أعد التقرير لـ“برّان برس”- نواف الحميري:
“كل يوم والصرف يرتفع، واحنا نقول باتسبر، لكن كل يوم ونحن إلى الأسوأ”.. هكذا استنكر الأربعيني مهيوب قاسم، الانهيار المتواصل للريال اليمني أمام العملات الأجنبية، وانعكاساته على أسعار السلع والأوضاع المعيشية.
وأضاف “قاسم”، وهو عامل من سكان مدينة تعز، لـ“بران برس”، أنه ”مع انهيار العملة ترتفع أسعار المواد الغذائية، وحالتنا تزداد سوءً نحن أصحاب الدخل المحدود”.
وعن وضعه، قال “أنا عمال بناء، أعمل بالأجر اليومي، وارتفاع الصرف يتسبب في توقف الشغل”، موضحًا أن الانهيار المفاجئ للعملة الوطنية يدفع أصحاب المشاريع لإيقاف أعمال البناء بسبب ارتفاع الصرف.
أدنى مستوى
واليوم الثلاثاء 15 أكتوبر/تشرين الأول 2024، قالت مصادر مصرفية، إن الريال اليمني سجل في تعاملات اليوم غير الرسمية تراجعًا غير مسبوق أمام العملات الأجنبية، في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها.
وذكرت المصادر لـ“برّان برس”، أن سعر الدولار الواحد في مدينة عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد (جنوبي اليمن)، بلغ 2011 ريالا للشراء، 2002 ريالا للبيع، فيما سجل الريال السعودي أعلى قيمة له على الإطلاق أمام الريال اليمني، حيث وصل سعره في عملية البيع 526 ريالا يمنياً ونحو 525 في عملية الشراء.
ويعد هذا أدنى مستوى تسجله العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية في مناطق سيطرة الحكومة، فيما ظلت قيمته مستقرة في مناطق سيطرة الحوثيين عند 538 ريالا يمنيا لبيع كل دولار، و534 ريالا للشراء، والريال السعودي مستقرا عند 140 ريالا للشراء و141 للبيع.
وأدى هذا الانهيار المتواصل للعملة المحلية إلى مفاقمة الأوضاع المعيشية للمواطنين الذين يعانون أصلًا جراء انقطاع مرتبات الموظفين وانعدام الأعمال وتداعيات الحرب عمومًا، ما جعل أسعار المواد الغذائية تفوق قدرتهم الشرائية.
وتقول الحكومة اليمنية المعترف بها، إن استهداف جماعة الحوثي لموانئ تصدير النفط جنوب وشرق البلاد أواخر عام 2022، ومنعها عملية التصدير كبّدها خسائر بنحو ملياري دولار، وحرمها المصدر الأساس للعملة الصعبة وهو ما أفقدها القدرة على الوفاء بالتزاماتها لتوفير الخدمات وتخفيف الأزمة الإنسانية.
عوامل متعددة
أستاذ علم الاقتصاد بجامعة تعز، الدكتور محمد قحطان، أوضح لـ“بران برس”، أن الارتفاع الحاصل حاليًا للدولار أمام الريال اليمني في مناطق الحكومة اليمنية المعترف بها يعود إلى “نفاد الاحتياطي من النقد الأجنبي في البنك المركزي نتيجة لتوقف صادرات النفط التي كانت تعد مصدر الدخل الوحيد للحكومة الشرعية من العملة الأجنبية”.
إضافة إلى أسباب أخرى قال إن “أهمها العوامل السياسية المتمثلة في عدم نجاح المفاوضات والتوصل إلى سلام دائم في اليمن”، موضحًا أن العوامل السياسية والاقتصادية مترابطة، وشكلت نوعًا من الضغط على السوق وزيادة الطلب على العملة الأجنبية، ما أدى إلى ارتفاع سعر الصرف”.
