برّان برس | أعد التقرير - بلال فيصل:
خلال يوليو/تموز الماضي، قتلت الصواعق الرعدية، وأصابت أكثر من 50 شخصًا بينهم نساء وأطفال في مناطق متفرقة من اليمن، وفق إحصائيات غير رسمية.
عادةً ما تحذر مراكز الأرصاد والإنذار المبكر، في نشراتها الجوية، من الصواعق الرعدية، وتدعو المواطنين إلى الاحتماء منها خاصةً في المرتفعات الجبلية، أثناء هطول الأمطار، فكيف يحمي الناس أنفسهم من خطر التعرض للصواعق الرعدية؟.
ومع دخول موسم أمطار الخريف، تزايدت حوادث الصواعق الرعدية، حيث رصد “برّان برس”، منذ مطلع يوليو/تموز المنصرم، مصرع 47 شخص بينهم نساء وأطفال وإصابة 17 آخرين إثر صواعق رعدية في عدد من المحافظات.
من خلال تحليل “برّان برس”، لإحصائيات ضحايا الصواعق الرعدية في اليمن هذا العام والذي قبله؛ فإن يوليو وأغسطس هما أكثر شهران في السنة يشهدان صواعق رعدية، لتزامنهما مع موسم هطول الأمطار الغزيرة المصحوبة بعواصف رعدية، وغالبًا ما تكون في المحافظات الجبلية.
ويلاحظ أن المناطق الجبلية الريفية في محافظات (حجة، والمحويت، وعمران، والضالع، وصعدة، وصنعاء، ولحج) تواليًا، إضافة إلى الحديدة، تشهد باستمرار أثناء موسم هطول الأمطار، صواعق رعدية، بعضها تتسبب بإصابات أو حالات وفاة.
في محافظة حجة وحدها، الواقعة غرب البلاد، توفي خلال الأسبوع الأخير من يوليو الماضي، خمسة أشخاص بينهم أب وابنته بسبب الصواعق الرعدية.
وفي ذات الأسبوع توفي طفل عمره 7 سنوات، وأصيب طفلان مع والدتهما بصاعقة رعدية في منطقة الحيمة الداخلية التابعة لمحافظة صنعاء، كما توفي أيضًا طفل بعمر 7 سنوات في محافظة المحويت، وأصيب آخرون في محافظة عمران، شمالًا.
وفي الثاني من أغسطس/ آب الجاري، توفي أربعة أشخاص، ثلاثة منهم في محافظة حجة (غربًا) ورابع في صعدة (شمالًا)، إضافة إلى نفوق 16 راس ماشية بسبب الصواعق الرعدية. وفي المحويت، نقل السكان شابًا إلى المشفى، بعد تعرضه لصاعقة رعدية مطلع أغسطس الجاري، لكنه وصل وقد فارق الحياة، لتواصل الصواعق الرعدية حصد المزيد من الأرواح، دون أي التزام بوسائل ومتطلبات الحماية.
إلى جانب النصيحة الشهيرة، بضرورة تجنب استخدام الهواتف المحمولة أثناء هطول الأمطار الرعدية، تنشر الجهات المختصة كمراكز الأرصاد الجوي، والدفاع المدني، بين الحين والآخر، مجموعة نصائح وارشادات، كي يحمي السكان أنفسهم من الصواعق الرعدية.
بدايةً وعند حدوث الصواعق الرعدية يجب اللجوء إلى أقرب بناء (منزل) تصادفه والاحتماء به، وإن كنت داخل المنزل فعليك البقاء داخله، وتجنّب الخروج منه.
كما أن البقاء داخل المنزل لا يحد تماماً من خطر الإصابة بالصواعق، لأن الصاعقة يمكن أن تخترق البناء عبر أسلاك الكهرباء والطاقة الشمسية والهاتف، أو حتى من السقوف، لذلك يجب اتخاذ احتياطات أخرى لتجنّب خطر الصواعق وهي:
أولاً: يجب فصل التيّار الكهربائي عند حدوث الصّواعق عن جميع المنزل، وإبعاد الأجهزة الكهربائيّة والإلكترونيّة عن قوابس وكوابل الكهرباء، والطاقة الشمسية، وفصل قوابس البطارية مع اغلاق الراديو، والتلفزيون.
