بقدر التشرذم والتشظي الذي أصيبت به البلاد جراء سنوات الحرب والدمار التي عصفت وتعصف بالملايين من أبناء اليمن.. فقد اشبع هذا الصراع كذلك أطر التصنيفات المقيته التي طالما تماهت بفعل الروابط المجتمعية القوية، ولكن الحرب أذكتها وزادت من حدتها.
فتكاد لا تقرأ ولا تسمع خبرا لأي جهة كانت.. الا وفيه ما فيه من الكراهية ورسم الحدود الفكرية والانتمائية وخلق حالة من الانزواء ومعها الاقصاء للآخر.
تحزب ومناطقيه ونخبوية.. ظاهرة لم تكن يوما من اهتمامات المجتمع اليمني المكافح، الذي يقضي يومه في مارثون البحث عن لقمة العيش.. وليس لديه من الوقت ما يسعفه للانخراط في تلك المعمعة او الانضمام لأي جهة او حزب او جماعه. فنرى السواد الأعظم من اليمنيين انتهى بهم الحال على مدرجات كولوسيوم صراع الأطراف والتجاذبات.. حيث الطغم تنهش وتنهب وتتقاسم خيرات البلاد وثرواتها..
وفيما الآلات الإعلامية لتلك الطغم تعمل كلاً منها على شيطنة الاخر.. تذهب أصوات المواطنين وحقوقهم ادراج الرياح.
لعبة التصنيف.. اللعبة التي اتقنتها الأحزاب السلطوية والمتسلقين والمنتفعين ضد خصومهم.. هي من انجع وسائل الخداع للراي العام-المواطن البسيط- لتغيير وجهات النظر وحتى الاعتقاد.. وذلك نتيجة الجهل الذي يعيشه المجتمع. ووجدت لها فسحة كذلك في كل مفاصل الدوله والتنظيمات والحياة العامهنظرا لاعتبارات المصالح والمكاسب.
ولعل من أكبر الطامات التي تعانيها بلادنا اليوم، بعد الانبطاحيه للرغبات الخارجية، هو ممارسة التمييز بكل اشكاله وعبر كل الأدوات المبتذله.. كوسيلة لإقصاء المنافسين ومن يشكلون خطرا وجوديا بحسب "ما يراه أصحاب النظره الراديكالية" على حياتهم السياسية.
وسيلة لم يعد يرى فيها السياسيين ولا اليساريين ولا المحافظين ولا حتى أصحاب الدين حرجا من توظيفها لتحقيق أهدافهم الذاتية او الحزبية.
ولا يخفى المراقب للوضع الحالي حجم الاقصاء والتهميش الذي تمارسه الأحزاب بحق الموالين لها، فضلا عن المعادين لها لا سيما تلك الأصوات المناهضه لعفن سياساتها التي أظهرت الايام زيف أهدافها وشعاراتها.
ان ما تنتهجه الأحزاب والجماعات اليوم من تصنيف وإعادة احياء لمسميات عفى عليها الزمن كفيلة بتمزيق اليمن الممزق أصلا جراء ما يقارب عشر سنوات من الحروب. حيث تشهد اليمن كافة النواع التمييز الطبقي والعرقي والمناطقي والتشجيع على النخبوية.
ويرى مراقبون أنها من أهم أسباب الحروب وإطالة أمدها، ومعها زيادة معاناة المواطنين، ثبت ذلك في الكثير من البلدان التي تشهد هذا النوع من الصراع المسيس والممنهج والذي يسعى له تجار الحروب من خلال توزيع الاتهامات والقاء اللوم على الاخر وخلط الأوراق ببعضها لتشتيت الانتباه عن حالات الفساد اللامتناهي.