برّان برس - حوار خاص:
قال وزير الإعلام اليمني الأسبق، والسفير السابق لدى الأردن، علي العمراني، إن “صمود مأرب ومن فيها من أهل اليمن، وتضحياتهم، في كل الأحوال، وكل الوقت وكل المعارك، جدير بالتقدير والإجلال”.
وأضاف “العمراني”، في حوار خاص مع “برّان برس”، تزامنًا مع الذكرى العاشرة لإقامة مطارح مأرب، أنه “ليس من اليسير تجاهل تفاصيل الحالة الإيجابية في مأرب، ولا في صمودها”، مشيرًا إلى أنه “ما يزال يؤمل أن تكون منطلقاً لتحرير كل شبر في اليمن مع شقيقاتها الأخريات”.
وفي 18 سبتمبر/أيلول 2014، أقامت القبائل في مأرب معسكرات شعبية مسلّحة عرفت بـ“المطارح” بمنطقتي “نخلا والسحيل” شمالي غرب المحافظة ومن ثم في الأطراف الغربية والجنوبية، لمواجهة هجوم الحوثيين المتصاعدة بهدف السيطرة على المحافظة بالقوّة.
جاءت هذه الخطوة، التي تعد عرفًا قبليًا متوارثًا لمواجهة الأخطار، بعد نحو شهرين من تحشيدات الجماعة، واعتدائها على أبناء القبائل بالمناطق الحدودية مع محافظتي الجوف وصنعاء، وذلك عقب سيطرتها على مدينة عمران في يوليو/تموز 2014، ومع زحفها نحو العاصمة صنعاء وحتى إسقاطها في 21 سبتمبر/أيلول 2014.
وفي الذكرى العاشرة لتأسيس المطارح، قال “العمراني”، وهو عضو مجلس النواب اليمني لدورات 1993، 1997 و2003، إن مأرب “صمدت في فترة ما قبل سقوط صنعاء وتوقَف القتال مع بدء معركة اجتياح صنعاء في 18 سبتمبر 2014”، وهذا برأيه “يدل على أن الحوثي لم يكن بتلك القوة الضاربة التي لا تقهر”.
وأضاف أن “مقاومة الحوثي من قبل قبائل كثيرة، قبل اجتياح صنعاء، يدل أن الحوثي لو كان مجردًا من قوة الدولة، وإمكاناتها؛ وسلاحها، خلافاً لما حدث لاحقاً؛ ستوقفه قبائل كثيرة، عند حده، مثلما حدث في مأرب وغيرها”.
وتوجّه السفير السابق علي عمراني، بالتحية لـ“مأرب وأهلها وساكنيها من كل ربوع اليمن وأحيي القادة المحترمين والأحرار من كل أسرة وقبيلة”، راجيًا أن “تستمر مأرب بقلبها الكبير ورحابة صدرها مع كل اليمن واليمنيين، وأن تبقى ملاذاً للأحرار، وما أجمل أن يفاخر أبناء مأرب بذلك على مر الزمن”.
في البداية أحيي مأرب وأهلها وساكنيها من كل ربوع اليمن.. وأحيي القادة المحترمين، أمثال سلطان العرادة ومفرح بحيبح، والأحرار الآخرين الكثيرين، من كل أسرة وقبيلة، الذين لا يحصون بالعدد، وليعافي الله الجرحى والمصابين، ويرعى عائلات الشهداء والمعاقين، وأترحم على الشهداء الميامين، الأعلام الأبطال بحق، مثل عبّد الرب الشدادي وناصر الذيباني، وعبد الغني شعلان، والآلاف من الشهداء، ومنهم المعلومون الخالدون الكُثر والمجهولون الأبرار الأحباء الكثيرون أيضاً.
ولعل من حسن الطالع، على الرغم من التضحيات والجراح والألم، أن مأرب صارت ملاذاً للنازحين، جراء هذه النكبة التاريخية، ولأنها مأرب، فما يزال يؤمل أن تكون منطلقاً لتحرير كل شبر في اليمن، مع شقيقاتها الأخريات.
ولو صلحت النوايا، وسلمت الأجندات، واستمرت كما بدأت، أو كما بدت لنا في البداية، لربما كان التاريخ، قد سجل أن مأرب قد حررت صنعاء، ومع مأرب، في موكب التحرير؛ ستكون البيضاء وعدن، وحضرموت وتعز، وإب، وعمران، وتهامة وريمة وكل اليمن.
