برّان برس | أعد القصة - علي العقيلي:
كانت مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد (جنوبي اليمن)، الخميس 1 أغسطس/آب 2024م، على موعد مع تنفيذ حكم الإعدام بحق المتهم بقتل الطفلة “حنين البكري”، رميًا بالرصاص في ميدان عام، وفقا لما حددته النيابة العامة.
وفي اللحظات الأخيرة قبل إطلاق رصاصة الإعدام عن الجاني “حسين هرهرة”، أمام حشود الجنود والمواطنين في ساحة الإعدام، أمام سجن المنصورة، أعلن ولي الدم ”إبراهيم البكري”، العفو عن قاتل طفلته “حنين” (4 سنوات)، الجاني “حسين هرهرة”.
وطيلة العام الماضي، ظلت الجريمة حديث الرأي العام، وما تزال حتى اللحظة، حيث تشهد وسائل التواصل الاجتماعي سيولًا من الكتابات حول الجريمة وتفاعلاتها وسير التقاضي فيها، وتصدّرت صور الضحيّة الطفلة “حنين البكري” صفحات الكتاب والنشطاء ورواد منصات التواصل.
يرصد “بران برس”، في هذه المادة تفاصيل قضية مقتل الطفلة “حنين ابراهيم البكري”، وتفاعلاتها منذ لحظة البداية حتى الآن.
ففي الرابعة عصراً من يوم عرفة 9 ذي الحجة 1444هـ، الموافق 27 يونيو/حزيران 2023م، خرج المواطن “إبراهيم البكري”، وبرفقته ابنتيه “حنين وراوية” لشراء ملابس العيد من أسواق المنصورة، بمدينة عدن، وعند الخامسة مساء اصطدمت سيارته بسيارة مواطن آخر يدعى “حسين هرهرة”.
وأثناء الحادث ترجل كلًا منهما من سيارته وحصل شجارًا تطور إلى أن عاد “حسين هرهرة” إلىمنزله وأخذ سلاحه (نوع آلي)، وعاد إلى مكان الشجار، وباشر إطلاق النار صوب سيارة “البكري”، مما أسفر عن مقتل الطفلة حنين وإصابة شقيقتها راوية.
وفق تسجيل صوتي للمتهم “حسين هرهرة” يتحدث فيه عن الواقعة، فإن “البكري” كان يقف إلى جوار سيارته حينما صوّب “هرهرة” نحوها النيران، ولم يكن يعلم الأخير بوجود أحد داخل السيارة.
ويؤكّد “حسين هرهرة”، في التسجيل الذي حصل عليه “بران برس”، أنه أقدم على قتل الطفلة “حنين” وأصاب شقيقتها “راوية”، وهو صائم يوم عرفة، وقبل ساعة فقط من الإفطار. مؤكّدًا أنه لم يكن يعلم بوجود أحد داخل السيارة.
وأضاف: “لو كنت أنوي القتل لأطلقت النار على إبراهيم البكري، الذي كان يقف خارج السيارة، ولكنها كانت ردة فعل مني لتعطيل سيارته، ولم أكن أنوي ارتكاب جريمة القتل”.
بعد الحادثة فوراً، وفدت قبيلة الجاني من قبائل “السلطان بن هرهرة” إلى منزل والد الطفلة الضحية “إبراهيم البكري”، وأكدت ادنتها للجريمة، واستعدادها لتسليم الجاني له أو للقضاء.
وبعد مشاورات بين أسرة الجاني "آل هرهرة" وأسرة والد المجني عليها "آل البكري"، تم تسليم الجاني إلى ادارة البحث الجنائي بمديرية خور مكسر بمدينة عدن.
وبعد نحو عام من التقاضي في القضية، أصدرت محكمة المنصورة الابتدائية بمحافظة عدن، في 7 أغسطس/آب 2023م، حكمًا بإعدام “حسين محمد حسين هرهرة” المتهم بجريمة القتل العمد المذكورة في قرار الاتهام في البند أولًا، ويعاقب عليها بالإعدام رميا بالرصاص حتى الموت قصاصًا شرعيًا لقتله عمدًا وعدوانًا نفسًا معصومة الدم هي المجني عليها، "حنين إبراهيم سالم البكري".
