برّان برس:
كشفت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، الأحد 6 أكتوبر/تشرين الأول، تفاصيل خطة جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد” التي تضمنت بيع أجهزة “بيجر” مفخخة لعناصر حزب الله اللبناني عبر شبكة معقدة من الوسطاء.
ووصفت الصحيفة العملية التي أسفرت عن مقتل أو إصابة الآلاف من مقاتلي حزب الله، مما دفع المنطقة نحو شفا صراع أوسع، بأنها “غير مسبوقة” والأكثر دهاءً في التاريخ الاستخباراتي.
وفقًا لما ذكرته الصحيفة، بدأت العملية في عام 2022 عندما بدأ الموساد بالتخطيط لها بدقة متناهية، واستخدم شبكة من الوسطاء لنقل هذه الأجهزة إلى حزب الله، وقدمت الأجهزة كأنها معدات اتصالات عادية وغير قابلة للاختراق، مما أبعد أي شكوك حول مصدرها الحقيقي.
غير أن الواقع، وفقا للصحيفة، كان مغايرًا تمامًا، إذ تم تصنيع أجهزة النداء هذه في إسرائيل وتحت إشراف مباشر من الموساد. ورغم اعتقاد حزب الله بأن هذه الأجهزة آمنة، إلا أنها كانت تحتوي على متفجرات دقيقة مخفية داخل بطارياتها.
وذكرت أن هذه المتفجرات صُممت بطريقة معقدة بحيث يصعب اكتشافها حتى عند تفكيك الجهاز، ما يعكس مستوى متقدمًا من التعقيد والدهاء في التخطيط والتنفيذ.
وتعود فكرة العملية إلى عام 2015، عندما أدخل الموساد أجهزة اتصال لا سلكية مفخخة إلى لبنان، وكان الهدف الرئيسي من تلك الأجهزة في البداية التنصت على اتصالات حزب الله، واستمرت إسرائيل في التجسس على تلك الاتصالات لمدة تسع سنوات كاملة.
وخلال تلك الفترة، احتفظ الموساد بخيار تحويل تلك الأجهزة إلى أدوات تفجير في أي وقت، وكان هذا الخيار جاهزًا للتنفيذ عندما دعت الحاجة. وفي عام 2023، بدأت المرحلة الثانية من الخطة بعد إقناع حزب الله بشراء أجهزة نداء تحمل علامة تجارية تايوانية تُدعى “أبولو”، مما أبعد أي شكوك عن إمكانية ارتباط هذه الأجهزة بإسرائيل.
وبحسب الصحيفة، تمت عملية تسويق أجهزة النداء عبر مسؤولة تسويق موثوقة لدى حزب الله، حيث قدمت هذه الأجهزة كخيار مثالي للاتصالات الآمنة بفضل تصميمها المتين وقدرتها على تحمل الظروف القاسية وبطاريتها طويلة الأمد.
وبحلول فبراير 2023، اشترى الحزب 5000 جهاز من هذا الطراز ووزعها على عناصره الميدانية، إلا أن هذه الأجهزة كانت تحتوي على شحنات متفجرة مخفية بدقة، ولم تكن الوسيطة ولا حزب الله على دراية بأن الأجهزة تم تصنيعها في إسرائيل تحت إشراف الموساد.
في 17 سبتمبر 2024، قام الموساد بتفعيل المرحلة النهائية من الخطة، بتفجير آلاف أجهزة النداء المفخخة في لحظة واحدة عبر إشارة إلكترونية تم إرسالها عن بُعد، وفقا لواشنطن بوست.
وأضافت: “كانت الأجهزة مصممة بحيث يجبر المستخدم على استخدام كلتا يديه لفتح الرسائل المشفرة، مما جعل تفادي الانفجار أمرًا شبه مستحيل”.
وأسفرت هذه التفجيرات المنسقة عن مقتل أو إصابة حوالي 3000 عنصر من حزب الله، أغلبهم من غير القياديين، بالإضافة إلى عدد غير معروف من المدنيين الذين كانوا بالقرب من المقاتلين عند حدوث التفجيرات.
لم تكن هذه التفجيرات مجرد ضربة تكتيكية لحزب الله، بل كانت، طبقا للصحيفة الأمريكية، جزءًا من خطة استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد تهدف إلى تفكيك الحزب من الداخل، ودفع النجاح الذي حققته هذه العملية القيادة الإسرائيلية إلى التفكير في خطوات أكثر جرأة، مثل استهداف زعيم حزب الله حسن نصر الله.
واستدركت الصحيفة: “إلا أن الخطر المترتب على رد إيراني محتمل جعل هذا الخيار مثيرًا للجدل داخل الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية، مما أدى إلى نقاشات حول مدى الحكمة في المضي قدمًا بتنفيذ هذه الخطوة".
في 27 سبتمبر 2024، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية على مقرات حزب الله، بما في ذلك مراكز القيادة والقواعد اللوجستية في بيروت، وفي اليوم التالي، أعلن حزب الله رسميًا مقتل زعيمه حسن نصر الله خلال تلك الغارات، وهو ما اعتُبر نقطة تحول كبيرة في مسار الصراع بين الحزب وإسرائيل.
وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى ان مقتل نصر الله “لم يكن مجرد ضربة تنظيمية للحزب، بل كان له تأثير هائل على توازن القوى في المنطقة"، منوهة إلى أن العديد من المحللين اعتبروا أن رحيل نصر الله يفتح الباب أمام تغييرات استراتيجية قد تعيد رسم الخريطة السياسية والأمنية في الشرق الأوسط.