ويوافقه الرأي الصحفي المختص بالشؤون الاقتصادية، وفيق صالح، الذي تحدث لـ“بران برس”، عن عوامل وأسباب عديدة تقف وراء تدهور قيمة العملة الوطنية.
وقال: “تضاعفت التحديات الاقتصادية مع تفاقم الضغوطات على المالية العامة للدولة، وزيادة العجز في ميزان المدفوعات جراء توقف الصادرات النفطية والغازية، وارتفاع تكلفة فاتورة الاستيراد”.
وتحدث عن “زيادة في إجمالي النفقات الحكومية، خصوصاً مدفوعات النقد الأجنبي”، وهذا “يساهم في زيادة عجز الميزانية العامة، ويضاعف من حجم الأعباء المالية على الحكومة”، حسب قوله.
الانقلاب الحوثي
الخبير الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، يرى من جانبه، أن “السبب الأول لانهيار الاقتصاد اليمني بالمجمل هو انقلاب جماعة الحوثي، وسيطرتها على مؤسسات الدولة بقوة السلاح، ونهبها للاحتياطي النقدي للبنك المركزي في صنعاء والذي بلغ تقريباً 5 مليار دولار”.
وأوضح في حديثه لـ“بران برس”، أن هذا الأمر “أدى إلى إزالة الغطاء الذي كانت تملكه الحكومة من العملة الصعبة لتغطية استيرادها وهذا أدى إلى احتياج الحكومة بشكل كبير للعملة الصعبة”. إضافة إلى “نهب بقية مؤسسات الدولة الإيرادية وهذا تجذر بانهيار الريال اليمني”.
وبالإضافة لذلك، قال “العوبلي”، إن “فصل البنك في الشمال والجنوب أدى إلى ظهور فجوة بين المناطق، إلى جانب قيام الحوثيين بشن هجمات على عملية تصدير النفط والذي كان المصدر الوحيد الذي يغذي الاقتصاد”.
كل هذه الأسباب، وفق الصحفي وفيق صالح، “تتزامن مع حرب اقتصادية من طرف واحد تشنها مليشيا الحوثي ضد موارد الحكومة، وضد الطبعة الجديدة من الريال اليمني”.
وأوضح في حديثه لـ“بران برس”، أن هذه الإجراءات “ساهمت إجمالاً في انهيار يعد هو الأسوأ تاريخيًا للعملة الوطنية منذُ بداية الحرب”.
تغلغل الفساد
وإلى ذلك، انتقد “وفيق صالح” ما قال إنه “غياب التحركات الحكومية لمعالجة الملف الاقتصادي، موضحًا أن “المؤسسات الإيرادية والمالية تشهد جمودًا كبيرًا في سير الإصلاحات، تزامنًا مع الفراغ الذي تعيشه السياسة النقدية”.
وأوضح أن “هذا الأمر مكن المضاربين من التلاعب بقيمة العملة والإضرار بأقوات المواطنين”.
من جانبه، قال الاقتصادي العوبلي، لـ“بران برس”، إن “هذه الأمور رافقها فشل وفساد، وأحياناً تباطؤ من الحكومة الشرعية مع مليشيا الحوثي”.
وبرأيه فإنه “لو كان هناك إقدام حقيقي من قبل الحكومة لإجراء إصلاحات تحد من انهيار العملة كان بإمكانهم قطع الموارد عن الحوثي كنقل الاتصالات والبنوك، وأيضاً منع عنهم أي استيراد من مناطقهم والعمل الجاد لوقف تشغيل ميناء الحديدة لجعلهم مكتوفي الأيدي”.
وتابع حديثة قائلًا: “نلاحظ أن الحوثي لا يأخذ منهم لا نفط ولا استيراد ولا شيء لأنه يعلم إنه بذلك سيضعف الحكومة بالمقابل الحكومة ظلت تشاهد فقط، وتركت كل شيء طوال السنوات الماضية بيد الحوثي”.
