثاني 2024، عثر مواطنون من أبناء محافظة الحديدة (جنوبي غرب اليمن)، على جثامين 8 صيادين بعد أيام من فقدان الاتصال بهم بعد خروجهم لمزاولة مهنتهم في صيد الأسماك بمياه البحر الأحمر.
مصادر في مراكز الإنزال السمكي، أوضحت أن الصيادين كانوا غادروا سواحل الخوخة في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، في رحلة صيد، قبل أن يتم العثور عليهم جثثًا قرب جزر ذو حراب بالبحر الأحمر.
وكانت المفاجأة، وفق المصادر، أن على أجساد الضحايا “آثار طلقات نارية”.
والصيادون الذين عثر على جثامينهم هم: إبراهيم علي محنش، وزكريا محمد داوود منصوب، وقاسم حمادي، وابراهيم عبده سالم بو، وحمزة عبد الحفيظ، وأنور فتيني حطاب، وماجد علي سالم بهيدر، وأحمد علي شايف، وفق وسائل إعلام محلية.
وفي حين لم يعرف ملابسات الحادثة أو الجهة المسؤولة عنها، سارعت جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب لاتهام “قوات دولية” لم تسمّها بـ“تعمد” قتل 8 صيادين يمنيين أثناء مزاولتهم مهنتهم في المياه الإقليمية.
وهذه ليست الحادثة الوحيدة، بل سبقها وتلاها سلسلة حوادث مروّعة طالت عشرات الصيادين اليمنيين في البحر الأحمر، خلال الأشهر الماضية، وفقد العديد منهم حياتهم أثناء ممارستهم مهنتهم الاعتيادية لإعالة أسرهم.
ففي 2 مارس/آذار الماضي، أفادت مصادر محلية بسقوط قتلى ومفقودين من أبناء محافظة الحديدة، جراء هجوم جوّي استهدف زورقي صيد في البحر الأحمر. وفي 3 مايو/أيار، تعرض أحد الصيادين من أبناء الخوخة بمحافظة الحديدة، لإصابة خطيرة نتيجة إطلاق النار عليه في البحر الأحمر أثناء ممارسته للاصطياد.
ولم يعرف بالتحديد الجهة التي ارتكبت هذه الجرائم، إلا أنها توضح مدى خطورة الوضع الذي بات يعانيه الصيادون اليمنيون، الذين يعتمدون على “مهنة الصيد” كمصدر دخل رئيس ووحيد للبقاء على قيد الحياة.
وفي حين تتهم جماعة الحوثي قوى دولية بالوقوف ورائها، إلا أن صيادين وجهات محلية تتهم الجماعة بتفخيخ المصائد اليمنية واتخاذ الصيادين اليمنيين دروعًا بشرية لممارسة عملياتها الهجومية في البحر الأحمر، دون أن تكترث بمصير آلاف اليمنيين الذين يعتمدون على مهنة الصيد لمواجهة المجاعة التي تضرب مناطق تهامة.
المخاطر ضد الصيادين اليمنيين تضاعفت إلى مستويات “بالغة” مع تدشين جماعة الحوثي هجماتها البحرية ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، ومع تشكّل التحالف الدولي المضاد، بقيادة واشنطن، لمواجهتها.
وتضاف إلى سلسلة التحديات والعوائق المتلاحقة منذ سيطرة جماعة الحوثي على محافظة الحديدة الساحلية أواخر العام 2014، عقب اجتياحها للعاصمة اليمنية صنعاء وانقلابها على الحكومة الشرعية، حيث عمدت إلى نشر مئات الألغام البحرية في السواحل والمياه الإقليمية، بمختلف الأحجام والأنواع، ما جعلها بيئة خطرة للصيد.
وإلى جانب الألغام البحرية، عمد الحوثيون إلى تحويل قطاعات بحرية وجزر وسواحل ومراكز إنزال سمكي إلى مواقع ومناطق عسكرية، ما حرم آلاف الصيادين من مصادر رزقهم وقوت عائلاتهم، وفق مصادر محلية.
