مطارح مأرب مبادرة قبلية وطنية رائدة تسجل في التاريخ اليمني كنقطة مضيئة في مواجهة التحديات والدفاع عن الشرعية والكرامة وعن الدين والعرض والأرض .
حين اجتاح الطوفان صنعاء تشكل سد مأرب القبلي العظيم من نخلا إلى السحيل في لحظة فارقة في تاريخ المدينة السبئية العظيمة وقبائلها العربية اليمنية الأصيلة، حيث كانت مأرب وقبائلها وقيادتها في طليعة تلك المطارح التي احتضنت الأحرار من كل محافظات اليمن التي هبت لمواجهة ذلك الطوفان، وجعلت من رجالاتها حصنًا منيعًا وسدًا حمى المدينة؛ بل وحمى اليمن من الغرق الكامل.
مأرب الحضارة والتاريخ بامتدادها التاريخي وثقلها الاجتماعي، كانت ولا زالت في طليعة الأحداث الوطنية وإذا استدعى الوطن، لبت مأرب وقبائلها النداء وهبت للدفاع عن الوطن وشرعيته.
نشأت فكرة المطارح بجهود تشاركية من قبائل مأرب وإخوانهم من قبائل اليمن المتواجدين فيها والمحيطين بها، ثم كانت قبلة لكل الأحرار الذين هبوا من جميع المحافظات .
وسجلت في مذكراتي فكرة المطارح وبداياتها وداعميها وروادها ومؤسسيها، وضمن عدد من المواقف الوطنية ومحطات النضال ودور القيادات الرسمية والشخصية في الدعم والإسناد ولابد أن يكتب هذا التاريخ وينشر.
هذه المطارح جاءت كضرورة بفعل الحرب الحوثية العبثية والتمرد على الشرعية وإسقاط الحكومة، وجاءت كإحدى أساليب التعبئة الشعبية التقليدية للدفاع عن مأرب الأرض والإنسان، فمع تعاظم التهديدات التي تعرضت لها مأرب واليمن عمومًا خلال الانقلاب المسلح من الحوثيين على الشرعية ومحاولة اسقاط مشروع الدولةً، كانت المطارح بمثابة معسكرات شعبية مفتوحة استوعبت الجهود القبلية ووحدتها للدفاع عن الشرعية والبلاد .
لقد كانت هذه المطارح مثالًا للتنوع حيث ضمت قبائل مأرب بأعيانها ومشائخها وشبابها، وكل الأحرار من أبناء القبائل التي نزحت إلى مأرب وأحزاب وتكتلات وطنية، وكل شخص أو جهة أو تكتل يحمل موروثًا قبليًا وانتماء ورؤية وطنية دفعتهم لتلبية النداء صفًا واحدًا في وجه الخطر الذي يهدد اليمن عامة ومأرب خاصة.
مطارح مأرب ليست فكرة جديدة؛ بل هي ثقافة وموروث لدى قبائل المناطق الشرقية على مر التاريخ وقد تحولت اليوم إلى رمز وطني يعكس وحدة الشعب التي تشكلت في مأرب لمواجهة المخاطر، حيث برزت المطارح كمبادرة وطنية قبلية سياسية اجتماعية في ظل ظروف صعبة ومعقدة، تشكلت بهمة الأحرار دعمًا للشرعية الوطنية، فكان لها أثر محمود ودور بارز في الدفاع عن سيادة اليمن ووحدة أراضيه.
التحية اليوم نوجهها لكل من قامت المطارح على أكتافهم وبجهودهم من الشخصيات القبلية والوطنية والحزبية والأحرار بفئاتهم المختلفة .. كما لا يفوتني أن أقدم الشكر للمملكة العربية السعودية التي كان لها الفضل بعد الله جل وعلا في دعم وإسناد هذه المطارح ماديًا ومعنويًا، وأسجل شهادتي هنا عرفانا بذلك الدور الذي كنت شاهدًا عليه في محطاته المختلفة، لقد مثل إسناد أشقائنا ودعمهم نقطة تحول في رفع الجاهزية وتعظيم القوة وتمتين الصف، وهذه شهادة للتاريخ ، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
كما أدعو الباحثين والمختصين لدراسة هذه المطارح، وما مثلته من طوق نجاة لليمن وكيف يمكن للقبيلة أن تصبح حصنًا للدولة حين تهتز ويتهددها العدو من الداخل والخارج، فالقبيلة وأعرافها ليست كما يصورها البعض؛ بأنها مقوضة للدولة وإنما عامل قوة ومنعة إن تم توظيفها بشكل صحيح وتصدرها الرجال الأخيار والشجعان من أصحاب الحكمة والرصيد الوطني والقبلي المشرف.
لذلك مثلت هذه المطارح رمزًا للوحدة والتضامن الوطني في وجه الأزمات والتحديات، وكانت نقطة تجمع للدفاع عن القيم الوطنية، ولعبت دورًا مهمًا في تعزيز روح المقاومة والصمود لدى أبناء مأرب واليمن بشكل عام، وعملت على تنظيم فعاليات وتجمعات دورية تم من خلالها تقديم الدعم المادي والمعنوي للمقاتلين على الجبهات وتوفير خطوط إمداد وإسناد لهم.
لقد لعبت المطارح دورًا كبيرًا في توحيد القبائل وتوجيهها نحو حماية مناطقها، والمساهمة في الاستقرار الأمني وتعزيز قدرة المقاومة الشعبية في مأرب على التصدي للتهديدات، وتمكين القوات الموالية للشرعية من استعادة مناطق واسعة كانت تحت سيطرة الحوثيين، مما جعل مأرب واحدة من أهم المدن التي تدافع عن الشرعية حتى اليوم.
التحية لمأرب وقيادتها وسلطانها وقبائلها وكل أحرار اليمن الذين دافعوا عن مارب، والرحمة والخلود لكل الشهداء الأبطال الذين قدموا أرواحهم في الدفاع عن الشرعية ومأرب والجمهورية، والشفاء للجرحى والحرية للمختطفين والأسرى، والنصر لليمن.