وقال إن من وصفهم بـ“الفاسدين” في الحكومة اليمنية “ينتابهم شعور بالفرح مما يقوم به الحوثي لأنه فتح لهم باختصار (منجم علي بابا) عشان ما يتعبوا ويتحملوا المسؤولية”.
وأضاف أنهم “يقولون إن اقتصاد البلد لا يمكن يتعافى في ظل وجود مليشيا الحوثي تحاربهم وتمنعهم من تصدير النفط”، وبهذا قال إنهم “يحاولون إيهام الشعب وهم مرتاحين ويدخلون المليارات”.
حلول
وعن الحلول الممكنة للحد من انهيار العملة، قال الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، إنها تكمن في “تشخيص مشكلة أزمة انهيار العملة بشكل دقيق، والوقوف على كافة العوامل والأسباب التي أدت إلى تفاقم هذه الأزمة، ومن ثم البدء بوضع حلول ومعالجات”.
وتتضمن الحلول وفق قوله، “إنتاج وتفعيل الصادرات النفطية، وضبط آلية الاستيراد، ومعالجة عجز ميزان المدفوعات عبر تقليص نفقات النقد الأجنبي”. إضافة إلى “ضبط النظام المصرفي، وتنفيذ سياسة نقدية صارمة ضد المضاربين في السوق السوداء وإيقاف المزادات”.
من جانبه، يرى “العوبلي”، أنه من أجل تعافي الاقتصاد اليمني “لازم الحوثي ينتهي، ولا داعي لعملية السلام الكاذبة التي انتقلت من القتال في الساحات إلى حرب اقتصادية وانهاك الشرعية”.
وشدد على ضرورة “محاربة الفاسدين في الحكومة الشرعية ابتداءً من أول محافظ للبنك إلى آخر محافظ والرجوع إلى تقارير لجنة تقصي الحقائق التي قام بها مجلس النواب بخصوص القطاع المصرفي”.
وبرأيه، فإذا كانت الحكومة تريد تعافي الاقتصاد عليها أولاً عمل إصلاحات تتمثل بتوحيد العملة وقفل جميع البنوك التي تزود الحوثي بمدخول أجنبي”، بالإضافة إلى “قطع أي استيراد له من الخارج إلا عن طريقها”، إلى جانب “إيقاف المزادات التي تعد أكبر عملية تهريب عملات أجنبية للحوثي”.
واليوم الثلاثاء 15 أكتوبر/تشرين الأول 2024، طالب رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً “أحمد بن مبارك”، بدعم دولي لوقف تدهور العملة الوطنية، التي سجل أدنى انهيار لها بعد أن كسر سعر الدولار الواحد الـ2000 ريال.
وقال “بن مبارك" خلال، استقباله المبعوثة النرويجية الخاصة إلى اليمن “هايدي جوهانسون”، في مدينة عدن (جنوبي اليمن)، إن المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة تستدعي من المجتمع الدولي تقديم دعم أكبر للحكومة من أجل صناعة التحول المنشود الذي يتطلع إليه جميع اليمنيين.
وأكد أن الحفاظ على العملة الوطنية أولوية قصوى لارتباطها المباشر بمعيشة وحياة المواطنين، وما تقوم به الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي للتعامل الجاد مع ذلك، والدعم الدولي المطلوب في هذا الجانب.
وبالتزامن، دعا مجلس إدارة البنك المركزي، الحكومة اليمنية بإعادة النظر في سياساتها المالية والاقتصادية وخاصة في مجال تعبئة وتحصيل الموارد العامة وإعادة تخطيط الإنفاق وفقاً للأولويات.
ودعا البنك المركزي، خلال اجتماعه عبر تقنية الاتصال المرئي في دورته التاسعة، اليوم، مجلس القيادة الرئاسي والحكومة إلى دعم البنك المركزي ومساندته بما يمكنه من القيام بواجباته باستقلالية ومهنية في ظل هذه الظروف الصعبة والتطورات غير المواتية.