وتزامنًا مع الحرب المستمرة، سجّلت العديد من الاعتداءات المباشرة على الصيادين اليمنيين من قبل القوات العسكرية المتواجدة بالقرب من المياه اليمنية وفي مقدمتها القوات الإريترية، والتي أقدمت على اعتقال عشرات الصيادين اليمنيين، وممارسة أبشع أنواع التعذيب المعنوي والجسدي ضدهم، وفق شهادات عدد من الضحايا.
إبراهيم علي، صياد من أبناء مديرية الخوخة الساحلية، قال إن هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، وما تلاها من ردود فعل إقليمية ودولية حولت حياتهم إلى جحيم، مضيفًا أن عملية الاصطياد أصبحت “محفوفة بالمخاطر والموت المحتمل”.
وأضاف إبراهيم، في حديثه لـ“بران برس”، أنه “بعد تحول المياه الإقليمية في البحر الأحمر إلى ساحة صراع، أصبح الاصطياد بالنسبة للصيادين مصدر قلق ورعب، بل وتوقف العديد منهم من الاصطياد خوفًا على حياتهم”.
وتحدث عن “مهنة الصيد” بالنسبة لأبناء المناطق الساحلية، وقال إنها “المصدر الرئيس الذي يعتمدون عليها للحصول على لقمة العيش”. وحاليًا، قال: أصبح الصياد يعاني بسبب الأحداث في البحر الأحمر”.
ووفق “إبراهيم”، فإن الأحداث الجارية في البحر الأحمر أدت إلى “تراجع منسوب الاصطياد بشكل كبير جداً”.
وإجمالًا، يقول “إبراهيم”، إن عملية الصيد قبل نشوب الصراع الجاري في البحر الأحمر كان أقل خطورة، ويستطيع الصياد الوصول إلى أي مكان في البحر، إلا أن الأحداث الأخيرة جعلت العملية مغامرة خطرة.
حسين صادق، صياد آخر من أبناء الساحل الغربي، قال لـ“بران برس” إن الصيادين اليمنيين أصبحوا غرباء في البحر الأحمر، بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة.
وعن معاناته وزملائه، قال “لا نستطيع التحرك بحرية للحصول على الأسماك، في ظل هجمات الحوثيين والهجمات المضادة”.
والأخطر، وفق “صادق”، هو أن جماعة الحوثي استخدمت قوارب صيد لتنفيذ هجمات ضد سفن دولية، وهو ما “جل مراكبنا معرضة للقصف في أي لحظة” باعتبارها مصادر تهديد للسفن العابرة أو المتواجدة بالبحر الأحمر.
وحاليًا يقول: لا نستطيع أن نصطاد في أي وقت، بل هناك أوقات محددة، وأماكن محدودة للاصطياد”، ورغم هذا يقول إن العملية “خطرة جدًا”.
وبالرغم من المخاطرة، يقول “صادق” إنه يعود من مغامرته “بقليل من الأسماك” ليسد رمق جوع أسرته، وهو الأمر ذاته بالنسبة لبقية الصيادين الذين لا سبيل أمامهم إلا ركوب الخطر للحصول على رزق عائلاتهم.
ورغم الجوع والمعاناة، إلا أن “أغلب الأسر منعت أبنائها من الخروج للصيد خوفًا من استهدافهم من قبل جماعة الحوثي أو البوارج الحربية الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر”، وفق حديث الصيد “إبراهيم” لـ“بران برس”.
وكأنما الحرب قائمة على صيادي اليمن، اشتكى الصيادون في أحاديثهم المنفصلة لـ“بران برس” من أن جماعة الحوثي أصدرت أوامر تقضي بعدم اقتراب الصيادين اليمنيين من عدّة جزر بعد أن حولتها إلى مواقع عسكرية.
