في أعماق الصحراء، حيث تعانق الشمس رمال مأرب الذهبية، تتجسد قصة الإنسان مع الأرض في أبهى صورها ، مأرب ليست مجرد مدينة في التاريخ، بل هي رمز حي للشجاعة والكرم، وقلب نابض بثقافة عربية أصيلة تمتد عبر الزمن ،منذ أجيال عُرف رجال مأرب بشجاعتهم في مواجهة التحديات وصمودهم في وجه الصعاب ، كما أنهم رمز للكرم الذي لا يعرف حدوداً ، مما جعلهم محل احترام وإعجاب من شعوب العالم العربي.
الشجاعة في مأرب ليست صفة عابرة أو موقفاً مؤقتاً ، إنها جزء من هوية أهلها وعمق تراثهم. فمنذ عهد الدولة السبئية التي جعلت من مأرب عاصمة عظيمة في شبه الجزيرة العربية، جسد أهلها روح المقاومة والمواجهة. الشجاعة هنا ليست مجرد استعداد للقتال أو الدفاع عن الأرض، بل هي قوة داخلية تجعل رجال مأرب قادرين على التغلب على الصعاب، سواء كانت قسوة الطبيعة أو ضغوط الحياة الاجتماعية والسياسية.
في التاريخ الحديث، عندما واجهت مأرب تحديات تتعلق بالحروب والصراعات، برزت شجاعة رجالها في الدفاع عن أرضهم وكرامتهم. كان ذلك نابعاً من إيمانهم العميق بأن الأرض التي ورثوها من أسلافهم تستحق كل تضحية، وأن الحماية ليست واجباً فقط بل شرفاً يتباهون به. إنهم يعلمون أن الشجاعة الحقيقية ليست في مجرد الانتصار المادي، بل في الصمود أمام المحن والاستمرار رغم التحديات.
كرم أهل مأرب هو وجه آخر لنبلهم. في هذه المدينة التي تتوسط الصحراء، حيث قلة الموارد وتحديات العيش قديما ، ظهر كرم أهل مأرب بشكل مدهش. الكرم هنا ليس مجرد واجب اجتماعي، بل هو فن من فنون الحياة. في مجالسهم العامرة وأحاديثهم الودية، يفتح رجال مأرب أبوابهم للغريب والقريب دون تردد.
الكرم المأربي ينبع من فلسفة عميقة؛ فهو تعبير عن الوفاء للأرض والتراث الذي تركه الأجداد. فعندما يقدم رجال مأرب الضيافة للآخرين، فهم لا يعبرون فقط عن فضيلة الكرم، بل يعيدون إحياء علاقة الإنسان بأرضه وتاريخه. هذه العلاقة تذكرهم بأن من عاش على هذه الأرض واستفاد من خيراتها عليه أن يشارك هذه النعمة مع الجميع، بغض النظر عن الظروف.
ما يميز رجال مأرب هو هذا التوازن الدقيق بين الشجاعة والكرم. فهم محاربون عند الضرورة، لكنهم دائماً مضيافون وكريمون في تعاملهم مع الآخرين. إن هذا المزيج الفريد من القوة والكرم يجعلهم نموذجاً مميزاً في الثقافة العربية. إنهم لا يخشون مواجهة الأعداء، ولكنهم في الوقت نفسه يفتحون قلوبهم للضيف والجار. وهذه الصفة هي ما جعلت مأرب مصدر إلهام للشعراء والمثقفين، حيث تتجسد فيها القيم الإنسانية العليا التي تميز المجتمع العربي الأصيل.
شخصيا اردد دوما مأرب ليست مجرد مدينة في التاريخ، بل هي رمز للفضائل التي قامت عليها الحضارات العظيمة. رجالها يجسدون شجاعة نادرة وكرماً لا ينضب، يعيدون إلى الأذهان صور العظمة العربية في أبسط صورها وأكثرها تألقاً. وفي عالم اليوم الذي يتسم بالتغيرات السريعة، تبقى مأرب قلعة صامدة للكرم والشجاعة، تذكرنا بأهمية الحفاظ على القيم التي تربطنا بأصولنا وتاريخنا العريق.