ثانيًا: تجنّب استخدام الماء، مثل الاستحمام، أو غسل الأطباق أثناء حدوث الصواعق.
ثالثًا: الابتعاد عن الأبواب والنوافذ المفتوحة تماماً، والاسوار المعدنية، والسقوف الزنكية، بسبب سهولة التعرض لصاعقة من خلالها، والتوجّه إلى الأماكن المنخفضة في المنزل، مثل الطابق السّفلي.
رابعًا: تجنّب استخدام المصعد بتاتاً أثناء حدوث الصّواعق.
خامسًا: تجنّب استخدام الهاتف المحمول بتاتاً، وذلك لأنه يحتوي على موجات كهرومغناطيسية تساعد على جذب الصاعقة ، وتجنب المشي بالقرب من الأبراج وشبكات الاتصالات وأعمدة وخطوط الكهرباء بشكل عام.
سادسًا: عدم الإمساك بأجسام معدنية موصلة للكهرباء.
سابعًا: إذا كنت في السيّارة أثناء العاصفة الرعدية ابق داخلها ولا تحاول الخروج منها، ورغم أنّ البقاء داخل السيّارة ليس آمناً كلياً ولكنّه أفضل من التّواجد في الخارج، لأنّ الطبقة المعدنية للسيّارة من الخارج تفرغ البرق باتجاه الأرض.
ثامنًا: الإبتعاد عن المسطّحات المائيّة مثل البحيرات، وحمّامات السّباحة، وذلك لأنّ الماء يعد موصلاً جيّداً للشحنات الكهربائيّة .
تاسعًا: تجنّب الوقوف مطلقاً تحت الأشجار شاهقة الطّول، إذ تجذب الأشجار الطويلة الصاعقة إليها، وكثيراً ما سمعنا عن أشجار احترقت بسبب العواصف الرعديّة ومثلها قمم التّلال والجبال الشاهقة، والإجراء السّليم في هذه الحالة هو البحث عن أرض منخفضة أو وادٍ، والبدء بالجري تجاهه، وتجنب ترجل الطريق الرخوة، أو المغمورة بمياه الأمطار، واختار الطريق الصلبة، واحرص على أن تبقى الأقدام يابسة لتجنب الصعقات الكهربائية القاتلة.
عاشرًا: للحد من خطر الصواعق يجب تركيب هوائي للحماية منها على سطح المبنى أو المنزل، وهو عبارة عن قضيب معدني طويل أعلاه إبره معدنيّة مدبّبة، يجبر الصاعقة الرعدية أن تجري عبر المسار المحدد لها من السطح وحتى أسفل البناء، ما يمنع دخولها عبر أسلاك الكهرباء والطاقة الشمسية والهاتف، أو عبر الأرضيّات والجدران الخرسانيّة، أو أنابيب الماء والغاز المعدنيّة، وبهذا يقي من حدوث الحرائق النّاتجة عن العاصفة.
وفق استطلاع أجراه “برّان برس”، مع عدد من اليمنيين حول وسائل وطرق الحماية التي يتخذونها لتجنب خطر الصواعق الرعدية، كان لافتًا إجابات البعض، بأن الإصابة بالصواعق الرعدية أمر لا يمكن تجنبه؛ كونه بنظرهم قضاء من الله وقدر، لكن بعض الردود أكدت أن الأمر يتطلب العمل بالأسباب، وأخذ الحيطة والحذر.
“محمد متاش” يقول: “كل شيء يحدث بقدرة الله حتى، البرق عندما يصيبك بأمر من الله، لا تقلي المرتفعات ولا الأشجار ولا المعدن.. والله لو أنت داخل السحاب، ما يصيبك الا ما كتبه الله لك، ولكن نعمل بالأسباب”.
“شامخ الوصابي، يقول كذلك: “كل شيء بإرادة الله، لازم نؤمن بالقضاء والقدر”.
وأما “عبده عباس”، فقال لـ“برّان برس” إنه يحتمي من الصواعق الرعدية بذكر الله، وعدم الحركة، والابتعاد عن الالكترونيات.
