الشدادي.. القائد الجمهوري وحارس مجد الثورة
فؤاد مسعد
في المهمات الكبيرة ينتدب الكبار أنفسهم لحماية الوطن والذود عنه، وقديماً قال الشاعر المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ
وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
وتكبر في عين الصغار صغارها
وتصغر في عين العظيم العظائمُ
في مثل هذه الأيام وفي مطالع أكتوبر المجيد (2016)، كانت جبال صرواح تشهد الملحمة الخالدة، ملحمة البطولة والفداء التي رسم خطوطها القائد الفذ عبدالرب الشدادي، بعدما أصر على خوض المعركة بنفسه، وهو الذي يقود المنطقة العسكرية كاملة.
مضى الشدادي على الدرب الذي خطه ثوار سبتمبر الخالدون في ذاكرة الثورة ووجدان الجمهورية، وهم يواجهون جحافل الإمامة التي كانت تسعى لأن تحجب شمس الثورة بعدما أشرقت ذات فجر، وكان علي عبدالمغني هناك في صدر الملحمة يرسم بشجاعة نادرة أحلام سبتمبر، وينسج بدمه الطاهر راياتها فوق القمم الشامخة، مؤكداً انتصار إرادة الشعب والثورة والنظام الجمهوري على فلول الإمامة.
امتدت شموس سبتمبر ناصعة البياض، وانقشعت ظلمات الحكم الإمامي مولّية أدبارها إلى مزبلة التاريخ، وحين ظنت شرذمة البغي- نسخة الإمامة المُطعمة بأطماع إيران- أن بمقدورها إعادة عقارب الزمن إلى الوراء، هب أبطال سبتمبر من جديد، ومضوا في طريق الآباء الأوائل، دفاعاً عن الثورة وعن الأرض والدولة والجمهورية.
إنها مهمة عظيمة وجليلة تستمد عظمتها من التضحيات التي قُدّمت في سبيلها وبين يديها، ومن عَظَمة الأهداف وسموّها يتأكد نبل المهمة وجسارتها، كان الشدادي على العهد والوعد، قائداً جمهورياً يحمي الثورة، وثائراً يحرس ثغور الجمهورية، من ثباته كان الأبطال يتعلمون أروع معاني التضحية، ومن بسالته كان رفاقه يزدادون يقيناً أنهم على الحق، حقهم في الحياة وفي الحرية، وحقهم في الوطن والمواطنة، كانت بساطة القائد الشدادي ترشدهم إلى نبل أخلاق الثورة التي يدافعون عنها.
كان يتقدم صفوف الثورة في مواجهة فلول الإمامة، يقف على الروابي شامخاً مثل سارية العلم الوطني، يعانق القمم ويصافح المجد، معلناً انتصار الوطن في الملحمة الجديدة، حتى استقبلته الشهادة التي تليق به، وهناك أسلم روحه التي ما كان لها أن تطمئن لولم تكن في مقدمة الصفوف وفي أعالي القمم، وهناك كانت التضحية معه على موعد، والشهادة حاضرة بكل ما فيها من جلالٍ ووقار.
باختصار كان المشهد يليق بالشهيد وبالشهادة، وكانت البطولة تحني رأسها أمام جسارة القائد الذي انتدب نفسه لمهمةٍ جليلة وغاية نبيلة، ولقد غدا المكان شاهداً على عظمة التضحية، وجلال الموقف، موقف القائد الذي صنع الانتصار وفازت به الشهادة، فبات نعم القائد ونعم الشهيد، نعم المقاتل والثائر، نعم المناضل ونعم البطل.
ستظل ذكرى الشهيد الشدادي خالدة وباقية، ذلك أن مواقفه تضرب بجذورها في أعماق الأرض اليمنية، وتتجلى صلبة قوية كأعمدة العرش، وسيبقى نضاله حاضراً حضور مأرب وملاحمها التاريخية، ويُحلّق اسمه في الآفاق كما يليق بقائدٍ جمهوري أقسم أن يحافظ على تراب الوطن وثورته وجمهوريته، وقد فعل، فسلامٌ عليه في الأولين، وسلامٌ عليه في الآخرين.