برّان برس | أعد التقرير - هشام طرموم:
في ذروة الحراك الأممي والدولي والإقليمي الذي يدفع نحو خارطة سلام في اليمن، أعلنت جماعة الحوثي المصنفة عالميًا بقوائم الإرهاب عن استقبالها سفير إيراني جديد بعد نحو ثلاث سنوات من وفاة السفير السابق، الذي قالت تقارير إعلامية إنه قتل في جبهات مأرب.
هذه الخطوة المفاجئة، خصوصًا مع الاتفاق السعودي الإيراني، والمفاوضات الحوثية السعودية المباشرة، أثارت الكثير من الأسئلة عن دلالاتها وتأثيرها على الجهود الدولية لإنهاء الحرب وإحلال السلام في اليمن، وعن مستقبل الهدنة الأممية الهشّة التي بدأت منذ أبريل/نيسان 2022، إضافة إلى خيارات الحكومة اليمنية والتحالف العربي الداعم لها بقيادة السعودية.
وعن دلالات هذه الخطوة، قال الكاتب والباحث اليمني، أحمد صالح العطعطي، لـ“برّان برس”، إنها تأتي “في سياق انتقال النفوذ الإيراني من مرحلة التوسع البري والسيطرة على أربع عواصم عربية إلى التوسع البحري”.
وأوضح “العطعطي” أنها جاءت بعد عدّة رسائل بعثتها طهران تفيد بأن “الممر التجاري الأهم الرابط بين الشرق والغرب، المتمثل بالبحر الأحمر وخليج عدن، صار مجال نفوذ إيراني عبر ذراعها في جنوب الجزيرة العربية المتمثلة بجماعة الحوثي”.
ولهذا، قال إن طهران “انتقلت إلى مرحلة جديدة من الدعم للحركة الحوثية توجتها بإعلان تعيين سفيرها لدى الحوثي والذي سبقه تصريح لقائد الثورة الإيرانية بتاريخ 13 أغسطس/آب عبر التلفزيون الإيراني، قال فيها إن إيران ستدعم الحوثيين بكل الوسائل”.
وبرأيه فإن ما جرى هو تعيين “قائد إيراني لليمن تحت لافتة سفير”، موضحًا أن “رمضاني” هو “جنرال في قوات الدفاع الجوي التابع للحرس الثوري، وليس له أي علاقة بوزارة الخارجية الإيرانية وفق صحيفة الاندبندنت”.
وتتمثل الدلالات العسكرية، وفق الباحث العطعطي، في “اكتمال التموضع الإيراني في اليمن، والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر وامتدادًا للقرن الافريقي، إضافة إلى مواصلة بناء القدرات العسكرية للحوثي بما يلبي متطلبات الهيمنة الإيرانية، خصوصًا القوات الصاروخية والطيران المسير بحكم أنها ضمن نطاق تخصص القائد السفير”.
فيما تتمثّل الدلالات السياسية، بحسب الباحث اليمني، في “إظهار الدعم السياسي المطلق للحوثي، وأنه جزء من المنظومة السياسية والديبلوماسية الإيرانية، ويصب في ميزان الكفة الإيراني”.
وإضافة إلى ذلك يرى “العطعطي”، أن هذه الخطوة الإيرانية “رسالة واضحة للملكة العربية السعودية مفادها أن صنعاء ستكون في كفة الميزان الإيراني ولا حظ للسعودية فيها”.
من جانبه، قال الصحفي والباحث المختص في الشأن الإيراني، عدنان هاشم، إن تعيين سفير لطهران في صنعاء “تأكيد على استمرار الحوثيين في تعزيز موقعهم كرأس حربة للمحور في وقت تواجه فيه إيران مخاطر الحرب”، لافتًا إلى هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، والتي قال إنها عززت “موقع الحوثيين في محور المقاومة، وبالتالي في الاستراتيجية الإيرانية”.
