برّان برس- وحدة التقارير:
مع الجهود الحثيثة التي تقودها الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي لخفض التصعيد الإقتصادي، وإنهاء الحرب في البلاد، أقدمت جماعة الحوثي المصنفة في قوائم الإرهاب، الجمعة 23 أغسطس/آب 2024، على استهداف منشأة صافر النفطية بمحافظة مأرب (شمال شرقي البلاد).
شاهد تقرير : هجوم حوثي على صافر.. هل أخطأت طريق إسرائيل؟
أوضح بيان الجيش، الذي نشره موقع القوات المسلحة "سبتمبر نت"، أن الهجوم تم بـ "ثلاث طائرات مسيرة انتحارية مجنحة تحمل مواداً شديدة الانفجار"، واصفاً هذا الهجوم بأنها عملية إرهابية جبانة لتدمير هذه المنشأة الحيوية المدنية وفقا للبيان الصادر عن وزارة الدفاع ورئاسة هيئة الأركان العامة.
الهجوم أثار استغراب اليمنيين والمتابعين الذين تساءلوا عن دلالات وسياقات الهجوم على منشأة لعمليات الاستكشاف والانتاج النفطي، خصوصا أنه يأتي في ظل تحركات لإبرام اتفاق للتهدئة الإقتصادية، وهو ما يتناوله "برّان برس" في هذا التقرير.
نوايا تدمير قديمة
عن دلالات الاستهداف، قال رئيس مركز المستقبل اليمني للدراسات الاستراتيجية، الدكتور فارس البيل، إن جماعة الحوثي “عينها على صافر ومأرب منذ زمن”، مشيرًا إلى أن هذا الاستهداف يأتي “في إطار سلسلة المواقف الحوثية التي ليست مستغرب على الإطلاق”.
وذكر “البيل” أن جماعة الحوثي عملت “بشكل واضح على تدمير كل مقدرات الدولة اليمنية”.
وقال: "شاهدنا كيف انزعجت من إعادة تشكيل السلطة في مجلس القيادة الرئاسي، وذهبت سريعًا لتعطيل الموارد الاقتصادية بميناء الضبة وغيرها، وكذا وقف دخول الغاز من مأرب إلى المناطق التي تقع تحت سيطرتها ورفع الضرائب وصك العملة”.
وعن أهداف هذا، قال إنها “تريد أن تحارب كلما يمكن أن يؤدي إلى نجاح الدولة اليمنية؛ لأنها تدرك بسهولة أن أي نجاح للدولة يقصم من عمرها، ولذلك تسعى بشكل واضح”.
وحول ما إذا كانت تدرك تداعيات هذا الأمر على حياة الشعب ومعيشته، قال “البيل”، إنه “لا يهمها أن يموت اليمنيون جميعًا، ولا يهمها أن يدخل اليمن في أزمة اقتصادية بالإطلاق”.
وأضاف: “أن ينهار اليمن، ويموت الناس جوعًا، ويشرد الملايين لا يهمها، ما يهمها فقط أن تهيئ اليمن كأرض خربة للمشروع الإيراني. مؤكدًا أن “هذا ما تريده المليشيات الحوثية”.
خيارات الحكومة
وعن خيارات الحكومة الشرعية، قال: “نحن لا نطلب منها مواقف تعجيزية أو بطولية بعيدة عن لغة الواقع؛ لكن في تقديري بإمكان الحكومة الآن أن تستند على هذه الجرائم التي تقوم بها مليشيا الحوثي في مواجهة المجتمع الدولي الذي يدعو ويقود اليمن إلى سلام موهوم".
وفيما يتعلق بضمانات السلام، قال: “على الحكومة أن تحرج المجتمع الدولي. ما الضمانات الحقيقية لسلام مع مليشيا تستهدف مقدرات الشعب. وعلى المجتمع الدولي ان يقدم ضمانات، والحكومة الشرعية يمكن أن تستغل هذا".
