برّان برس | أعد التقرير - هشام طرموم:
نحو 10 سنوات من الحرب في اليمن، كانت الأمم المتحدة أبرز الحاضرين فيها سياسيًا وإنسانيًا ودبلوماسيًا، منذ إعلانها لليمن حالة طوارئ إنسانية من الدرجة الثالثة، بداية يوليو/تموز 2015.
خلال هذه الفترة المثقلة بالحرب المدمّرة، والمعاناة الإنسانية القاسية، يتساءل اليمنيون عن جدوى تدخلات الأمم المتحدة في بلادهم، ببعثاتها، ووكالاتها، ومنظماتها المتعددة.
كما يسألون أيضًا عن الأطراف المحلية التي استفادت من أنشطة الأمم المتحدة الحقوقية، والسياسية، والديبلوماسية، ومن مشاريعها، ومبادراتها الإغاثية والإنسانية، التي احتشد العالم أجمع لدعمها.
في موقف يمني حديث، هو الأول من نوعه، لغة ووضوحًا، عبرت 50 منظمة من منظمات المجتمع المدني في اليمن، عن خيبة أملها “العميقة”، وإحباطها الشديد من نهج الأمم المتحدة في اليمن خلال العقد الماضي.
أكّدت المنظمات المجتمعية، في بيان مشترك أصدرته الاثنين الماضي (19 أغسطس/آب 2024)، أن “الأمم المتحدة فشلت في الالتزام بمبادئ الإنسانية، والحياد، وعدم الانحياز، والاستقلالية”.
وقالت إن النهج الأممي في اليمن “مكن الحوثيين من تسييس، وحرف مسار المساعدات، والانتفاع منها عسكرياً، وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إضافة إلى تعزيز قوتهم العسكرية، وتقويض الجهود المبذولة لإنهاء الحرب في البلاد".
وحول طبيعة أدوار الأمم المتحدة وتدخلاتها في الأزمة اليمنية، قال الباحث اليمني والموظف الأممي السابق، صادق الوصابي، إن “الأمم المتحدة كان لها دورًا أساسيًا في توسع وتمكين جماعة الحوثي”.
وبيّن “الوصابي”، في تصريح لـ“برّان برس”، أن هذا جرى من خلال سياسات الأمم المتحدة التي وصفها بـ“المتخاذلة والمتخادمة” مع جماعة الحوثي. إضافة إلى “تقديم التسهيلات والتنازلات للجماعة”.
وقال إن ما وصفها بـ“سياسة الاسترضاء” التي انتهجتها الأمم المتحدة “جعلت الحوثيين أكثر جرأة، وأكثر تبجحًا في التعامل والتعاطي مع الأمم المتحدة والمنظمات الأممية”.
“الوصابي”، لفت أيضًا إلى الدور “الكبير”، الذي قال إن الأمم المتحدة لعبته في “معركة تحرير محافظة الحديدة (جنوبي غرب اليمن)، مضيفًا أنها “عملت على إيقاف القوات الحكومية من تحريرها، وضغطت على الحكومة الشرعية والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات، لوقف المعركة بذريعة المجاعة والحصار”.
وبرأيه، فإن الأمم المتحدة “استجابت للابتزاز الحوثي”، فيما الحوثي “ظل يستخدم ورقة المجاعة بشكل كبير”. ورغم هذا قال إن المحافظات التي تسيطر جماعة الحوثي تشهد “مجاعة حقيقة، بما فيها مدينة الحديدة”.
ونفس السيناريو، قال “الوصابي”، إن الحوثيين استخدموه بعد وصول قوات الجيش إلى صنعاء. مضيفًا أنه “كان للأمم المتحدة دورً كبيرًا في إيقاف معركة تحرير صنعاء”.
وعن كيفية حدوث هذا، أوضح الموظف الأممي السابق، أن الحوثيين “ضغطوا عبر أدواتهم المنخرطة داخل المنظمات الدولية لإصدار بيانات، ومناشدات عاجلة لإيقاف العمليات العسكرية ضد جماعة الحوثي”، مبينًا أن هذه الضغوط جاءت “تحت ذريعة إقحام المدن في حروب، وأن الحرب ستضر صنعاء التي يسكنها 5 مليون مواطن”.
