يُعَدّ ميناء الحديدة واحدًا من أهم الموانئ اليمنية، حيث يشكّل بوابة اقتصادية حيوية تسهم في تغذية ملايين اليمنيين. إلا أن هذا الميناء أصبح تحت سيطرة الحوثيين منذ بداية الحرب الأهلية اليمنية، وهو الأمر الذي أتاح للحوثيين استخدامه كأداة رئيسية لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
إيرادات الجمارك والرسوم المختلفة التي يفرضها الحوثيين على البضائع المستوردة لا تذهب لتحسين أوضاع السكان المحليين أو لتطوير البنية التحتية للمدينة، بل تستخدم بشكل رئيسي في تمويل الحرب ودعم المجهود العسكري للحوثيين.
منذ سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة في عام 2014، قام الحوثيون باستخدام الميناء لأغراض عسكرية وتجارية تخدم مصالحها الخاصة. حيث يُستخدَم الميناء لتهريب الأسلحة والذخائر، بالإضافة إلى تحصيل الإيرادات من الشحنات التجارية التي تمر عبره. وقد استغل الحوثيون سيطرتهم على الميناء لفرض رسوم جمركية عالية، وأحيانًا مزدوجة، على السفن والبضائع، مما أثر سلبًا على الاقتصاد المحلي وأدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
إضافة إلى استغلال الميناء، شهدت مناطق تهامة التي تشمل الحديدة والعديد من المحافظات الأخرى عمليات نهب واسعة للموارد الطبيعية والزراعية والأراضي والممتلكات الخاصة. تعاني مناطق تهامة من فقر مدقع ونقص في الخدمات الأساسية، ومع ذلك، استمر الحوثيون في نهب الموارد الزراعية والمائية للمنطقة.
يتم تحويل جزء كبير من هذه الموارد لخدمة مصالح الحوثيين في الحرب، أو لتمويل مشاريعهم الخاصة، بينما يعاني السكان من الفقر والجوع وتفشي الأمراض والأوبئة. يستولي الحوثيون على المحاصيل الزراعية وتفرض "أتاوات" على المزارعين المحليين، ما يجبرهم على دفع جزء كبير من إنتاجهم كضرائب غير شرعية. أما الصيادون، فغالبًا ما يجدون أنفسهم مجبرين على تسليم جزء كبير من صيدهم للحوثيين، أو دفع مبالغ مالية كبيرة للسماح لهم بمزاولة نشاطهم.
لم يتوقف تأثير سيطرة الحوثيين على ميناء الحديدة وخيرات تهامة عند المستوى الاقتصادي فقط، بل امتد ليشمل جوانب إنسانية كارثية. حيث أدى استغلال الميناء والموارد إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المنطقة. فارتفاع الأسعار، ونقص الغذاء والدواء، وسوء الأحوال المعيشية، كلها عوامل ساهمت في تدهور حياة السكان المحليين.
تشير التقارير إلى أن العديد من الأسر تعيش تحت خط الفقر، وأن معدلات سوء التغذية وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، خاصة بين الأطفال. في ظل هذا الاستغلال المكثف، يعيش سكان تهامة في ظروف إنسانية قاسية.
الفقر المدقع، وندرة الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، وارتفاع معدلات البطالة، كلها عوامل ساهمت في تدهور الأوضاع المعيشية للسكان. وعلى الرغم من الغنى الطبيعي للمنطقة، إلا أن تهامة تعتبر من أفقر المناطق في اليمن بسبب السياسات القمعية التي ينتهجها الحوثيون.
إضافة إلى ذلك، يعاني سكان تهامة من التهميش والإقصاء السياسي والإعلامي، حيث يتم تصويرهم فقط كضحايا في وسائل الإعلام كما حصل مؤخراً لضحايا الفيضانات والسيول في تهامة حيث تم إظهارهم كضحايا مستضعفين دون التركيز على حقوقهم أو تقديم دعم حقيقي لتحسين أوضاعهم.
يعيش الكثيرون منهم في مخيمات للنازحين داخل المنطقة وخارجها، حيث يعانون من نقص حاد في الغذاء والماء والدواء. ورغم الجهود الدولية والمحلية للحد من استغلال الحوثيين لميناء الحديدة، بما في ذلك الاتفاقات التي أُبرمت في إطار مشاورات السلام برعاية الأمم المتحدة، إلا أن الواقع يشير إلى استمرار الحوثيين في استخدام الميناء لتحقيق مكاسبهم الخاصة. هذه التحركات تعزز من معاناة سكان تهامة، الذين يجدون أنفسهم في وضع لا يُحسدون عليه، بين فكي الحرب والحرمان.
في المجمل، يمثل استغلال الحوثيين لميناء الحديدة وخيرات تهامة صورة مأساوية لنهب الموارد وحرمان السكان من حقوقهم الأساسية. حيث تعد من أبشع صور الاستغلال والنهب التي تمارسها مليشيا الحوثي بحق الشعب اليمني.
فبينما يعيش قادة الحوثيين في رفاهية على حساب السكان المحليين، تزداد معاناة أهل تهامة يوماً بعد يوم. حيث يعاني سكان تهامة من سياسات قمعية شديدة من قبل الحوثيين سواء في نهب الأراضي والممتلكات إلى التجنيد والإخفاء القسري للأطفال والشباب والسجن والاعتقال للصحافيين والناشطين المعارضين لهم.
تحتاج هذه المنطقة إلى تدخل دولي ومحلي فاعل لإنهاء هذه الممارسات الظالمة، وإعادة حقوق سكانها المسلوبة. إن استمرار هذا الوضع يعزز من الأزمة الإنسانية في اليمن، ويُعقّد من جهود السلام والتوصل إلى حلول تنهي الحرب المستمرة منذ سنوات. تعددت نداءات المجتمع الدولي لوقف هذه الانتهاكات، ولكن تحقيق تقدم ملموس يظل تحديًا في ظل الظروف الحالية.