وتحدثوا عن قرار أصدره الحوثيون، يحظر عمليات الصيد على شواطئ اللحية شمال غرب الحديدة، ومحيط 6 جزر يمنية أخرى، وهو واحد من الإجراءات الحوثية التي أدّت إلى تقييد حركة الصيادين وتضييق الخناق عليهم.
من جانبه، قال الصياد “حسن صادق”، إن القرار الحوثي “زاد من حدة معاناتنا كصيادين”. وأضاف: نحن لا نجد أي مهنة أو وسيلة أخرى نستطيع من خلاله توفير لقمة عيش لأسرنا”.
وتحت ضغط الجوع والقيود والمخاطر، قال “صادق”، إن “معظم الصيادين الواقعين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي نزحوا إلى مناطق الحكومة اليمنية بغرض الاصطياد، وإن كان المحصول من الأسماك قليل”.
مدير مركز الإنزال السمكي بالخوخة، “مسعود مساوي”، أكّد إصدار الحوثيين قرارًا يقصي بمنع الصيادين اليمنيين من الإقتراب من عدّة جزر يمنية، وقال إن هذا “أثّر بشكل كبير على حياة الكثير منهم”.
وأضاف “مساوي”، أن “مهنة الاصطياد هي الوسيلة الوحيدة التي يعتمد عليها أبناء المناطق اليمنية الساحلية للعيش”، مؤكدًا أن الاصطياد اليوم “يحمل في طياته خطر وموت ومعاناة” بفعل الأحداث والتطورات الأخيرة.
يعد سكان محافظة الحديدة الأكثر فقرًا في البلاد، وتضاعفت معاناتهم في ظل الحرب إلى مستوى “المجاعة”، والتي شكّلت، إلى جانب الأمراض والأوبئة الفتّاكة، وتقلّص مصادر الرزق، ثلاثي الموت للسكان تهامة، في ظل غياب سلطات الدولة والتدخلات الإنسانية والإغاثية الفعالة.
ومع هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، تظهر إحصائيات رسمية، أن نحو 60% من الصيادين فقدوا أعمالهم، وخسروا مصادر رزقهم، إضافة إلى تعطل أغلب مراكز الإنزال السمكي بالمحافظة.
ووفق وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، معمر الإرياني، فإن “300,000 شخص يعملون في مهنة الصيد، على متن 33,000 قارب، ويعيلون قرابة 2,000,000 في محافظة الحديدة، فقدوا أعمالهم ومصادر رزقهم بسبب عسكرة البحر الأحمر”.
ومنذ نوفمبر/ تشرين الأول الماضي، تواصل جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب، هجماتها بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد سفن الشحن التجارية في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن.
وأدت هجمات الجماعة إلى زيادة تكاليف التأمين البحري، ودفعت العديد من شركات الشحن الدولية إلى تفضيل الممر الأطول بكثير حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية.
ولردع الحوثيين، وحماية حركة الملاحة البحرية، شكلت الولايات المتحدة الأمريكية، في ديسمبر/كانون الأول 2023، تحالفًا متعدد الجنسيات، في حين تنفذ القوات الأمريكية، بين الحين والأخر ضربات ضد أهداف عسكرية تابعة للحوثيين.
وبلغ عدد الغارات الأميركية والبريطانية ضدّ الحوثيين على الأرض، منذ 12 يناير الماضي، نحو 560 غارة، أدَّت في مجملها، حتى الآن، إلى مقتل 58 عنصراً، وجرح 86 آخرين، وفق ما اعترفت به الجماعة.
وتقول الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، إن الضربات الغربية ليست ذات جدوى لتحييد الخطر الحوثي على الملاحة، وأن الحل الأنجع هو دعم قواتها المسلحة لاستعادة الحديدة وموانئها وبقية المناطق الخاضعة للجماعة.
وعلى الرغم من استمرار الجماعة في تبني المزيد من الهجمات البحرية، لم تسجل أي حوادث خطرة أو إصابات في السفن سوى 3 سفن من 162 سفينة قالت إنها استهدفتها منذ نوفمبر الماضي.