أشاهد التسجيلات المخجلة التي تنشرها الجماعة الحوثية كاعترافات لاستاذ علوم التربية المخلافي وتخطر في بالي مقولة "الحافر على الحافر" كتعبير عن منطق البغال.
نحن امام ظاهرة متكررة او ما يعبر عنها بالمعنى النفسي بـ ديجا ڤو. تلك المواقف التي ما ان تتعرض لها يداهمك احساس انها قد وقعت من قبل ولا تدري هل وقعت بالفعل ام انها كانت في خيالك او في احلامك.
لكننا مع الجماعة الحوثية ومنطق البغال فإننا امام احداث قد وقعت بالفعل ولكن ويا للسخرية كيف واين.
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي انتفشت ظاهرة الاسلاموية وتضخم المطاوعة والسلفيون والوهابيون فملؤا الفضاء العام بنرجسية طهورية.
لاحق احدهم الدكتور حمود العودي وقال فيه ما قال مشنعاً لأنه وصف الإنسان اليمني بوصف لا يخص إلا الذات الإلهية.
مضت الايام وانتهت جذوة المطوعة وانخفضت ذبالتها واخذ الشعلة الحوثيون بعد ان توقف خط الانتاج للوهابية في المصنع.
حينها كان اليسار والليبراليون والإسلاميون من الصف المناهض يرون ويصورون ان الوهابية ام الشرور. لقد جلبت الخمار والسواد لقد سممت العقول والذائقة، لقد قضت على التنوع وحرية الأفراد، جماعة لا تفقه إلا بحدود الطهارة والحدود من علوم الدين، تيار ضد الفلسفة والعقل، وغيرها من الاقاويل التي عرفنا لعقود.
الطريف انهم، اي الحوثيين، الان لا يفعلون ما كانت تفعل فحسب. بل انهم زادوا عليها كثيرا بما يملكون اليوم من سلطة ووسائل اعلامية واجهزة قمعية ودعاية وترهيب.
حسب علمي لم يظهر احدهم على شاشة التلفزة حينها يدلي باعترافات انه جاسوس لدولة ما تستهدف مناهج التعليم من خلال القول بسقوط المطر.
في كل الاحوال الجماعات المتشددة تستهدف اولا العملية التعليمية وتحارب الاكاديميين المختلفين معها او من لديهم نفحة تنوير ومسؤولية اجتماعية واخلاقية. ( لا اقصد بالتنوير هذا الهياط الساذج الذي بلا اسس ولا عقل ولا رصانة وصلابة معرفية )
الحوثية وهابية العصر. ومن العجيب ان تدعي انك الضحية وتحذو حذو الجلاد واكثر.
طبعا بالفحص والاطلاع يكتشف الفرد ان جذور التشدد والتزمت الديني في اليمن سابقة على الوهابية بعشرات القرون وجذورها زيدية هادوية والحوثي هو الممثل الأفضل لحقيقتها بعد ان تجملت لفترة بالرصانة والاعتدال.
كان المطاوعة يريدون مدرسة على مقاس عقولهم ويؤسلمون العلوم ويتوسعون في تعليم الدين. لكن الحوثية لا تريد المدرسة. الحوثية تريد الجهل فهو بيئتها الخصبة لتمرير فكر سام وعنصري وخارج عن ابسط فطرة سليمة.
لن تنتهي الحلقة هنا. مع الوقت سنعود إلى العام 1918 حيث ادعاء الاستقلال الوطني مع تكريس الشعوذة والقطرنة وتقديس الرذيلة والاستزلام. سيكون الفقر والجوع سمة اليمني الجيد وسيكون غير المتعلم هو الاصيل. اما معايير تقييم الناس فستكون بقدر خدمتهم لمشروع الحوثية وتبجيل رموزها.
فيديو الاعترافات يقول ان الحوثية خطر على كل شيء بما في ذلك البلاغة واللغة وملكة التعبير.
*المقال نقلاً عن صفحة الكاتب على منصة إكس