وبرأيه، فإن الحوثيين كانوا “يشعرون بالشك في وجودهم ضمن المحور الإيراني بعد الاتفاق السعودي/الإيراني برعاية صينية، لذلك أرادت طهران تطمينهم عن طريق تعيين سفيرًا لها”.
من جانب آخر، قال الباحث لـ“برّان برس”، إن الحوثيين “متهورون”، ولهذا “ينظر الاستراتيجيون الإيرانيون للجماعة في نهج الحوثيين الصدامي مصدر خطر وإزعاج يمكن أن يجر إيران إلى حرب تحرص طهران على إبعادها عن أراضيها وعدم الدخول لها”.
لذلك، يرى الإيرانيون، وفق الباحث “عدنان”، أن “وجود سفير يشارك بشكل رسمي ومباشر باسم السلطة الإيرانية الجديدة (معظمها من الإصلاحيين) يساعد في تخفيف حدة خطاب الحوثيين، ومنع انجرار بلادهم إلى حرب”، معتبرًا إعلان بعثة إيران في الأمم المتحدة موافقة الحوثيين على قطر الناقلة سونيون مؤشراً على ذلك.
وبالإضافة لما سبق، اعتبر هذه الخطوة “رسالة لدول الجوار الخليجي، مفادها أن التخلي عن الحوثيين في الوقت الحالي أصبح صعباً.. وهذا يعني أن التفاهمات التي رعتها بكين لتخفيف المعضلة الأمنية بين ضفتي الخليج بحاجة إلى مراجعة من صناع القرار في طهران والرياض”، حد قول الباحث.
عن توقيت الخطوة وسياقاتها، قال الكاتب والباحث “العطعطي”، إنها تأتي تزامنًا مع “ارتفاع حدة التوتر بين إيران والقوى الدولية نتيجة توسيع إيران لنفوذها من البر العربي إلى البحر، واستهداف خطوط الملاحة الدولية”.
واستجابة لهذه التطورات، أوضح أن “إيران ووفقًا لاستراتيجيتها المعروفة بنظرية "ام القرى"، والتي تؤكد أن الجمهورية الاسلامية يجب أن تنقل عناصر التوتر والصراع والخطر في حال توقعه من مجال الاستهداف المباشر لإيران إلى الصراع مع الأذرع والكيانات الموالية "كالحوثيين وحزب الله والحشد وغيرها”.
ومن دلالات التوقيت، تحدث “العطعطي”، عن “استكمال طهران احتواء الانتفاضة الداخلية التي اندلعت نهاية 2022، والتي دفعتها لتوقيع اتفاق تفاهمات وإعادة علاقات مع السعودية العام الماضي في محاولة للتفرغ للجبهة الداخلية وبالتالي تأخير تعيين خلفًا لسفيرها لدى جماعة الحوثي حسن إيرلو، إضافة إلى توحيد جبهتها الداخلية بانتخاب رئيس ذي ميول إصلاحية خاضع للحرس الثوري”.
ولهذا يرى أنها “اطمأنت إلى الجبهة الداخلية، وانتقلت إلى الاهتمام بالجبهة الخارجية بأسلوب تصعيدي يعكس ثقتها في إجراءاتها السابقة، وحاجتها لأن تبعث رسالة للإقليم بأنها من الآن ستكون اللاعب الأوحد شمال اليمن”.
وعن تأثير هذه الخطوة على خارطة الطريق وجهود السلام في اليمن، قال “العطعطي”، إنها “تصعيدًا، وموقفًا واضحًا يلغي خارطة السلام الحالية، ويعتبرها شيئًا من الماضي تجاوزها الواقع”. وهذا برأيه يأتي “وفق التكتيك الإيراني الذي يناور حتى يتم صناعة واقع جديد يتجاوز المرحلة التي يعيشها الآخرون”.
