منذ اللحظات الأولى لانتشار الصور المخيفة لما أحدثته كارثة السيول في مناطق محافظات إقلبم تهامة (خاصة الحديدة وحجة)، انطلقت هشتاقات تدعو للتضامن مع الضحايا وتوحيد الجهود لإنقاذهم ومساندتهم وتخفيف معاناتهم، وهي أقل الواجبات الإنسانية وأدناها، إذ أن الفطرة السوية تقتضي إغاثة الملهوف ونصرته ونجدته، دون تباطؤ، كما تقتضي الكوارث تجاوز العوائق والترفع عن كل ما يشغل عن مهمة طارئة هدفها الوحيد الإنقاذ العاجل.
ولأن بلادنا غارقة في وحل كارثة الدولة المنهارة منذ عشر سنوات، فإن المناطق المنكوبة تقع ضمن هذه الفوضى الادارية للحرب الهمجية، وقد تبادر إلى ذهني وأنا أشاهد الاثار المهولة والفاجعة الكبيرة، كغيري من الناس، تبادر إلى ذهني أن التعامل مع هكذا نكبة وكارثة طبيعية، حسب التوصيف المتعارف عليها دوليا، سيكون تعاملا مسؤولا ينطلق من أولويات اللحظة ويضع نصب عينيه مهمة إنقاذ الضحايا فقط، إنقاذهم، وإيواءهم وإغاثتهم والتخفيف عنهم فقط، الأولوية الوحيدة التي تشغل كل صاحب ضمير.
حتى اللحظة يفترض أن تشكل الجهات المعنية في مناطق سيطرة الحوثيين لجنة طوارئ وتقوم بالتنسيق مع الحكومة لإعلان تهامة منطقة منكوبة وتوظيف كل الجهود من أجل جلب الدعم المحلي والدولي لإنقاذ الضحايا وبدون أي تأخير أو تباطؤ.
لحظة كارثية كهذه تستدعي تجاوز الظروف مهما كانت وكيفما كانت، هكذا تفعل الدول في مثل هذه الكوارث!.
حدثت كارثة طبيعية في السودان في الثمانينات، غرقت مناطق واسعة هناك، أتذكر وأنا في سنوات عمري الأولى كيف خرج عمي علي المطوع رحمه الله وفتح ميكرفون جامع القرية ونادى الناس للتبرع لإغاثة أهلنا في السودان، تلك الليلة جمعت والدتي بعض ملابسنا وناولتني لحملها إلى إدارة فريق الاغاثة في قريتي، وهكذا فعل الناس في أغلب دول العالم!.
كنت أنتظر ان تعقد الحكومة جلسة طارئة وأن تفعل الجهات المعنية في مناطق الحوثة، وأن يتم التنسيق من أجل إعلان حالة الطوارئ وتذليل الصعاب وتظافر الجهود والتنسيق مع الدول والمؤسسات الاغاثية لتقديم حملة طارئة جدا وتدخلات بكل الوسائل والإمكانات الإغاثية للدول للقيام بمهمتها الإنسانية تجاه الضحايا.
ما نتابعه من تراشق إعلامي وخطاب غير أخلاقي وغير مسؤول هنا وهناك أمر مؤسف، وقد تجنبت هنا ذكر امثلة أو الغرق في المعارك التي تشتت الجهود وتحرف البوصلة عن الأولوية القصوى المتمثلة في إنقاذ طارئ لا يعيقه عائق أيا كان ومهما يكن.
أنقذوا الضحايا في تهامة، قوموا بواجب الانسانية، وهو أدنى ما يمكن فعله، لا تقتلوا الضحايا مرتين، لا تتركوهم يغرقون في وحل كوارثنا الكبرى، ناشدوا كل جهات العالم وفعلوا بروتوكولات التدخلات الطارئة.
اللهم إنها لحظة طارئة تستدعي تعامل استثنائي ومسؤول، اللهم إنا قد ترفعنا عن السقوط في كل ما يفاقم الأزمة، اللهم إنا نبرأ إليك من كل فقراء القيم ومن الغارقين في وحل الحقد، اللهم أغث تهامة بمن لديهم ضمير يقوم بواجب اللحظة!
اللهم فاشهد اللهم فاشهد!.