لا أحد يريد مشروع الحوثي.. وحتى الذين ينضوون في القتال في صفوفه، فهم مكرهون، في الغالبية العظمى، وكثيرٌ منهم مضطر بسبب الحاجة، ما عدا المؤدلجين، وهم نسبة بسيطة، ولو انضبطت صفوف الشرعية، وبدت الأجندات سليمة، لانفضوا جميعاً من حول الحوثي، ولانزاحوا في اتجاه الشرعية، وانضموا إليها.
قبل اجتياح صنعاء وقفت قبائل كثيرة في وجه الحوثي، وصدته في الجوف وأرحب, مثلاً.. وعلى الرغم من سقوط عمران الذي حدث بتخاذل وبتواطؤ متعدد الجوانب، فقد صمدت مأرب في فترة ما قبل سقوط صنعاء وتوقَف القتال مع بدء معركة اجتياح صنعاء في 18 سبتمبر 2014.. وهذا يدل على أن الحوثي لم يكن بتلك القوة الضاربة التي لا تقهر، وكان ما يزال كذلك وهو يقتحم صنعاء، مثلما أكد ذلك جمال بن عمر، الذي قال إن الحوثي كان قوة صغيرة، وأن الساسة الأغبياء هم سبب دخول الحوثي صنعاء!.. كان بن عمر محقاً في ذلك تماماً..
مقاومة الحوثي من قبل قبائل كثيرة، قبل اجتياح صنعاء، يدل أن الحوثي لو كان مجردًا من قوة الدولة، وإمكاناتها؛ وسلاحها، خلافاً لما حدث لاحقاً؛ ستوقفه قبائل كثيرة، عند حده، مثلما حدث في مأرب وغيرها.. كانت الدولة والقيادة متخاذلة في الدفاع عن العاصمة صنعاء، وعن عمران، وما قبلها وما بعدها، وكانت تبدو إما متفرجة أو متواطئة، أو حتى مشاركة في الإجتياحات الحوثية، مثل ما حدث في البيضاء بحجج واهية وغبية. وكان لتحالف صالح، مع الحوثي أثره البالغ أيضاً، في انخراط آخرين مع الاجتياحات أو عدم مقاومتها.
ومثلما استدرك صالح خطأه الفادح، لاحقاً، في التحالف مع الحوثي، استدركت القيادة، في بداية الزحف الحوثي اللاحق في 2015 على مأرب، وأدركت خطأها التاريخي، في التفريط في الدفاع عن صنعاء بالذات، الذي كان بإمكانها أن تقوم به بسهولة ويسر، ولذلك دعمت صمود مأرب، بسبب وجود الثروة النفطية والغازية فيها، وقدم السعوديون والإماراتيون دعماً نوعياً في البداية وتحررت مأرب كلها تقريباً. لكن الأمور تبدلت بعد ذلك كثيراً؛ وربما الأجندات! وبقيت المليشيات الحوثية حيث هي وكما هي بل صارت أقوى، وتقدمت نحو مأرب على النحو الذي نعرف، وبقيت وتعاظمت معها المليشيات الإنفصالية، التي تتوقف دائما عند الحدود الشطرية السابقة! وبقي الدمار الهائل والتضحيات الجسيمة التي أسفرت عنها الحرب.
ويبقى صمود مأرب ومن فيها من أهل اليمن، وتضحياتهم، في كل الأحوال، وكل الوقت وكل المعارك، جدير بالتقدير والإجلال. وهذا لا يقلل من تضحيات أبناء اليمن، في كل الحروب، والجهات والجبهات، والمناطق، ضد مليشيات الظلام والتطرف الحوثي..
نتحدث عن مأرب العزيزة، ولكن ماذا عن عدن التي أعلنها الرئيس هادي عاصمة مؤقتة؛ وكان يفترض أن تكون هي المنطلق الأساسي لتحرير صنعاء وكل اليمن.. لكن هادي نفسه مُنع منها بعد ذلك وتعرضت حكومته لأكثر من انقلاب هناك، وتم قصف وقتل جيشه فيها.. ومُنع عنها البرلمان ما عدا عقد جلسة يتيمة في إبريل 2022، لإعطاء شرعية ولو شكلية، لمجلس الثمانية!