ولا يطالبها “برد فعلي الآن، وهذا مطلوب، لكن على الأقل تستخدم هذا الأمر لمعالجة أو تصحيح مسار السلام المنقوص”.
نار تحت الرماد
وعما إذا كانت المساعي الدولية تدرك هذا الخطر، قال رئيس مركز المستقبل اليمني للدراسات، إن “هذه المساعي تدرك بطبيعة الحال أبعاد وأهداف مليشيا الحوثي، وأنها مجرد آلة عسكرية استحواذية بيد النظام الإيراني”.
ورغم هذا قال: “كما لو أنهم يغطوا النار بالرماد لا أقل ولا أكثر، فالمجتمع الدولي يريد أن يقول إنه حقق نجاحاً ما في إيقاف الحرب باليمن فيما أن الحقيقة كما لو أنه يريد فقط أن يقلل دائرة النار يبعدها عن المخاطر الدولية ويحصرها داخل اليمن”.
وشدد “البيل”، على “الوسطاء الدوليون أن يدركوا أن التعاطي مع المليشيا بلغة السلام لن ينفع، ولا يمكن أن تمتلك لغة السلام مهما كان".
تغطية الشمس بغربال
وعن إمكانية نجاحات مساعي السلام في ظل هذه الأنشطة، قال “البيل”، إن “مليشيا الحوثي والأبعاد الاستراتيجية الإيرانية أخرجت هذه الدائرة أيضًا حينما نقلت المعركة إلى البحر الأحمر، وبدأت تهدد الاقتصاد العالمي والأمن الدولي ككل”.
وبالتالي، قال إن “الدعوة إلى السلام مع هذه الميليشيا في ظل هذه التطورات والتعقيدات كمن يغطي الشمس بغربال”.
وعن تعاطي الأمم المتحدة مع الجماعة، قال الدكتور البيل، إن “الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في حالة عجز كامل عن التعاطي مع هذه الجماعة”.
والسبب برأيه “بسيط”، وهو “أنهم يتعاملون معها باعتبارها حالة يمنية من ناحية عندما يريدون أن يروجوا للسلام، ويدعون أن الحل في اليمن هو تقاسم السلطة وستقبل بذلك مليشيا الحوثي وتنتهي”. مضيفًا : لكنهم في قرارة أنفسهم، من جهة أخرى، يدركون تمامًا أن هذه المليشيا ملتصقة تمامًا بالمشروع الإيراني”.
وأضاف أنهم “يتعاطون معها من هذا المنطلق، ويعتبرونها ورقة في ملف الصراع الغربي- الإيراني وصراع النفوذ في المنطقة”.
واعتبر أن “هذا يكشف تناقض المجتمع الدولي إزاء المشكلة اليمنية، ويكشف عجزه عن وضع تصور حقيقي في اليمن”، متسائلًا “كيف يدفع مليشيا الحوثي، من جهة، توقع على اتفاقية سلام، وفي جهة أخرى هو يتعاطى معها باعتبارها أداة إيرانية تهدد الأمن في المنطقة”.
وشدد على ضرورة أن يعيد المجتمع الدولي والأمم المتحدة “تصوراتهم إزاء طبيعة المشكلة”، مشيرًا إلى أن“هذه التصورات، في الأخير، ستصل إلى أن اتفاق السلام مع هذه المليشيا كالحرث في البحر”.
أبرز استهدافات لصافر:
يرصد “بران برس”، في هذه المادة أبرز عمليات الاستهداف التي قامت بها جماعة الحوثي ضد شركة صافر، والمرافق والملحقات التابعة لها خلال السنوات الماضية.
- 2014: اقتحمت مجاميع حوثية مسلحة محطة تخفيف الضغط على خط أنبوب صافر بمنطقة رأس عيسى في الحديدة، وطرد موظفي شركة صافر واختطفت 3 منهم، ونهب محتويات المحطة، تمهيدًا لشفط النفط الخام.
