المذهب الشيعي بجميع فروعه مذهب مختل بنيويًا؛ إذ يكرس العبودية داخليًا بين أتباعه أولًا، ثم يعزز هذا الاستعباد للآخرين عندما يحكم أي منطقة أو دولة. في هذا المذهب، مكانتك محددة مسبقًا بناءً على نسبك؛ فإذا كنت من "آل"، فأنت سيد، وإن لم تكن منهم فأنت شيخ أو تابع في أدنى مراتب الهرم الاجتماعي.
لنتساءل: ماذا سيحدث لو أزلنا مفهوم السلالة من هذا المذهب؟ ما الذي سيبقى؟ وما الذي سيتغير في البنية الاجتماعية؟
السلالية جزء أساسي من بنية المذهب الشيعي، سواء في الفكر الإمامي الاثنعشري أو حتى في المذهب الزيدي. القيادة الدينية والسياسية في هذه المذاهب مقترنة بما يُسمى "النسب الشريف"، الذي يجمع بين الشرعية الدينية والاجتماعية والسياسية.
أول ما يتأثر بغياب السلالة هو مفهوم القيادة الدينية، الذي يرتبط بالعمامة السوداء التي تُمنح فقط لمن ينتمي إلى "آل". إذا أزلنا السلالية من المعادلة، سيتحول التركيز إلى الكفاءة العلمية والفقهية فقط، مما يفتح المجال أمام عديد الأشخاص، بصرف النظر عن نسبهم، لتولي المناصب العليا والقيادة الدينية.
لكن إزالة السلالية ستؤدي إلى اهتزاز المذهب بأكمله؛ فالهرم القيادي قائم أساسًا على البناء الطبقي. من يندرجون تحت هذا الانتماء السلالي لا يريدون تقاسم السلطة مع الآخرين؛ إذ يرون أنفسهم أرفع شأنًا بفضل اختيار إلهي، ما يمنحهم الحق في السيطرة.
المذهب الشيعي، كما في الزيدية، يرتكز على مفهوم "الإمامة" (الإمام بذاته زيديًا، أو نائب الإمام الغائب أثنعشريًا)، الذي يقوم على الاعتقاد بأن الأئمة معصومون ومختارون من الله. يرتبط هذا المفهوم بالسلالة، حيث يتم اختيار الأئمة من نسل علي وفاطمة. وإذا ما أزيل هذا المعيار، ستواجه العقيدة الشيعية تحديًا جوهريًا.
بدون ارتباط الإمامة بالنسب، ستفقد جزءًا كبيرًا من قدسيتها وشرعيتها الدينية، وستصبح أشبه بمنصب ديني يُختار فيه الشخص بناءً على العلم والمعرفة فقط، دون اعتبار للأصل. هذا التحول سيقود إلى زوال مفهوم العصمة وتحول الأئمة إلى مجرد مرجعيات دينية بشرية تُحترم لكفاءتها، لا لقداستها، وهو ما لا يتفق مع الفكر الشيعي إطلاقًا.
إزالة السلالية من المذهب الشيعي ستنعكس بوضوح على البنية الاجتماعية. حاليًا، يتمتع من يُسمون بـ"السادة" بمكانة اجتماعية خاصة في المجتمعات الشيعية ولهم امتيازات لا يتمتع بها باقي أفراد المجتمع. إذا تم إلغاء هذه الفروقات السلالية، فسيتم تقويض التراتب الاجتماعي القائم على النسب، مما يعزز قيم المساواة والعدالة داخل المجتمع.
في المذهب الشيعي، لا وجود حقيقي للمساواة والعدالة؛ فهو مؤسس على هذا الاختلال البنيوي. في ظل هذا التمييز السلالي، تنشأ توترات اجتماعية بين الطبقات المختلفة، ويترسخ الشعور بالتمييز والتهميش، مما يخلق بيئة اجتماعية مختلة تعيش على مفهوم العبودية: طبقة أعلى من طبقة. وعندما تحكم الإمامة، تُقسم المجتمع إلى طبقات، منها عُليا ومنها دُنيا، لكن الجميع في نهاية المطاف أدنى مرتبة من الطبقة المسماة بـ"آل البيت"، في ضربة قاصمة وحاسمة لقيم المساواة.
الهاشمية السياسية، خصوصًا في إيران وشمال الشمال في اليمن، تعتمد على مفهوم شرعية الحكم القائم على النسب. في حال إزالة السلالة، سيفقد هذا النظام الديني/السياسي شرعيته تمامًا، لأن المسألة كلها قائمة على النسب، مما سيؤدي إلى تغييرات جوهرية في طبيعة الحكم وطريقة اختيار القادة.
مشكلة المذهب الزيدي في اليمن تكمن في ارتباطه الوثيق بالإمامة. المذهب مؤسس على مفهوم الإمام، وما يشذ عنه هو الحكم الجمهوري، وما يلتقي معه هو المنظومة الإمامية. الحديث هنا عن جذور المذهب، وليس عن الفكر العلماني الذي من المفترض أن يتشكل في الوسط الزيدي.
في كل الفرق الشيعية، لا توجد كفاءة ولا برامج سياسية، بل فقط من يرى في نسبه الحق في الحكم يقاتل لأجل الوصول إليه. لهذا السبب، في بلد مثل اليمن، لم يُكرس إلا المزيد من الصراع، والمزيد من التمزق وبالتالي المزيد من التخلف دائمًا.
من المهم جدًا إنهاء الانتماء السلالي، بما يؤدي إلى تحييده تمامًا عن المجال العام. يمكن لأي أحد أن يفتخر بنسبه وقبيلته وآله (وكل فخر بما ليس لك بما لم تحققه أنت بما لا يخدم الإنسان لا قيمة له)، لكن لا ينبغي أن يترتب على ذلك أي مقتضى يمنحه الحق في حكم الآخرين.
إزالة السلالية تمثل تحديًا جوهريًا للعقيدة والبنية الاجتماعية والسياسية للمذهب، ومنها الزيدية في اليمن. على الزيدية أن تتحدى كل سياقها التاريخي، وأن تنهي تمامًا كل حق زائف يتعلق بفكرة الإمامة. لا ينبغي أن يوجد شيء اسمه إمام في المنظومة السياسية. وعلى السنة والزيدية في اليمن تحييد المنظومة الدينية برمتها عن الدولة.
لهذا السبب نقول دائمًا: نريد دولة علمانية. لا ينبغي أن نسأل: هل هذا زيدي أم سني؟ إنه يمني، وهذا يكفي.
لكن، هل الوعي اليمني الجمعي مهيأ لأن تكون الكفاءة هي المعيار الوحيد في الحكم أم لا؟
يجب العمل كل مرة لأجل ذلك، وإلا سوف نستمر في هذه الدوامة دون خروج أبدًا.
"كل نسب وهم".
لا يوجد نسب شريف وآخر غير شريف. كل هذا مجرد وهم. من يرى في نفسه هذا الاعتزاز عليه أن يراجع فكره ووعيه، وأن يتأمل مليًا في هذا السياق، وسوف يخجل لاحقًا، بعد أن يستنير، مما كان يؤمن به ويظنه.
نحن في القرن الحادي والعشرين. تذكروا هذا. من يعطيك الحق في الاستعلاء على الآخرين؟ "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟"
تلك هي المسألة.
لا ينبغي أن نناقش عمر وعلي، ولا سلالة "يزيد" و"زيد". نحن هنا حيث الفكر والمعرفة، وحيث كل مشترك إنساني يسعى لبناء الإنسان لأفضل.