واتهم “الوصابي”، الأمم المتحدة بالضغط على بعض الدول لتسهيل وصول الشحنات للمناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي بـ“دواعي العمل الإنساني”، وبفضل هذا قال إن “الحوثيين عملوا على تهريب الأسلحة للمناطق التي يسيطرون عليها تحت مسمى العمل الإنساني، وإيصال المواد الغذائية، والأدوية”.
لا يقتصر الأمر على مخالفات المنظمات والوكالات الأممية التي تعمل في المجال الإغاثي والإنساني باليمن، بل تعداها إلى تجاوزات ارتكبها مبعوثو الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، وفي كليهما استفاد الحوثيون.
وهذا ما أكّده وزير الدولة السابق لشؤون مخرجات الحوار الوطني، ياسر الرعيني، في تصريح لـ“برّان برس”، حيث قال إن “بعض المبعوثين الأمميين إلى اليمن، تجاوزوا مهامهم كوسطاء لتقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية“.
وذكر أن هؤلاء المبعوثين الأمميين “لعبوا أدورًا تجاوزوا فيها حتى القيادة الشرعية للجمهورية اليمنية”.
وحمّل “الرعيني”، الحكومة اليمنية المعترف بها، “مسؤولية تجاوز المبعوثين الأمميين لها؛ باعتبار أنها سمحت بذلك، في حين أنه بإمكانها الاعتراض، ورفض المبعوثين، وتقديم طلب بإعفاء أي المبعوث أو تغييره”.
وإضافة إلى ما سبق، كشف “الرعيني”، عن تدخلات إقليمية ودولية وصفها بأنها “كبيرة” للتأثير على أداء الأمم المتحدة في اليمن.
وقال في حديثه لـ“برّان برس”، إن “هناك محاولات كبيرة من الدول التي تملك نفوذًا في الأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل التأثير على مهمة الأمم المتحدة في التوسط لإنهاء الصراع في اليمن”.
وأضاف أن “هناك تدخلات إقليمية ودولية واضحة في الملف اليمني”. مبيّنًا أن هذه التدخلات “تسببت في إطالة عمر الانقلاب الحوثي وتمدد نفوذه”.
ورغم هذا، أكّد “الرعيني”، أنه “لا يمكن لوسطاء السلام من الأمم المتحدة أو الدول الأخرى فرض ما يتعارض مع المرجعيات التي تؤكّد أن الصراع في اليمن بين ميليشيا انقلابية مقابل شرعية وطنية معترف بها دوليًا”.
الجانب الاقتصادي، كان “مسرحًا مفتوحًا” للعبث والتجاوزات الأممية، ما أضر في النهاية بالمواطن اليمني، وكان آخر صور ذلك العبث تدخل المبعوث الأممي وضغطه على مجلس القيادة الرئاسي للتراجع عن قرارات البنك المركزي، التي اتخذها البنك مؤخرا لاستعادة السيطرة على القطاع المصرفي من عبث الحوثيين.
يقول الصحفي الاقتصادي، وفيق صالح، إن الأمم المتحدة “تماهت كليًّا” مع ممارسات جماعة الحوثي بحق الإقتصاد الوطني، وبرز هذا تحديدًا “فيما يتعلق بنهب الموارد العامة، وتكريس الإنقسام النقدي، ومنع صرف رواتب الموظفين، للعام الثامن على التوالي رغم الإيرادات الهائلة التي تجبيها الجماعة”.
وإلى جانب ذلك، قال “وفيق صالح” في حديث لـ“برّان برس”، إن الأمم المتحدة “ساهمت في تقديم التسهيلات، وسبل الإمداد اللازمة للحوثيين في كثير الملفات تحت يافطة الورقة الإنسانية منذ بداية الحرب”.
وأضاف أن الأمم المتحدة ساهمت أيضًا في “تقديم الدعم المالي واللوجستي للمؤسسات التابعة لجماعة الحوثي، تحت مبرر الحد من تدهور الوضع الإنساني للمواطنين”.
وفي حين وقفت الأمم المتحدة ضد إجراءات الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا لممارسة أعمالها، وأنشطتها القانونية، وآخرها إجراءات البنك المركزي، استغرب الصحفي “وفيق صالح”، من أن الأمم المتحدة ذاتها “لم تمارس أي ضغوط على الحوثيين لوقف حربهم ضد الاقتصاد الوطني، وضد مجتمع المال، ورجال الأعمال”.
