|    English   |    [email protected]

الصراع العربي الإسرائيلي على طريق استعادة الدولة الفلسطينية... بين الحقيقة والوهم

الجمعة 4 أكتوبر 2024 |منذ شهر
نجيب عبدالرحمن السعدي

نجيب عبدالرحمن السعدي

لم أكن أفكر أن أكتب في هذا الموضوع كما أنني كنت مترددا في الكتابة ومرجع ذلك الى الإرهاب الفكري الذي فرضه الضجيج الإعلامي لمن يحاولون تصدر الواجهة كمدافعين عن القضية الفلسطينية واتهام الدول العربية بلا استثناء بخذلان القضية الفلسطينية. لكنني بعد تفكير رأيت أن أقوم بتتبع مواقف الدول العربية وماذا قدمته للقضية الفلسطينية وما هي الفائدة التي عادت على القضية الفلسطينية وبالمقابل تتبع مواقف ما يطلق على نفسه محور المقاومة ممثلا بالنظام الإيراني واذرعه في المنطقة ما الذي قدمة للقضية الفلسطينية وما هي الفائدة التي عادت على القضية من وراء تلك المواقف.

لقد فضلت أن أتتبع المواقف منذ 7 أكتوبر 2023 وانطلاق طوفان الأقصى لسببين الأول حتى لا اتوه واتشتت في مسارات القضية والثاني لأنه ومنذ هذا التاريخ تتهم الدول العربية بخذلان القضية الفلسطينية بل وصل الأمر الى اتهام محور المقاومة لبعض الدول بالتواطؤ مع العدو الإسرائيلي.

حددت حركة حماس الهدف من طوفان الأقصى في وثيقة بعنوان (هذه روايتنا، لماذا طوفان الأقصى)، نشرتها الجزيرة نت بتاريخ ٢١ يناير ٢٠٢٤ وقد تلخص الهدف من طوفان الأقصى بأنها خطوة طبيعية لمواجهة ما يحاك ضد القضية الفلسطينية لتصفيتها وكذلك من أجل استعادة الحقوق الوطنية وانجاز الاستقلال.

ومن الواضح ان مفهوم الاستقلال واستعادة الحقوق الوطنية للفلسطينين بحسب رؤية حماس هو بحل الدولتين على حدود ١٩٦٧ والذي أكده القيادي في حماس خليل الحية في مقابلة مع وكالة الاشوتيدبرس بتاريخ ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ والذي أوضح أن حركة حماس (على استعداد لتوقيع هدنة مع اسرائيل لمدة خمس سنوات وانها على استعداد لتسليم سلاحها والتحول الى حزب سياسي اذا اقيمت دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام ١٩٦٧).

تصريح الحية لم يأت بجديد ولكنه أتى للتاكد على أن هدف حماس هو تحقيق استقلال واقامة دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧ (حل الدولتين). وهو موقف اتخذته حماس في وقت سابق ففي عام 2017، أعلنت حماس عن ميثاقها المعدل، قبول فكرة الدولة الفلسطينية داخل حدود عام 1967، ولكن دون الاعتراف بدولة إسرائيل.

لم يكن حل الدولتين وليد اللحظة بل هو حل وضع في الستينات ووافقت عليه منظمة التحرير الفلسطينية في 1988 كما ان المملكة العربية السعودية في عام 2002 اطلقت مبادرة للسلام تبنتها الدول العربية وأصبحت تعرف بالمبادرة العربية للسلام وقد تبنت المبادرة حل الدولتين على حدود عام 1967.

مما لا شك فيه أن حركة حماس عندما أقدمت على تفجير الصراع الأخير مع الكيان الصهيوني (طوفان الأقصى) كانت تدرك جيدا تبعات ذلك وتدرك الخسائر التي قد تلحق بالحركة وبأبناء غزة ولولم تكن تدرك ذلك فهذه تعد كارثة بل وجريمة في حق الحركة وحق ابناء غزة، لكنها كما يبدو ترى أن هذه التضحيات تعد ضرورية من أجل الوصول إلى دولة فلسطينية وفق حل الدولتين وإعادة عربة القضية الفلسطينية الى الواجهة حتى لا يتم تصفيتها حسب حماس، إنه من الواضح جدا ان قرار المواجهة الذي اتخذته حماس كان قرارا منفردا ودون أي تنسيق مع محيطها العربي كما انها اتخذت القرار بتنسيق كامل مع ايران واذرعها في المنطقة العربية وهو الأمر الذي استنكره معظم النخب العربية بحجة أن مثل هذا الفعل يعمق الانقسام العربي كما أنه يمنح ايران فرصة إضافية لممارسة مزيد من العبث والتدمير في المناطق العربية ويقوي اذرعها التي قامت على انهار من دماء الشعوب العربية في العراق وسوريا واليمن ولبنان.