فيما “حسين صالح” له رأي مختلف، إذ يقول “إن الصواعق يصيب بها الله من يشاء، ويصرفها عن من يشاء، ولا يوجد ما يسمى مانع للصواعق نهائيًا” بحسب تعبيره.
يقوم بعض السكان في اليمن وخاصةً في الأرياف، بتثبيت مانع أو كاسر للصواعق، في زوايا وأركان المنزل، وهو عبارة عن مقبض من حديد، مهمته تفريغ شحنة البرق الواصلة، ثم تفريقها.
لكن الكثير من الناس يهملون، إجراءات السلامة من الصواعق الرعدية. إلى جانب ذلك، لا تقوم الجهات الرسمية بواجباتها، كتركيب موانع الصواعق، وغيره، وتكتفي فقط بتقديم النصائح.
“هاني الشرعبي”، مغترب يمني في أمريكا، يقول لـ”بران برس”: “في اليمن لا تسطيع فتح جوالك أثناء المطر، حتى ولو كان خفيفًا، خوفًا أن يصبك أو يصيب منزلك البرق، لكن في أمريكا هواتفنا مفتوحة وقت المطر بشكل طبيعي ولا يحدث شيء!”. ويرد “عارف السقاف”، قائلًا: “في أمريكا موانع الصواعق منتشرة في كل المباني، أما في اليمن لا يعملون لها أي حساب، وهنا الفرق'”.
أضرار أخرى
لا يقتصر الضرر الذي تلحقه الصواعق الرعدية على البشر فقط، بل تصيب الحيوانات، وقد تتسبب بحرائق في الغابات، وداخل المنازل، وغير ذلك.
في إحدى قرى محافظة حجة (غرب البلاد)، ضربت صاعقة رعدية في أغسطس/آب الجاري، قطيعًا من الأغنام، ما أدى إلى وفاتها جميعًا وعددها 21 ماعزاً.
تدور بعض المعتقدات الشعبية القديمة في اليمن، حول الصواعق الرعدية، وفق ما رصده “برّان برس”، كالقول إن البرق والرعد يلاحقان الجن وليس البشر، ما يجعل البعض يتساهلون أو يهملون العمل بوسائل الحماية من الصواعق الرعدية.
يعلق “معاذ الصياد”، قائلاً: “هذا شرت كهربائي، لا جن ولا إنس! يضرب أي مكان يصله'”.
وعن المعتقدات أيضًا، تقول “أحلام الأصبحي”، لـ“بران برس”، إن الجدات كبار السن، كن يقلن لهم بأن الصواعق الرعدية تلاحق الأشخاص الذين يلبسون ثيابًا لونها أحمر.
ويحكي “مصطفى سنان”، أن جده كان دائمًا ما ينصحهم بعدم الجلوس بالقرب من النوافذ والأبواب، أثناء الصواعق الرعدية؛ لأن البرق كما يقول، يأتي يبحث عن الشياطين.
وإجمالًا، لا علاقة للجن أو القوى الخارقة بالبرق والرعد؛ بل هي تفسيرات قديمة تستند إلى محاولات تخويف الأطفال من التواجد في بعض الأماكن، كالمنازل المهجورة المرتفعة، وفوق الأسطح، والأشجار العالية، ولغرض إبقاء أفراد العائلة كبارًا وصغارًا داخل الغرف، والأماكن الآمنة والاستغفار والتعوذ من الشياطين.
وبعيدًا عن تلك الاعتقادات الشعبية، توضّح “أمل يحيى”، في حديثها لـ“بران برس”، الفرق بين البرق والرعد، قائلة إن “البرق هو الشحنات الكهربائية التي تنفجر أثناء تشبعها في السحب، ينتج عنه تيار كهربائي يتجه نحو الأرض إلى النقطة التي تكون أكثر ارتفاعاً وأكثر تشبعًا بالشحنات السالبة، أما الرعد هو الصوت الناتج عن الانفجار ويعتبران، ظاهرة طبيعية.
وحول كيف نحتمي منها، تقول “أمل”، إنه “بالابتعاد عن الأشجار وزرائب الحيوانات؛ لأن في هذه الزرائب غاز الميثان الذي يحمل شحنات كهربائية”.