لقد كان الهدف المعلن للتحالف استعادة الشرعية، وإنقاذ الشعب اليمني، من ميليشيات الحوثي، وتحرير عاصمته صنعاء، والحفاظ على وحدة اليمن واستقلاله وسلامة أراضيه! لكن أين كل ذلك الان؟ وأين التحالف العربي من ذلك الآن؟!
أما الشرعية وغالبيتهم جديرون بمودة، وتعاطف شخصي، فلم يعد أحد منهم يجرؤ على الحديث عن اليمن الواحد الكبير، ولا وحدته واستقلاله ولا سلامة أراضيه! ولا يفعل ذلك رئيس الحكومة ولا أي من أعضائها!
هل أبدو غاضباً؟! ربما.. لكن ما يحدث لبلادنا وأهلنا ووطننا، طوال 10 سنوات، يغضب الحجر والشجر وكل الكائنات. وأي مواطن على وجه الأرض يحدث لبلده، ما يحدث لليمن؛ لا بد أن يغضب. لا بد أن يغضب أكثر مما نغضب.
وقد وصلت الأمور إلى الحد الذي نعرف، فليس من اليسير تجاهل تفاصيل الحالة الإيجابية في مأرب، ولا في صمودها،.. لكننا لم ننس أننا كنا قبل ذلك بالقرب من صنعاء.. منذ سنوات من الهجوم الأخير على مأرب.. أين كنا وأين كان التحالف عندما حدث ذلك التراجع المؤلم. وما هي الأسباب؟ أنا ذكرت ذلك في مقال حينها؛ في 4 مارس 2020 بعنوان عشرة أسباب لسقوط الحزم وما قبل الحزم منشور في كثير من المواقع! وتتذكرون موضوع الحديدة وأين كنا وأين صار كل شيء، ونعرف الأسباب!
لعلك تشير إلى شيطنة القبيلة التي لمسناها كثيرًا فيما مضى، وفي اليمن كثيرًا ما دار حديث كثير عن ثنائية القبيلة والدولة، وكوننا أبناء قبائل ندرك القيم البناءة التي تتحلى بها القبائل، من مروءة وكرم ودفع الظلم، ولاحظ أن قبائل في جزيرة العرب، أقامت دولاً في المئة عام الأخيرة، تتمتع بتقاليد ونظم دولتية راسخة وانضباط ملفت وبناء حضاري معتبر، والقبيلة اليمنية ليست استثناءً..
ونحن أبناء القبائل نسعى إلى التعليم والتمدن منذ زمن الإمام، ولمست ذلك بنفسي، منذ بواكير عمري.. ولا يتسع المجال للحديث عن الحضارة التي أشادها اليمنيون من قبل، وهم في الأصل قبائل، وفي زمننا تكمن المشكلة غالباً عند من يحكم صنعاء، فإذا تمتع بالحزم والعدل والرؤية السديدة والعمل النافع، تبعه الناس والمناطق، وإذا حاد عن الجادة، تعطل كل شيء.
وما قبل النكبة، في 2014 حدث العكس، فبدلًا من تمدين الريف، حدث ترييف للمدينة؛ وهذا خلاف ما حدث في الجارة السعودية، مثلاً، منذ عهد الملك عبدالعزيز.. حيث جمع البدو الرحل في تجمعات سميت هجر، والتنمية الاجتماعية والبشرية التي حدثت في السعودية هائلة جدًا.. وكذلك في الأردن، مع محدودية الموارد، حيث أصبح أبناء العشاير يحملون أعلى الشهادات العلمية، ويديرون الدولة في كل ميدان. ويمكن الحديث كذلك عن نموذج عمان أيضاً وهي جارة شقيقة وقريبة.
أرجو الإهتمام الدائم بالجرحى والمعاقين، وعائلات الشهداء بصفة خاصة ودائمة.. فقد صرنا نسمع عن إهمالات وتقصير في هذا الجانب، وهذا ليس جديدًا في اليمن! ونتذكر ذلك منذ الستينات! وأسأل الله أن يُغلَق هذا الملف قريباً، أقصد ملف الشهداء.. فاليمن تنزف منذ أكثر من ستين عاماً..
كما أرجو أن تستمر مأرب بقلبها الكبير ورحابة صدرها مع كل اليمن واليمنيين، وأن تبقى ملاذاً للأحرار. وما أجمل أن يفاخر أبناء مأرب بذلك على مر الزمن.