رغم ذلك فقد تعاملت الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بمسؤولية كون القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى ولا يمكن اختزالها في احدى الحركات الفلسطينية أو اسقاط تصرفات هذه الحركة أو تلك على موقف العرب من القضية الفلسطينية حيث قامت السعودية باستضافة قمة عربية إسلامية طارئة بتاريخ 11نوفمبر 2023 وقد اكد الزعماء العرب ادانتهم للحرب الظالمة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة وضرورة العمل على اطلاق حل وفقا للشرعية الدولية والمبادرة العربية (حل الدولتين) والذي ذهب بالمقابل الرئيس الإيراني رئيسي بالمطالبة بإقامة الدولة الفلسطينية من النهر الى البحر وهو توجه يخالف ما تطرحه السلطة الفلسطينية وحركة حماس الأمر الذي يفسر على انه من باب المزايدة ومحاولة تحقيق مكاسب للنظام الإيراني على حساب القضية الفلسطينية، كما تم تشكيل لجنة وزارية من وزراء خارجية عدة دول برئاسة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان وعضوية كل من مصر والأردن وفلسطين واندونيسيا وتركيا ونيجيريا إضافة الى امين عام الجامعة العربية وامين عام منظمة التعاون الإسلامي وتكون مهمة اللجنة تكثيف التواصل والنقاشات الدبلوماسية لتعزيز الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة ودعم حقوق الشعب الفلسطيني.

لقد صبت مخرجات القمة واهداف اللجنة الوزارية في اتجاه الأهداف التي حددتها حركة حماس من وراء (طوفان الأقصى) وهي (عدم تصفية القضية الفلسطينية واستعادة الحقوق الوطنية وانجاز الاستقلال). باشرت اللجنة عملها ولقاءاتها واستطاعت خلق توجه وقناعة لدى معظم دول العالم بضرورة الاعتراف بدولة فلسطين كدولة مستقلة، وبنفس الوقت قامت دول عربية أخرى بجهود دبلوماسية فقد قدمت كل من مصر والأردن والكويت والامارات مشاريع قرارات الى مجلس الامن  تدعو الى وقف اطلاق النار وبعضها تدعو الى هدنة إنسانية وفتح ممرات آمنة لادخال المواد الاغاثية الى سكان غزة كلها شكلت ضغطا دبلوماسيا على إسرائيل.

 لقد حشدت الدول العربية وعلى رأسها السعودية ومصر والامارات واستغلت كافة المنابر العربية من اجل دعم واسناد القضية الفلسطينية كل هذه الجهود أدت في تاريخ 15 مايو 2024 الى ان  145 دولة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من اصل 193 دولة تعترف بفلسطين دولة مستقلة بكامل العضوية في الأمم المتحدة وهنا حققت الدول العربية مكسبا كبيرا للقضية الفلسطينية والذي يعتبر الهدف الأول من اهداف حركة حماس وهو إعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة وعدم تصفيتها. 

لقد أعادت الدول العربية القضية الفلسطينية الى الواجهة في المحافل الدولية وبالطرق الرسمية وليس فقط اعادتها الى الواجهة عن طريق تسيير مظاهرات (رغم أهمية المظاهرات) كما ان الاعتراف بدولة فلسطين هو خطوة لتحقيق الهدف الثاني لحماس وهو الحصول على الاستقلال.

بالمقابل سعت إسرائيل الى تصفيه القضية الفلسطينية بطريقتها حيث خططت لشن حرب واسعة على قطاع غزة تجبر بموجبها ساكني غزة على الانتقال الى سيناء وقد رافق ذلك عروض واغراءات لمصر مقابل الموافقة على فتح ممرات لمرور أبناء غزة الى سيناء فقد قدمت أمريكا وفرنسا وألمانيا وعودا بمساعدات اقتصادية وعسكرية لمصر مقابل سماحها للفلسطينين بالانتقال الى سيناء وهو الامر الذي لو تم لكان الخطوة قبل الأخيرة لتصفية القضية الفلسطينية وهو الامر الذي اطلقت حماس حسب قولها طوفان الاقصى لمنعه.