الدكتور مراد الهتار، يشرح لـ“برّان برس”، كيف تقتل الصاعقة الرعدية الشخص الذي يصاب بها، وكيف يمكن إنقاذ حياته، فيقول: “إن الأمر يعتمد على هجمة الصاعقة وكميتها”.
ويقصد بالهجمة، “نوع الإصابة، إما أن تصيب الصاعقة الشخص مباشرة، أو عن طريق ملامسته الحديد، أو التراب، أو الماء، وخاصةً عندما يكون حافي القدمين ولا يوجد عازل للقدم، أو عندما يسقط ويلامس الأرض التي ضربتها صاعقة رعدية”.
ووفق “الهتار”، فإن “الصاعقة الأكثر كثافة، والأخطر، هي التي تصيب الشخص مباشرةً”.
وحول ما يحدث لجسم الإنسان الذي يتعرض لصاعقة، يوضح الدكتور الهتار، أن سرعة وشدة الصاعقة ولكونها كهربائية تعمل على تلف داخلي لجسم الشخص المصاب بها، أي أنها تعطل الأنسجة، وتقلل التنفس، وتوقف القلب. وأيضًا تعطل الفعل العصبي، وهذا النوع، ربما يمكن إنعاش المصاب، وإنقاذ حياته، لاسيما اذا لم تصيب الصاعقة الدماغ أو القلب، بشكل مباشر، وفق الهتار.
وأما النوع الآخر، بحسب الهتار، فيتسبب في موت الإنسان مباشرة، ويحدث عندما يُصيب التيار الكهربائي للصاعقة، القلب بدائرة كهربائية، فتعمل على تلفه، ويتوقف النبض والتنفس معًا، وأيضًا عندما تصيب الصاعقة الدماغ بدائرة كهربائية فيموت الشخص بعد أن يفقد الوعي مباشرةً، ولا توجد فرصة لإنقاذ حياته”.
وفي كل الحالات يتم التعامل الشخص الذي تعرض لصاعقة رعدية بذات التعامل مع من تعرض لتيار كهربائي، وفق الهتار.
يتفاءل اليمنيون بـ“سهيل”، وهو نجم في السماء، وظهوره يعني أن الأرض ستشهد أمطارًا غزيرةً، ونافعة للمحاصيل الزراعية.
وعُرف بين المزارعين اليمنيين، عن سهيل، أن الأمطار تكون فيه غزيرة جداً، لدرجة أنهم قالوا، في الأمثال الشعبية: “سهيل وفي ليلتي سبعين سيل”، كنايةً عن غزارة الأمطار، والتدفق الكبير للسيول، والخطر المحتمل الذي قد تسببه تلك الأمطار.
بدأ نجم سهيل في اليمن هذا العام، مع نهاية يوليو وبداية أغسطس الجاري، لذا يتوقع أن يكون أغسطس شهراً غزير الأمطار. وعادةً ما تكون الأمطار مصحوبة بالصواعق الرعدية، وهو ما يزيد من خطر التعرض لها، وسقوط ضحايا بسببها، فضلا عن ما تخلفه الأمطار والسيول من أضرار، ما يحتم الإلتزام بإجراءات السلامة.
في الحديدة (غربي اليمن)، شهدت المحافظة مع دخول أغسطس الجاري، وبداية نجم سهيل، أمطارًا غزيرة غير مسبوقة، غمرت الشوارع، والأحياء السكنية، والمزارع.
وصاحب الأمطار في الحديدة، برق ورعود قوية، والتقط أحد النشطاء مشاهد لبرق يضرب برج اتصالات. ويتداول الناس في الحديدة وتهامة عمومًا المثل الشعبي القائل: “إذا برق بارق تهامة ودع الصيف السلامة”.
وأدت الأمطار والفيضانات التي شهدتها عدة محافظات يمنية، ومنها الحديدة، وحجة، ومأرب؛ خلال الأسبوعين الماضين؛ إلى وفاة 57 شخصا وإصابة 16 آخرين، إضافة إلى تضرر أكثر من 34 ألف أسرة، وفق تقارير منظمات أممية.