- مارس 2016: اعترضت منظومة "باتريوت" التابعة للتحالف العربي في مأرب، صاروخين بالستيين أطلقتهما جماعة الحوثي على منشأة صافر، وتم تدميرها على بعد 30 كم من حقول صافر النفطية.
- 1 ابريل 2019: اقتحم الحوثيون محطة تخفيض ضخ النفط الخام التابعة للشركة بمحافظة ريمة، وقامت بسحب النفط الخام منها ومن الأنبوب الرئيس للتصدير من حقول الانتاج بمأرب إلى رأس عيسى بالحديدة.
- 4 ابريل 2020: استهدف الحوثيون بمقذوفات صاروخية محطة الضخ الخاصة بأنبوب صافر النفطي في منطقة صرواح غرب مأرب.
- 2021 و2022: أحبطت قوات الجيش والأمن في مأرب عدّة محاولات تخريبية ضد حول ومنشآت النفط بمحافظة مأرب بعد فشل عملياتها العسكرية للسيطرة على مدينة مأرب والمنشآت النفطية بالمحافظة.
- 26 ديسمبر 2023: فجر مسلحون مجهولون اليوم أنبوبا للنفط الخام يربط بين منشأة صافر وحقل جنة شرقي مدينة مأرب.
- 6 يناير 2024: اختطف الحوثيون ثلاثة من مهندسي شركة صافر أثناء عودتهم من منازلهم بمناطق سيطرتها إلى مقار أعمالهم بمحافظة مأرب.
- 23 أغسطس 2024: استهدف الحوثيون منشأة صافر النفطية بمأرب بثلاث طائرات مسيرة انتحارية مجنحة تحمل مواداً شديدة الانفجار
تصعيد خطير
وفي تعليقها على الهجوم الأخير، اعتبرت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، على لسان وزير الإعلام والثقافة والسياحة، معمر الإرياني، استهداف الحوثيين لمنشأة صافر النفطية بأنه “تصعيد خطير يندرج ضمن الحرب الاقتصادية التي تشنها على الحكومة والشعب اليمني”.
وأضاف “الإرياني”، في تصريح نشرته وكالة الأنباء اليمنية سبأ (رسمية)، أن جماعة الحوثي “شرعت في شن حرب اقتصادية على الحكومة للحيلولة دون قدرتها على الوفاء بالتزاماتها”. وقال إنها “هاجمت في اكتوبر 2022 السفن والناقلات النفطية في موانئ محافظتي "حضرموت، وشبوة" ما أدى إلى توقف تصدير النفط”.
وأضاف أنها “منعت بيع الغاز المحلي القادم من محافظة مأرب لمناطق سيطرتها واستبدلته بالغاز "المجاني" القادم من إيران عبر ميناء الحديدة، وضاعفت أسعار الرسوم الضريبية والجمركية في المنافذ البرية لمنع حركة البضائع والناقلات بين المحافظات، بهدف إجبار التجار على وقف الاستيراد من ميناء عدن”.
وتعد “صافر”، واحدة من أهم المنشآت النفطية في اليمن، وتخضع لسيطرة السلطات الحكومية، وتراجع نشاطها في السنوات الأخيرة بفعل الهجمات الحوثية، وينحصر إنتاجها على توفير البنزين والغاز المنزلي للاستهلاك المحلي، وكذا تشغيل محطة الكهرباء في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد.
وفي مايو/أيار 2024، لوّح قيادي في جماعة الحوثي المصنفة عالمياً في قوائم الإرهاب، باستهداف منشآت النفط في محافظة مأرب، وإيقاف استخراج النفط من حقول صافر، على غرار ما حدث في محافظتي شبوة وحضرموت (شرق)، وذلك بعد يوم واحد من إعلان الجماعة ما أسمته “المرحلة الرابعة” من التصعيد ضد السفن الإسرائيلية”.