واجهت مصر هذه الاغراءات بالرفض الكامل وعززت من قدراتها العسكرية على حدودها مع فلسطين الامر الذي دفع أمريكا وبعض الدول لممارسة ضغوط إضافية عليها ويرى كثير من المراقبين أن استهداف الحوثيين (أحد اذرع ايران في المنطقة) للملاحة الدولية في البحر الأحمر كان برضى امريكي بهدف الضغط على مصر للقبول بالفلسطينيين في سيناء حيث تكبدت مصر خسائر فادحة فقد انخفضت إيرادات قناة السويس الى 70% في المقابل لم ينل إسرائيل أي اضرار تذكر سوى تعطل ميناء ايلات والتي هي في الأصل ميناء هامشي مقابل خمسة موانئ على البحر الأبيض المتوسط تتبع الكيان الصهيوني هذا في الوقت الذي تسوق جماعة الحوثي وايران ان استهداف الملاحة في البحر الأحمر هو يستهدف إسرائيل نصرة لغزة!


لم تكتفِ السعودية والدول العربية بذلك بل قامت بإحياء مبادرة السلام العربية وتتوجت هذه الجهود بقيام المملكة العربية السعودية ومن على منبر الأمم المتحدة على هامش الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بإعلان تحالف دولي لحل الدولتين حيث اعلن الأمير فيصل بن فرحان عن ذلك باسم الدول العربية والإسلامية والشركاء الأوروبيين وعلى راسها النرويج والاتحاد الأوربي.

هنا تكون الدول العربية وعلى رأسها السعودية قد تحركت لتحقيق سلام شامل وعادل للقضية الفلسطينية وهو حل الدولتين على حدود 1967 والذي ارتضته الفصائل الفلسطينية ومنها حركة حماس.

اما ما يتعلق بالدعم المادي فهو لا يخفى على احد فقد قدمت وتقدم الدول العربية وعلى راسها السعودية والتي خصصت دعما شهريا للوضع الإنساني إضافة الى دعم المنظمات الدولية وعلى راسها الاونروا والتي دعمتها بمليار دولار اضف الى ذلك ما تقدمه قطر لحركة حماس ولغزة وما تقدمه الامارات العربية من مساعدات، اما مصر العروبة فحدث ولا حرج ويكفي انه لولا مصر وغض الطرف عن تدفق الأسلحة ومستلزماتها الى ارض غزة لما استطاعت حماس ان تصمد ولو لاسبوع واحد.

هذا هو ما قامت وتقوم به الدول العربية دون أي ضجيج ودون من أو أذى بل بالعكس تتحمل الكثير من الانتقادات واتهامها بالتخاذل عن دعم القضية الفلسطينية. 

لقد خطت الدول العربية خطوات واسعة لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية دون التسبب في إراقة أي قطرة دم فلسطينية او التسبب في الاضرار بالمواطن الفلسطيني كما انها أي الدول العربية لم يكن لها أي اجندة خاصة تريد تحقيقها من خلال استغلال القضية الفلسطينية بل العكس تقوم بتسخير قدراتها لخدمة القضية الفلسطينية فليس خافيا على احد ما تمارسه أمريكا من ضغط على السعودية وما تقدمه لها من اغراءات مقابل التطبيع مع الكيان الصهيوني وقد استغل الأمير محمد بن سلمان ولي عهد الممكلة العربية السعودية هذا الملف ليجعل منه اداة لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية حيث اكد مرارا بانه لا يمكن الحديث عن أي تطبيع مع إسرائيل دون قيام الدولة الفلسطينية وكان اخرها في 18 سبتمبر الماضي في حديث وجهه لمجلس الشورى السعودية. "تتصدر القضية الفلسطينية اهتمام بلادكم، ونجدد رفض المملكة وإدانتها الشديدة لجرائم سلطة الاحتلال الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني" وأضاف "لن تتوقف المملكة عن عملها الدؤوب، في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ونؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل من دون ذلك".

