ما الذي يمكنك كتابته عن مطارح مأرب في ذكراها العاشرة؟!
هذا السؤال الحاضر اللحظة، يحاصرني ويضاعف مسؤولية الكتابة، عن حضور مأرب التاريخي واحتشاد قبائلها الاستثنائي، وهي تغرس أوتاد الخيام، في الصحراء، بالتزامن مع تهاوي أعمدة المؤسسات في صنعاء، وتبني خيامها في لحظة تساقط المحافظات، وتتخذ قرارها بحزم وشجاعة بالوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ، والانحياز للدولة والدفاع عنها مهما كان الثمن.
ما الذي يمكنك قوله؟!
البحث عن الإجابة للسؤال تحول إلى استجواب!.
استجواب للذاكرة واستدعاء لذكريات شريد، لحظة مغادرة العاصمة صنعاء خائفًا يترقب، وقد غرقت في الفوضى، وصور العصابات تجوب الآفاق، عصابات همجية تفتقر للقيم، مشحونة بالنقمة، لا تألوا جهدًا في استعراض وحشيتها، وقد بدت العداوة والبغضاء للجمهورية، في سلوكهم المتعمد وهم يدوسون كراسي الوزارات، ويتعمدون إسقاط رموز الدولة وإهانة رمزيتها.
تحضر في أذهاننا تلك الصور المنشورة عن قصد ودراية لكسر إرادتنا وهزيمة معنوياتنا وتضخيم فجيعتنا في دولتنا التي تنهار وبلادنا التي تهوي إلى المجهول.
واستجواب يستدعي الصورة المقابلة؛ صورة أبطال شجعان، وقد رصوا صفوفهم في مطارح مأرب، يؤدون صلاتهم، ويقطعون على أنفسهم عهدًا متينًا وميثاقًا غليظًا، أن يحافظوا على الدولة ويحرسوا الجمهورية، ويدافعوا عن اليمن مهما عظمت التضحيات، وكيفما كانت النتيجة.
هاتان الصورتان المتناقضتان حضرتا في ذهني الآن!
حضرت اللحظة ذاتها؛ لحظة القهر والصدمة، يوم سطت عصابة الحوثي الإيرانية على صنعاء، وأنت في قلب الفزع، تعصف بك مشاعر الخوف والتيه، ثم تحدق في الصور القادمة من مأرب، وتدقق في تفاصيل الخبر، وفي داخلك صراع محتدم، بين قلق كبير وبصيص أمل.
قلق من مصير مجهول لبلد يتهاوى، وأمل في موقف قبائل مأرب وقد تداعت إلى المطارح، كـ "عضو" استنفر للسهر والحمى في جسد مريض تنهشه السباع، وينزف من كل عروقه، يعيش في قلب الخطر ولا يمكن التنبؤ له بمآل.
الأمانة التاريخية والمسؤولية المهنية تقتضيان استدعاء شيء من الذكريات، وغيض من فيض الأحداث، في السطور التي سبقت، للحديث هنا عن الذكرى العاشرة للمطارح.
وقد تحولت أعمدت الخيام إلى جذور متينة للدولة، وصارت الخيمة وطن كبير، وأصبحت المطارح حصن الجمهورية الحصين وسدها المنيع.
لقد حققت المطارح مكتسبات تاريخية عظيمة، فالسلطة المحلية بشخصية محافظها الأمين، تمسكت بالمركز القانوني للدولة، وتشبثت بالمشروعية، وحرست نواة الشرعية، وتمكنت من اجتياز الخطر، وأصبحت فيما بعد قلعة الدولة، برموزها، وشهدت لقاءات موسعة لرئيس الدولة ونائبه وللحكومة ولمختلف أجهزة الدولة ومؤسساتها.
حققت المطارح مكتسبات عظيمة أخرى، تمثلت في إعادة ترتيب الجيش، وبناء صفوفه وترميم مؤسساته، وتقوية دعائمه، وتحول إلى مربع الهجوم حتى بلغ مشارف العاصمة.
حققت مأرب تنمية مدهشة، سبقت الحواضر والمدن، وشيدت الجامعات والحواضن التعليمية والمناخ الاقتصادي والاجتماعي والأمني الذي جذب اليمنيين من كل حدب وصوب.
والحديث عن مكتسبات مطارح مأرب يطول، ويحتاج مؤلفات ودراسات وأبحاث، لتقديم قراءة منصفة تليق بحجم الموقف وعظمة أهله، والنتائج التي حققها، وهي أمانة في عنق كل يمني وعهد غليظ يحرسه الشهداء حسب تعبير الأستاذ جمال أنعم.
والعهد الذي يمكن أن نختم به، هو عهد الوفاء والامتنان لمأرب الإنسان والجغرافيا، الحاضر والحضارة، اليوم والأمس والغد.
مأرب انتصرت لليمن، دولة ومجتمع، وأنصفت نفسها، وانتزعت صورتها الذهنية المشرقة والعظيمة والنقية والخالدة، صورة المجد والموقف الصحيح المتمسك بالدولة، والمدافع عنها، وهذه مسؤولية مضاعفة علينا جميعًا في حفظ العهد وصون المكتسبات وحمايتها، وأن نكون أوفياء للوطن كمأرب حتى استعادة كل شبر في اليمن ودحر عصابة الاحتلال العنصري وتطهير أرضنا المقدسة وحراسة المجد إلى أبد الآبدين.
مضى عقد كامل وقد قالت مأرب كلمتها، لحظة الخطر الداهم، ولا يزال العهد في كل ذمة حتى يصدح اليمن بالنشيد الوطني وتردده الدنيا وقد تعافت بلادنا، وتذكرت كل الشهداء في فرحة النصر الكبير في ميادين العاصمة صنعاء وكل شبر في اليمن من أقصاه إلى أقصاه.
تلك دروس من مطارح مأرب، والدرس الأهم أن القوم هنا:
لا يفرحون إذا نالت سيوفهم قومًا وليسوا مجازيعًا إذا نيلوا.
وهو البيت الذي استحضره اللواء سلطان العرادة وهو يؤكد المؤكد ويجدد العهد أن اليمن لن تحكمها عصابة، ولن يتم السيطرة عليها بالقوة، ولن يحكم اليمنيين أحد سواهم بما نص عليه الدستور وطبقًا لأهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة..