إيران تُعتبر واحدة من أكثر القوى الإقليمية إثارة للجدل في الشرق الأوسط، حيث تُتهم بتبني سياسات تخريبية تسعى من خلالها إلى تعزيز نفوذها الإقليمي عبر دعم جماعات مسلحة وتغذية النزاعات. واحدة من أبرز الأمثلة على هذا الدور الإيراني هو تدخلها المستمر في اليمن من خلال دعمها لمليشيا الحوثي، التي تعتبرها طهران جزءًا من محور "المقاومة" الذي يمتد من لبنان إلى العراق وسوريا وفلسطين.
إيران تُتهم بدعم مجموعة متنوعة من الجماعات المسلحة في المنطقة، بما في ذلك حزب الله في لبنان، الميليشيات الشيعية في العراق وسوريا، وحتى جماعات معارضة سنية عندما تخدم مصالحها كحماس والجهاد الإسلامي. هذه الجماعات غالبًا ما تكون مسؤولة عن تنفيذ هجمات إرهابية أو شن حروب بالوكالة تخدم الأهداف الإيرانية.
حزب الله، على سبيل المثال، ليس مجرد تنظيم لبناني محلي، بل هو ذراع إيران الممتد في لبنان وسوريا، حيث يلعب دورًا رئيسيًا في الصراع السوري دعمًا لنظام بشار الأسد. كذلك، تقدم إيران دعمًا ماليًا وعسكريًا كبيرًا لميليشيات الحشد الشعبي في العراق، والتي لها دور في زعزعة استقرار البلاد وزيادة التوترات الطائفية.
تعود العلاقة بين إيران والحوثيين إلى بداية التسعينيات، حيث بدأت إيران بتقديم دعم محدود للجماعة الحوثية ( أنصار الله). ومع اندلاع الحرب الأهلية اليمنية في عام 2014، توسع هذا الدعم ليشمل الأسلحة والتدريب والمساعدات المالية، مما ساعد الحوثيين على السيطرة على العاصمة صنعاء وأجزاء كبيرة من البلاد.
تعتبر إيران الحوثيين أداة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية في منطقة الخليج. الدعم الإيراني للحوثيين يتضمن توفير الأسلحة المتطورة، بما في ذلك الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار، التي استخدمها الحوثيون في شن هجمات على أهداف داخل السعودية والإمارات. بالإضافة إلى ذلك، تقدم إيران الدعم الفني والاستشاري للحوثيين في مجال الحرب الإلكترونية وتطوير القدرات القتالية.
يُعتبر التدخل الإيراني في اليمن جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تطويق دول الخليج من خلال دعم الحركات الشيعية والجماعات المعارضة في الدول المجاورة. هذه الاستراتيجية ليست مجرد تصدير للثورة الإسلامية، كما كان الحال في الثمانينيات، بل هي محاولة لترسيخ النفوذ الإيراني في المنطقة وتحويل اليمن إلى قاعدة أمامية لتهديد الأمن القومي لدول الخليج.
أدى هذا التدخل إلى تصعيد النزاع في اليمن، وتحويل الصراع من كونه صراعًا داخليًا بين الأطراف اليمنية إلى جزء من صراع إقليمي أوسع بين إيران من جهة، والتحالف العربي من جهة أخرى. هذا التحول جعل من الأزمة اليمنية واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية خطورة في العالم، حيث يعيش ملايين اليمنيين تحت حصار وقصف مستمر، وسط نقص حاد في الغذاء والدواء. بالاضافة الى ذلك تهدف إيران من تدخلها في اليمن إلى استخدام الحوثيين كورقة ضغط دولية، وذلك من خلال دعمها اللامحدود للحوثيين، حيث تمتلك إيران ورقة ضغط إضافية في مفاوضاتها مع القوى الدولية بشأن ملفاتها الأخرى، مثل برنامجها النووي والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
ساهم التدخل الإيراني في اليمن في زعزعة استقرار المنطقة بعدة طرق، ومنها تهديد الملاحة البحرية، حيث يشكل مضيق باب المندب أحد أهم الممرات البحرية في العالم، وقد تهددت الملاحة الدولية فيه بسبب هجمات الحوثيين على السفن التجارية والعسكرية، مما يثير مخاوف من تعطيل حركة التجارة العالمية. وبالإضافة الى تصعيد الصراع الطائفي، حيث زاد التدخل الإيراني من حدة الصراع الطائفي في اليمن، وهو ما انعكس على مناطق أخرى في الشرق الأوسط، مما أدى إلى تفاقم التوترات الطائفية في دول مثل العراق وسوريا ولبنان.
وكذلك أدى الدعم الإيراني للحوثيين إلى تعزيز قدراتهم العسكرية، مما أجبر دول المنطقة على تعزيز دفاعاتها وشراء المزيد من الأسلحة المتطورة، مما زاد من حدة سباق التسلح في الشرق الأوسط. على الصعيد الدولي، أدى التدخل الإيراني في اليمن إلى عدة تداعيات ومنها، تعقيد جهود السلام الدولية، حيث عرقل الدعم الإيراني للحوثيين جهود الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية لإحلال السلام في اليمن، مما أطال أمد الصراع وأدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية.
وكذلك تصاعد التوتر مع الغرب، بحيث زاد التدخل الإيراني من التوترات بين إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان واستخدام إيران للحوثيين كأداة لزعزعة الاستقرار. بالإضافة الى زيادة الضغط على سوق النفط العالمي، حيث ان الموقع الاستراتيجي لليمن وتحكمها بمضيق باب المندب وقربها من مضيق هرمز، أحد أهم ممرات النفط في العالم.
فإن أي تهديد للملاحة في مضيق باب المندب - هرمز يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، مما ينعكس سلباً على الاقتصاد العالمي.
ختاماً تلعب إيران دورًا محوريًا في تأجيج النزاعات الإقليمية من خلال دعم الجماعات المسلحة وتغذية الصراعات الداخلية في الدول المجاورة. تدخلها في اليمن يُعد مثالًا واضحًا على سياساتها التخريبية التي تهدف إلى تعزيز نفوذها على حساب استقرار وأمن الدول الأخرى. ومن الواضح أن استمرار هذا النهج الإيراني سيؤدي إلى مزيد من التوترات والصراعات في المنطقة، مع تأثيرات كارثية على السلم والأمن الدوليين. يشكل التدخل الإيراني في اليمن جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز نفوذ طهران في الشرق الأوسط على حساب الاستقرار الإقليمي والدولي.
من خلال دعمها للحوثيين، تسببت إيران في تفاقم الصراع اليمني وزعزعة الأمن في المنطقة، مما يتطلب رداً دولياً متكاملاً لاحتواء هذا النفوذ والحيلولة دون تفاقم الوضع أكثر. يظل الحل الدبلوماسي والسياسي هو الأمل الوحيد لإنهاء هذه الأزمة المستمرة وتجنب المزيد من الفوضى في المنطقة.