وتوقع الباحث العطعطي، في حديثه لـ“برّان برس”، أن هذا التصعيد “سيكون له تأثير سلبي على الاتفاق مع السعودية، والذي كان من ضمن أهدافه تخفيض عناصر التوتر في اليمن”.
وقال إن “النوايا الحقيقة لإيران لا تتجه نحو السلام”، معتبرًا حديثها عن السلام “مجرد تكتيكات تتناقض مع تحركاتها الواقعية لتحقيق مزيد من المكاسب السياسية والاستراتيجية على حساب استمرار المعاناة الإنسانية في اليمن”.
وأوضح أن السفير “لا علاقة له بوزارة الخارجية ولا بالحكومة الإيرانية، وهو جنرال يعمل ضمن قوات الدفاع الجوي التابعة للحرس الثوري المرتبطة بقيادة الثورة في إيران، وعضو في قيادة قوات فيلق القدس المكلفة بالسيطرة على المنطقة العربية من خلال نشر الفوضى، وإسقاط الأنظمة، وتوسيع النفوذ العسكري، والأمني والسياسي الإيراني”.
من جانبه، استبعد الباحث في شؤون الخليج وإيران، عدنان هاشم، أن يكون للسفير الإيراني الجديد لدى الحوثيين تأثير في محادثات السلام، حيث أن أهداف الحوثيين واضحة؛ يريدون كل الأراضي وعائدات النفط والغاز ومعظم السلطة”.
وأضاف “هاشم” في حديثه لـ“برّان برس”، أن الحوثيين “يشعرون أنهم في مكان أعلى بكثير من الحكومة المعترف بها دولياً، ويريدون حواراً مع الأحزاب والكيانات وليس مع الحكومة ولن يتخلوا عنها، فهم من يعقدون الوصول للسلام ولا أحد غيرهم”.
وعن الدور الذي سيقوم به السفير الإيراني، قال الباحث عدنان هاشم، إنه “بالنظر إلى دور السفير السابق فإنه يساعد في بناء نظام ولي فقيه في مناطق الحوثيين أشبه بالموجود في إيران، واستنساخه”.
وأضاف أنه “في العادة سيحرص على أن تبقى جماعة الحوثي متوحدة بدون انقسامات في الوقت الحالي مع احتمالات دخول إيران في حرب إقليمية”.
أمام الباحث العطعطي، فرأي في حديثه لـ“بران برس”، أن السفير الإيراني “سيمارس القيادة الفعلية على المستوى الأعلى للجماعة الحوثية، وسيكون على رأس الضباط والخبراء الإيرانيين واللبنانيين الذين يعملون في المستويات القيادية الأخرى للجماعة”.
وإضافة إلى ذلك، قال إنه سيقوم بـ“توجيه أنشطة الجماعة العسكرية والأمنية بما يتماشى مع أولويات قيادة الثورة الإيرانية وتنفيذ استراتيجيتها في المنطقة.. وميدانيًا، سيتولى الإشراف على مواصلة بناء القدرات العسكرية والتنظيمية للحوثيين؛ بما يكفل القدرة على تنفيذ الاستراتيجية الإيرانية”.
وتتمثل هذه الاستراتيجية، وفق “العطعطي”، في “مواصلة توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة، وفي مقدمتها استهداف المملكة العربية السعودية التي تعتبرها إيران العائق الأكبر والعدو الأول الواقف أمام استكمال تنفيذ استراتيجيتها”.
عن خيارات الحكومة اليمنية للرد على هذه الخطوة، قال الباحث العطعطي، إنه “يمكنها توظيف مركزها القانوني القوي والإجماع الدولي بالاعتراف بها والاستفادة منه في محاصرة الحوثي وعزلة، إضافة إلى نقل جميع أنشطة الدولة المركزية من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن”.