بالمقابل ماذا قدمت ايران واذرعها في المنطقة العربية وما اثر هذا الدعم في سبيل تحقيق اهداف الفلسطينيين ومنهم حركة حماس التي تعد حليفاً لايران، لاشك ان ايران تقدم دعما ماليا وعسكريا لحركة حماس ومن قبلها لحركة الجهاد الإسلامي وقد عزز هذا الدعم القدرات العسكرية للحركتين كما ان ايران حركت اذرعها في اليمن جماعة الحوثي وحزب الله في لبنان لمساندة اهل غزة حسب ادعائهم لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو اثر هذا الدعم لتحقيق الأهداف الاستراتيجية والتي حددتها حركة حماس نفسها (لمواجهة ما يحاك ضد القضية الفلسطينية لتصفيتها وكذلك من اجل استعادة الحقوق الوطنية وانجاز الاستقلال). 

حققت حركة حماس عقب طوفان الأقصى وبسبب جرائم وهمجية الكيان الصهيوني زخما شعبيا غير مسبوق فقد كسبت القضية الفلسطينية تعاطفا شعبيا كبيرا في الدول الغربية وخرجت المظاهرات مؤيدة لفلسطين ومستنكرة لجرائم الإبادة التي يمارسها الكيان الصهيوني ولكن كان هناك تغيير في هذا التعاطف بعد ان بدأت هجمات جماعة الحوثي على خطوط التجارة العالمية كما ان هناك من يرى ان المستفيد من هذه الهجمات هي الولايات المتحدة وبريطانيا والتي تحتضن كبرى شركات النقل والتامين العالمية والتي ارتفع حجم إيراداتها لأضعاف وهو الامر الذي يعني ان الامريكان قد تمكنوا من الحصول على ايراد إضافي يغطي ثمن ما تقدمه لإسرائيل من أسلحة!

 نفس الأثر حدث بفعل الهجوم الشكلي من ايران على إسرائيل بعدد من الصواريخ والمسيرات ورغم انها لم تصب أي هدف ذو قيمه في إسرائيل الا ان إسرائيل قامت بتضخيم الحدث وتصوير انها مستهدفة وانها غير امنة وهذا خلق لها مبررا جديدا لشن مزيد من الهجمات على غزة.

حزب الله وتدخله على استحياء منذ البداية لم يؤثر على مسار تحقيق الأهداف الفلسطينية بل على العكس تماما فقد استطاع الكيان الصهيوني الحصول على انتصار مجاني بالعمليات العسكرية التي قام بها ضد حزب الله وقتل قيادته هذا الانتصار عوض الكيان الصهيوني عن مرارة الهزيمة التي مني بها في غزة طيلة عام من العمليات العسكرية حيث لم يستطع تحقيق أي هدف من الأهداف التي اعلنها بداية الحر على غزة فلا استعاد الرهائن ولا قضى على حماس او قيادتها فلا زالت حماس الى اليوم قادرة على المقاومة وشن الهجمات، لقد حقق الانتصار الذي اهداه حزب الله لاسرائيل عودة النشوة والتماسك الداخلي وعودة اكذوبة الجيش الذي لا يهزم بعد ان مرغت حماس انفه في التراب.

كما ان الكثيرين يرون ان الدعم الإيراني لحركة حماس قد عمق الانقسام بين الفصائل الفلسطينية وافقد القضية الفلسطينية لكثير من التعاطف في الشارع العربي الذي بات ينظر ان ايران استخدامت القضية الفلسطينية لتحقيق اهداف خاصة في ملفها النووي وقد ساعدتها حماس على ذلك وهي الدولة التي قتلت وشاركت في قتل ملايين المدنيين في العراق وسوريا ولبنان واليمن كما انها تعمل وبشكل دؤوب على نشر مزيد من الفوضى في الدول العربية والإسلامية.

 لم يحقق الدعم الإيراني أي تقدم في تحقيق اهداف الفلسطينيين بل على العكس من ذلك جعل هذه الأهداف تبعد يوما بعد يوم لولا التدخل الواعي والحكيم للدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومصر.

كما انه يجدر الإشارة الى ان حركة حماس استطاعت حماية قياداتها في غزة ولم يقتل أحد منهم رغم كثافة القصف ومحدودية الجغرافيا ولكنها منيت بخسارة اثنين من قياداتها وهما إسماعيل هنية وصالح العاروري فالاول اغتيل في طهران وهو ضيف على النظام الإيراني والثاني اغتيل في الضاحية الجنوبية والذي تبسط ايران سيطرتها عليها عبر ذراعها حزب الله.