في خضم الفوضى التي اجتاحت اليمن، حينما خيّمت سحب الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانيًا على مؤسسات الدولة، بزغ من قلب الصحراء نور المقاومة. كانت مأرب، بسهولها وجبالها، تشهد لحظات مصيرية، حيث انطلقت منها شرارة الأمل وبداية الكفاح لاستعادة الدولة اليمنية من براثن الإرهاب والانقلاب.
لم تكن "مطارح مأرب" مجرد نقطة جغرافية في صحراء اليمن؛ بل كانت رمزًا لإرادة الشعب اليمني في وجه قوى الظلام. هناك، على تلك الأرض الشامخة، تجمع اليمنيون من كل حدب وصوب، رجالاً صناديدًا، شيوخًا وشبابًا، كرماء وشجعانًا، ليعلنوا بصوت واحد أن اليمن لن ينحني ولن يخضع.
بدأت القصة بتجمع القبائل اليمنية في مطارح مأرب، حيث التفوا حول علم الجمهورية اليمنية في مشهد استثنائي قلّ نظيره. كُتب لهذه اللحظات أن تكون شاهدة على وحدة لم تشهدها اليمن منذ سنوات، وحدة القبائل والمكونات السياسية والاجتماعية من مختلف الأطياف. اتحدوا جميعًا على هدف واحد: استعادة اليمن من قبضة الميليشيات الحوثية الإرهابية. هناك، بدأت تتجلى البطولات، وتُكتب أساطير جديدة في صفحات التاريخ اليمني.
كانت القبائل اليمنية، بقادتها وشيوخها، تحمل على عاتقها مسؤولية كبيرة. ليس فقط مسؤولية الدفاع عن الأرض، بل أيضًا مسؤولية الحفاظ على كرامة اليمنيين وحريتهم. وقفت القبائل، وفي مقدمتها قبائل مأرب والجوف وشبوة والبيضاء، وقفة رجل واحد، معلنين التحدي في وجه الانقلابيين. جمعوا الأسلحة، وأعدوا العدة، وبدأوا بتنظيم صفوفهم وتوحيد جهودهم تحت راية واحدة.
هذه ليست كلمات نكتبها من مكتب مبرد، هذه كلمات من عاش تلك اللحظات الصعبة، أستطيع أن أقول بكل فخر إنني شهدت على بطولات لا تصدق، وعلى شجاعة تفوق الوصف. كان الرجال يقفون بشموخ، غير عابئين بالموت، مدركين أن استعادة دولتهم تقتضي تضحيات جسام. رأيتهم يواجهون الموت بابتسامة، ويتقدمون بثبات نحو المجهول، وقلوبهم ملؤها الإيمان بالحرية والعدالة.
لم يكن النصر في مطارح مأرب نصرًا عسكريًا وتاريخيًا فحسب، بل كان نصرًا معنويًا، نصرًا لإرادة الشعب اليمني في الحياة. وسط المعارك الطاحنة، وبين دوي المدافع وأزيز الرصاص، كانت هناك لحظات من الإنسانية والإيثار، حيث لم يكن يُلتفت إلى المصالح الشخصية، بل كان الوطن هو الهدف والغاية.
ملحمة مطارح مأرب لم تكن مجرد معركة؛ بل كانت بداية لتحول كبير في مسار الأحداث. كان هذا التجمع الكبير من القبائل والمكونات اليمنية بمثابة الشرارة التي أطلقت حراكًا واسعًا لاستعادة مؤسسات الدولة. بدأت المليشيات الحوثية تشعر بثقل الضغوط، وبقوة التحدي اليمني، وبدأت تتحسس طريق الهروب بعدما واجهت عاصفة من المقاومة لم تكن في حسبانها.
من مطارح مأرب، انطلقت المعارك لتحرير المناطق تباعًا. وبدعم من التحالف العربي، وبتكاتف من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، بدأت الأرض اليمنية تتحرر جزءًا تلو الآخر. وكان لكل انتصارٍ هناك صدىً في قلوب اليمنيين، الذين رأوا في هذه المعارك تجسيدًا لإرادتهم وصلابتهم.
قد يقول القارئ لماذا لا تذكر أسماء الرجال والقادة وهنا لي وجهة نظر، في معركة استعادة الوطن، تختفي الفوارق بين الأسماء وتذوب الألقاب، فجميعهم جنود للوطن، يتساوى فيها الغني مع الفقير، والمقاتل مع القائد، فالمهمة واحدة والغاية نبيلة. خاتمة ملهمة للأجيال القادمة… للتاريخ، إن ملحمة مطارح مأرب ستظل محفورة في ذاكرة اليمنيين كوثيقة تاريخية للشجاعة والوحدة. إنها شهادة على قدرة اليمنيين على تجاوز المحن والصمود أمام التحديات. لقد أثبت اليمنيون، في أصعب اللحظات، أنهم قادرون على التكاتف والتعاون من أجل مستقبل أفضل. وستبقى مأرب رمزًا للصمود، ومطارحها نقطة انطلاق لاستعادة الدولة اليمنية وبناء مستقبل جديد للأجيال القادمة.
في النهاية، تعلّمنا من ملحمة مطارح مأرب أن الأوطان تُبنى بدماء الشرفاء، وأن العزة لا تُمنح بل تُنتزع، وأن إرادة الشعب، مهما تكالبت عليها الأعداء، لا تنكسر أبدًا. وستظل مأرب، برمالها وأرضها الطاهرة، شاهدة على ملحمة أبطال لا يُنسون، ورمزًا للمقاومة والإباء.