مأرب، في قلب الصحراء، تختزل تاريخًا طويلًا من الشموخ والكبرياء، تربط ماضي اليمن التليد بحاضره المضطرب. إنها ليست مجرد محافظة يمنية، بل أسطورة تتجدد، تلهم الشعوب بروح المقاومة التي لم تهزمها قوى الظلام، بدءًا من عهد مملكة سبأ العريقة حتى لحظة صدِّها العواصف التي هبَّت من كل صوبٍ في السنوات الأخيرة.
لنتحدث عن مأرب كمحرابٍ للمجد اليمني. حين انهار السد العظيم في العصور القديمة، كانوا مأربيين من أعادوا بناء الحياة، مؤكدين أن النهوض من رماد السقوط طبعٌ جُبِلوا عليه. واليوم، تكررت الملحمة؛ عندما انهار الجيش اليمني في معظم الجبهات، وحين تسللت ميليشيا الحوثي، استيقظت مأرب من بين الأنقاض لتنهض مرةً أخرى، هذه المرة بقلب فولاذي، وقفت لتحمل على عاتقها حلم الجمهورية.
مأرب التي تحولت إلى ملاذ، احتضن قلوب اليمنيين الفارين من فظاعة الحرب، وكونت مجتمعًا ينبض بحياة جديدة. تضاعف عدد سكانها إلى أكثر من ثلاثة ملايين، لتصبح مشعلًا للوحدة الوطنية في زمن التشرذم. هذه المأرب هي نفسها التي واجهت أطماع إيران وميليشياتها الحوثية بكل شجاعة، كسرت طموحاتهم، وردَّت صدى صراخهم في أودية الهزيمة، معلنة أن عباءة الثورة لا تُلبَس سوى بأيدي الأحرار.
وفي خضم هذه المعركة، يقف سلطان العرادة، قائدٌ استثنائيٌ حمل لواء المقاومة ورفض أن ينكسر أمام جحافل الحوثي التي قدمت مدججة بأسلحتها وشعاراتها الطائفية. في حين خضعت صنعاء وانهارت الكثير من المحافظات، رسمت مأرب خطوط النضال على رمالها وصخورها، مُحولة أرضها إلى حصنٍ منيع. هذا الحصن لم يحمِ مأرب وحدها، بل حمَى ما تبقى من حلم الجمهورية، وأكد أن مقاومة الجبروت الإيراني لا تحتاج إلى جيوش جرَّارة، بل إلى إرادةٍ فولاذية كتلك التي يحملها أبناء مأرب.
وفي اللحظة التي انهار فيها الجيش، حين بدت الجمهورية وكأنها تذوب أمام زحف الميليشيات، تشكلت من مأرب نواة الجيش الجديد. كانت البداية من الصفر تقريبًا، بين رجالٍ أشداء لم يخافوا المدافع والدبابات، تحوَّلوا إلى خط الدفاع الأخير عن اليمن، ورددوا صرخة واحدة: "هنا اليمن.. هنا الصمود".
اليوم، تقف مأرب شاهدًا على أن التغيير يبدأ من عاصمةٍ تؤمن بروح الجمهورية. إنه زمن نقل العاصمة الإدارية إلى تخوم مأرب، البيضاء، وشبوة، بعيدًا عن بقايا الخراب الذي نُثِر في صنعاء. يجب أن يكون في مأرب، حيث تُبنى الدولة من جديد، وطنٌ ينبض بالحياة والعدالة. إنَّ كل ما يعانيه اليمن من أزمات وانقسامات سببه غياب الدولة؛ وحين نُعيدُ بناءَها من مأرب، سنكون قد خطونا أولى خطوات اليمن الجديد، اليمن الذي لا ينحني أمام العواصف، ولا يقبل الوصاية من أي قوة كانت.
مأرب إذًا ليست مجرد محافظة، إنها نقطة التحول. إنها الحضارة التي تصرخ في وجه المتخاذلين، وتقول للعالم: "إن كنتم تبحثون عن موطن الحرية، فعليكم أن تتعلموا من مأرب كيف تُصنع الأوطان".