وأضاف أنه يمكنها أيضًا “تنشيط الديبلوماسية في عزل جماعة الحوثي، وتوظيف التصعيد الإيراني المتمثل في سلوكها الدبلوماسي الشاذ والوحيد من نوعه في العالم، والمخالف للبروتوكول الدبلوماسي الدولي بالتعامل مع سلطة الميليشيا الانقلابية المتمردة المتمثلة في جماعة الحوثي في سياق نشر الفوضى والقرصنة في المنطقة واستهداف طرق الملاحة، هذا بالنسبة للخيار السياسي”.
ومن خيارات الحكومة أيضا، وفق العطعطي، “الخيار العسكري المتمثل في تنفيذ إعلان نقل السلطة المتضمن توحيد القوات العسكرية والأمنية، وإعادة بنائها وتأهيليها استعدادًا لمعركة حتمية ضد الذراع الإيرانية في اليمن، وتوظيف التصعيد الإيراني والتوتر مع القوى الدولية في دعم إجراءات الحكومية والضغط على الأطراف المتلكئة والمترددة ضمن نطاق الشرعية”.
وأما عن تأثير هذه الخطوة على الاتفاق السعودي الإيراني، لا يستبعد “العطعطي”، أن “تصعيدًا من هذا النوع سيكون له تأثير سلبي على الاتفاق، خصوصًا وأن من أهدافه تخفيض عناصر التوتر في اليمن”، لافتًا إلى أن إيران أبدت “استعدادها للتعامل الإيجابي مع أي خارطة طريق، وأيدت ضمنيًا المبادرة السعودية والأممية”.
وعن موقف السعودية، قال إنها “تتعامل بنفس طويل مع السلوك الإيراني في الإقليم، وبحدة نسبية مع السلوك الإيراني السلبي المباشر مع المملكة”. ولهذا قال إن “المملكة ستجعل دعم إيران من عدمه لخارطة الطريق التي ترعاها الأمم المتحدة هي المحك الذي يترجم السلوك الإيراني ويتحدد على ضوئه الموقف السعودي من إيران”.
وبرأيه فإن “المملكة تركز على الأهداف النهائية كإحلال السلام، وضمان إيجاد الردع والحماية للملكة تجاه التهديدات المستقبلية المحتملة” ويجري هذا برأيه، “عبر توقيع اتفاقيات وعقد صفقات دفاعية وأمنية مع القوى الكبرى والعمل على إيجاد تفوق اقتصادي مطلق في المنطقة عبر تنفيذ رؤية ٢٠٣٠، التي تعتقد أنها ستكون سلاح فعال في جذب مزيد من الحماية والمساهمة في هزيمة المنافسين”.
واستدرك: “بينما إيران تركز على التكتيكات وتراكم عناصر القوة وصولا للهيمنة والتقدم بخطوات على كل ما كان ماضي أو حاضر”، حسب قوله.
وغير بعيد، استبعد الباحث عدنان هاشم، صدور موقف رسمي عن السعودية “خاصة أن المملكة تعتبر نفسها في الوقت الحالي وسيطاً، وهي ضمن جهد دولي للضغط دبلوماسياً على الإيرانيين بتخفيف حدة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر”.
وفي 27 أغسطس/ آب 2024، كشفت جماعة الحوثي المصنفة على قوائم الإرهاب، عن هوية “سفير” جديد لإيران لديها، وسط غموض عن كيفية وصوله إلى العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة الجماعة.
والأحد 1 سبتمبر/أيلول الجاري، أعلنت جماعة الحوثي عن استقبال رئيس مجلسها السياسي، مهدي المشاط، لمن وصفته بسفير إيران الجديد في صنعاء، يدعى “علي محمد رمضاني”، خلفًا للسفير السابق حسن إيرلو، الذي قضى بظروف غامضة أواخر العام 2021.
وفي مارس/آذار 2023، أعلنت الصين عن نجاحها في إعادة العلاقات بين طهران والرياض، بعد سنوات من القطيعة، إثر اتهام الأخيرة للأولى بالتدخل في شؤون المنطقة الداخلية، ودعم مليشيات مسلّحة لزعزعة الاستقرار.