وقال إن الأمم المتحدة “ظلت تتحجج بالوضع الإنساني، رغم من أن ممارسات الحوثيين هي السبب الرئيس في تدهور الوضع الإنساني، وتدني مستوى الخدمات، وتضاعف مؤشر الأزمات الإنسانية، والاقتصادية”.
وبينما كان الشارع اليمني، ينتظر ردّة فعل قويّة من الأمم المتحدة ضد انتهاكات جماعة الحوثي، وحملاتها الواسعة ضد موظفي الأمم المتحدة بصنعاء، والمناطق الأخرى الخاضعة لسيطرتها منذ بداية يونيو/حزيران الماضي، كانت المفاجئة أن التحركات الأممية كانت في الاتجاه الخاطئ.
وهذا ما دفع منظمات المجتمع المدني اليمنية للتعبير عن شعورها “بخيبة أمل شديدة” لما قالت إنه “تقاعس الأمم المتحدة بعد عمليات الخطف الجماعي والإخفاء القسري الأخيرة التي نفذتها جماعة الحوثي ضد قادة المجتمع المدني، وموظفي الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية والتي بدأت في يونيو الماضي”.
وقالت البيان المشترك: “في حين كنا نتوقع من الأمم المتحدة أن تحاسب الحوثيين على أفعالهم- اختطاف الموظفين، ومداهمة مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والاستيلاء على المعدات، والوثائق، والتآكل المنهجي لحقوق المرأة، والتلقين العقائدي للأطفال وتجنيدهم، أصابتنا خيبة أمل عميقة من نهج المنسق المقيم الجديد، جوليان هارنيس”.
وأضافت: “وبدلاً من اتخاذ موقف حازم، يبدو أن هارنيس يتبنى نهجا أكثر ليونة تجاه الحوثيين منذ توليه منصبه”. موضحًا أن المسؤول الأممي يؤكد “ضرورة استمرار الأمم المتحدة في العمل مع الحوثيين، واستئناف برنامج المساعدات الغذائية العامة لبرنامج الغذاء العالمي بصرف النظر عن الظروف”.
ووفق البيان فإن المسؤول الأممي، قال خلال اجتماعاته مع المدراء القطريين في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غير الحكومية، إن “الحوثيين ربحوا الحرب، وإن دور الأمم المتحدة يقتصر على دعمهم (الحوثيين)”.
واعتبرت المنظمات اليمنية، في بيانها، أفعال وتصريحات المسؤول الأممي “تقوض مصداقية الأمم المتحدة وتفشل في معالجة القضايا الجادة المطروحة، مما يزيد من معاناة اليمنيين الممتدة منذ وقت طويل”.
وذكر البيان، أن موظفي الأمم المتحدة رددوا شعار الحوثيين (الصرخة)، خلال اجتماعين منفصلين، بمن فيهم موظفي برنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية، وجرى ذلك “أمام مدرائهم في الأمم المتحدة”. وهو ما يوضّح مدى انحراف الأمم المتحدة ووكالاتها عن مبادئ الحياد والنزاهة وضوابط التدخلات الإنسانية.
وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت، سابقًا، اختطاف الحوثيين، في يونيو/ حزيران الماضي، 13 موظفًا في الأمم المتحدة، بينهم ستة يعملون بمكتب المفوضية، وأكثر من 50 موظفًا في منظمات غير حكومية وآخر في سفارة.
في ابريل/نيسان 2022، أعلنت الأمم المتحدة “هدنة إنسانية” في المين، ورغم ذلك لم يلمس المواطن اليمني حتى الآن أي أثر ملموس لها، فالطرقات العامة بين المدن ما تزال مغلقة، وآلاف اليمنيين قابعون خلف قضبان السجون التي تزداد اكتظاظًا مع حملات الحوثي المتصاعدة لاختطاف المدنيين بما فيهم موظفي الأمم المتحدة.
كما أن الحصار الحوثي على مدينة تعز، ما يزال قائمًا رغم أن إنهاءه أحد الأهداف الجوهرية للهدنة، والمتغيّر الوحيد هو تزايد قوّة الحوثيين، وتفرّغهم لتوسيع الحرب خارج الحدود، وتهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.