بران برس:
قال مركز المخا للدراسات الاستراتيجية، إن اليمن اليوم يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه المعاصر، محذّرًا من اقتراب البلاد من مجاعة واسعة النطاق تهدد ملايين اليمنيين.
وأوضح المركز، في تنبيه سياسي، وصل “بران برس” نسخة منه، أن هذا التحذير، يستند إلى بيانات حديثة وتقييمات ميدانية، ويصور بوضوح خطورة الوضع المتدهور في اليمن، مع إشارات إلى تفاقم الأزمة بشكل سريع ودون تحرك كافٍ من قبل السلطات المحلية أو المجتمع الدولي.
وأوضح التنبيه السياسي أن عوامل الأزمة في اليمن ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة تراكمات عقود من سوء الإدارة، والحروب المتواصلة، والاضطرابات السياسية. وقال إنه مع استمرار الحرب منذ أكثر من تسع سنوات، تفاقمت الأوضاع بشكل كارثي، ما يهدد بدخول البلاد في مجاعة قد تتجاوز تأثيراتها حدود اليمن إلى المنطقة بأكملها.
اتساع دائرة الجوع
ووفق مركز المخا فإن الأزمة الاقتصادية تفاقمت بشكل، وأصبح الجوع يشمل فئات اجتماعية جديدة، بما في ذلك الموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة الحوثيين، الذين فقدوا رواتبهم أو باتت قيمتها الشرائية شبه معدومة.
وما يزيد من حدة الأزمة، وفق التقرير، “هو اتساع نطاق الجوع ليشمل سكان المدن، حيث تشهد المناطق الحضرية ارتفاعًا حادًا في أسعار السلع الأساسية، بينما يعاني سكان الأرياف من ضعف القدرة على تلبية احتياجاتهم اليومية.
ورغم محاولات بعض الفئات التكيف مع الوضع كالمغتربين الذين يرسلون الأموال لأسرهم، إلا أن هذه الجهود ليست كافية للتخفيف من حدة الأزمة، التي باتت تظهر بوضوح في النقاشات اليومية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر نداءات الاستغاثة والمطالبات بالتدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بحسب التقرير.
الحرب والسياسات الخاطئة
ولفت التقرير إلى تداعيات الحرب المستمرة في تدهور الأوضاع، وقال إنه منذ بداية الصراع، تعرضت البنية التحتية للتدمير، بما في ذلك الطرق والمستشفيات والمدارس، مما أدى إلى تعطيل سبل العيش لملايين اليمنيين.
وأوضح أن الحرب لم تؤد فقط إلى النزوح الجماعي للسكان، بل أسهمت أيضًا في تفاقم الفقر والجوع، حيث أدت التداعيات المباشرة وغير المباشرة للنزاع إلى خلق واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
وعلاوة على ذلك، أكد التقرير أن انقطاع الرواتب في مناطق سيطرة الحوثيين منذ عام 2016، ساهم في تفاقم الأزمة، كما كانت رواتب الموظفين الحكوميين تشكل مصدر الدخل الرئيسي للكثير من الأسر، ومع انقطاعها، انزلقت هذه الأسر بسرعة إلى دائرة الفقر والجوع.
وقال إن المساعدات الإنسانية التي تقدمها المنظمات الدولية لم تكن كافية لمواجهة هذا التدهور، خاصة مع الصعوبات التي تواجهها تلك المنظمات في الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
في الوقت نفسه، قال إن الأوضاع في مناطق الحكومة الشرعية لم تكن أفضل حالًا، فقد أدى تدهور قيمة العملة الوطنية إلى فقدان القدرة الشرائية، مما جعل السلع الأساسية بعيدة المنال عن غالبية السكان. كما ساهم ارتفاع الأسعار بفعل الأزمات العالمية والمحلية في زيادة العبء على المواطنين.
أزمات عالمية وتجاهل إقليمي
وسلط التنبيه السياسي الضوء على تراجع الدعم المالي من قبل دول التحالف العربي، وخاصة السعودية والإمارات؛ موضحًا أن هذا الدعم الذي استمر خلال السنوات الأولى من الحرب، كان يسهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للعديد من اليمنيين، لكنه تراجع بشكل ملحوظ منذ عام 2020.
وأوضح أن تراجع هذا الدعم أدى إلى تدهور الأوضاع بشكل أكبر، خاصة في المدن الرئيسية مثل عدن ومأرب، حيث كان الدعم المالي ضروريًا لتغطية رواتب الموظفين وتأمين الاحتياجات الأساسية.
من جهة أخرى، قال إن المعونات الغذائية تعرضت أيضًا لضربة كبيرة، ويعود ذلك جزئيًا إلى الأزمات الإنسانية الأخرى التي تشهدها مناطق مختلفة من العالم، مثل الأزمة الأوكرانية، التي حظيت بأولوية أكبر لدى المنظمات الدولية.
وبيّن أن هذا التراجع في الدعم الدولي زاد من تفاقم أزمة الجوع في اليمن، في ظل تدهور الأوضاع الداخلية وغياب التدخلات الإنسانية الفعالة.
سياسات حوثية ضاغطة
وإلى ذلك، قال التنبيه السياسي، إن الحوثيين مارسوا ضغوطًا كبيرة على المنظمات الأممية والوكالات الدولية، من خلال اختطاف موظفيها أو فرض قيود على أنشطتها.
وأوضح أن هذه السياسات أدت إلى تقليص حجم التدخلات الإنسانية في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، مما جعل العديد من اليمنيين يواجهون الجوع دون أن تصل إليهم أي مساعدات.
ورغم التحذيرات المتكررة من قبل المنظمات الدولية بشأن تزايد حدة الأزمة الإنسانية، إلا أن الوضع في اليمن لا يزال يسير نحو مزيد من التدهور، وسط غياب أفق لحل سياسي ينهي الصراع القائم ويعيد الاستقرار إلى البلاد، وفق التقرير.
تدخل لإنقاذ اليمن
وفي التنبيه السياسية، دعا مركز المخا للدراسات المجتمع الدولي والدول الإقليمية إلى اتخاذ خطوات عاجلة لإنقاذ اليمن من السقوط في هاوية المجاعة.
وأوصى بتخصيص منح مالية لدعم البنك المركزي اليمني في عدن، وإنشاء صندوق خليجي لدعم الاقتصاد اليمني، ومنح المغتربين اليمنيين امتيازات خاصة. موصيًا بتعزيز التدخلات الإنسانية من خلا تعزيز جهود المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية في تقديم المعونات الغذائية والإنسانية بشكل عاجل وفعال.
وأكّد على أهمية إيجاد تسوية سياسية شاملة لإنهاء الأزمة الإنسانية والوصول إلى حل سياسي يضع حدًا للنزاع القائم، ويعيد الاستقرار إلى البلاد.
وشدد على ضرورة أن “يتحرك العالم الآن قبل أن يفوت الأوان، فاليمنيون يعيشون اليوم أسوأ أيامهم، وأي تأخير في تقديم الدعم قد يؤدي إلى عواقب كارثية لا يمكن تداركها في المستقبل”.
وحذر المركز من أن الوضع في اليمن لا يحتمل المزيد من التأجيل أو التهاون؛ فالمجاعة باتت على الأبواب، مذرًا من أن غياب التدخل الدولي والإقليمي سيؤدي إلى كارثة إنسانية قد تمتد آثارها إلى خارج حدود اليمن.