كما أدين المتهم “حسين هرهرة” بتهمة الشروع في قتل المجني عليها “راوية إبراهيم سالم البكري” (شقيقة المقتولة)، ومعاقبته عليها بالحبس 3 سنوات، حقا عاما، مع مراعاة تطبيق العقوبة الأشد.
وبحسب الحكم، يتم مصادرة أداة الجريمة، وإلزام المحكوم عليه بدفع أتعاب المحاماة ومبلغ قدره مليون ريال يمني يسلم لوالد المجني عليهما.
في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2023م، وفدت قبيلة “آل هرهرة” بتحكيم قبلي إلى قبيلة “آل البكري”، بـ 20 بندق، و8 سيارات، إضافة إلى تقديم طفلتين، داعين لقبول “الصلح القبلي” في القضية، وفق مصادر قبلية تحدثت لـ“بران برس”.
وفي 28 يوليو/تموز 2024، أعلنت نيابة استئناف عدن، استيفاء الإجراءات القانونية في القضية، وحددت يوم الخميس 1 أغسطس/آب 2024، موعداً لتنفيذ حكم الإعدام بحق “حسين هرهرة” المُدان بقتل الطفلة حنين.
وأقرت مذكرة صادرة عن رئيس نيابة استئناف شمال عدن القاضي “يحيى الشعيبي”، تنفيذ حكم الإعدام يوم الخميس 1 أغسطس 2024، الساعة العاشرة صباحا في السجن المركزي بالمنصورة.
في 29 يوليو/تموز 2024، نصبت الطفلة “ميرال حسين هرهرة”، وأخواتها، خيمة بجانب قبر الطفلة “حنين البكري”، في مناشدة بالغة تطالب والد الطفلة المجني عليها، بالعفو عن والدها.
والتخييم جوار القبر، هي طريقة في العرف القبلي، تلجأ إليها بعض الأسر اليمنية في قضايا “القتل الخطأ” لاستعطاف أولياء الدم للعفو عن قريبهم المحكوم بالإعدام، وذلك من خلال التخييم بالمقبرة إلى جوار قبر المجني عليه.
وإلى جانب، تخييم بنات الجاني في المقبرة، توافدت الوساطات القبلية والاجتماعية إلى منزل “ابراهيم البكري”، تطالبه بالعفو عن الجاني (حسين هرهرة)، وهو ما رفضه البكري، وأصر على تنفيذ الحكم الشرعي (الاعدام).
وصباح، الخميس 1 أغسطس/آب، توافد جموع من المواطنين إلى ساحة الاعدام، في محاولة أخيرة لدفع البكري للعفو عن الجاني، وهو ما تحقق في اللحظات الأخيرة قبيل تنفيذ حكم الإعدام، حيث أعلن والد الطفلة العفو عن الجاني “لوجه الله”، رافضًا قبول أي مبالغ مالية.
ولاقى إعلان العفو من قبل “البكري” ترحيبًا واسعًا من قبل الجموع الشعبية في ساحة الإعدام، وترددت أصداء الموقف في أرجاء البلاد، حيث شهدت مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاً واسعًا مع القضية والموقف، وما تزال ردود الفعل الشعبية مستمرة حتى اللحظة.
وفي حين توالت الإشادات بموقف “البكري”، المتعاطف مع مناشدة ابنة الجاني، وعائلته، عبر آخرون عن مخاوف من أن المبادرة للعفو عن الجناة يشجع جرائم القتل، فيما قدّم آخرون مقترحات للتعاطي مع مثل هذه القضايا.
وتفاعلاً مع الموقف، وضع وزير حقوق الإنسان السابق في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، محمد عسكر، “أفكار قابلة للتطوير بعد الالتفاف الجماهيري الكبير حول هذه القضية”.
وتمثّلت فكرة “عسكر”، في “إنشاء مستشفى "حنين" للطفولة بعدن تحتاج إلى وضعها موضع التنفيذ وليافع أيادي بيضاء من مثل ذلك والكل بتقديري سيدعمها”.
وإضافة إلى ذلك، اقترح أن “ينشئ حسين هرهره، جمعية لمكافحة حمل السلاح، ويقود حملات بالمدارس والجماعات والمساجد، للتوعية بمخاطر حمل السلاح، ولتحقيق الأمان والطمأنينة بين المواطنين”، مؤكدًا أن “الكل سيدعمه” في هذا الجانب.