بران برس:
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، الجمعة 18 أكتوبر/تشرين الأول 2024، استشهاد رئيس مكتبها السياسي، يحيى السنوار، في معركة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي برفح جنوبي قطاع غزة.
جاء ذلك في كلمة لرئيس حركة حماس في غزة، خليل الحية، أكد فيها استشهاد رئيس المكتب السياسي للحركة يحيى السنوار، مشددًا على السير على دربه في مقارعة الاحتلال حتى دحره.
من جانبها، أصدرت “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة حماس، بياناً أكدت فيه استشهاد “السنوار”، وتعهدت بمواصلة “الجهاد” حتى “تحرير فلسطين”.
بدورها، نعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين “السنوار”، مؤكدة أنه “قائد وطني مهندس لملحمة طوفان الأقصى، وأحد أبرز رموز النضال الفلسطيني”.
مَن هو السنوار؟
وُلد يحيى إبراهيم حسن السنوار (62 عاماً)، في 19 أكتوبر/تشرين الأول 1962، في مُخيَّم خان يونس للاجئين جنوبي غزة.
نشأ في ظروف معيشية صعبة، وتأثرت طفولته بالاعتداءات التي تعرض لها أهالي المُخيَّمات من الاحتلال.
درس في مدارس خان يونس حتى أنهى المرحلة الثانوية، قبل أن يلتحق بالجامعة الإسلامية في غزة، ويحصل منها على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية.
خلال دراسته الجامعية، ترأس “الكتلة الإسلامية” الفرع الطلابي لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. كانت تلك الفترة محورية في حياته، فقد ساعدته على الاستعداد للأدوار القيادية التي تولاها في حركة حماس لاحقاً.
أصبح جزءاً من قيادة الحركة بعد تأسيسها عام 1987، وأسهم في وضع التوجهات والأسس للمقاومة الإسلامية على مدار سنوات كثيرة.
نشاطه السياسي
بدأ نشاطه السياسي منذ بداية الثمانينيات، بكونه واحداً من رواد القيادة الفلسطينية في مختلف أشكال المقاومة ضد الاحتلال.
في عام 1985، أسس جهاز أمني خاص عُرف باسم “المجد” يتركّز أساسًا على تأمين الحركة ومكافحة المتعاونين مع الاحتلال، وأصبح هذا الجهاز النواة الأولى لتطوير النظام الأمني الداخلي لحماس.
ساهم جهاز المجد بقيادة السنوار، في تتبع ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الإسرائيلية بشكل مماثل.
ألّف العديد من الأدبيات الأمنية التي أسست للتجربة الأمنية لحماس.
الأسر
أمضى السنوار، أكثر من 20 عامًا في السجون الإسرائيلية، منها نحو 4 سنوات في العزل الانفرادي.
اعتقل لأول مرّة في العام 1982، وأُفرج عنه بعد أيام، ومن ثم اعتقل مجدّدًا في العام ذاته، وحُكم عليه بالسجن 6 أشهر بتهمة “المشاركة في نشاطات أمنية ضد إسرائيل”.
في 20 يناير/ كانون الثاني 1988، اعتقل مرّة أخرى وحكم عليه بالسجن مدى الحياة أربع مرات، بالإضافة إلى 30 سنة بتهمة تأسيس الجهاز الأمني “مجد“، والمشاركة بتأسيس الجهاز العسكري الأول لحركة حماس.
خلال فترة اعتقاله، تولى قيادة الهيئة القيادية العليا لأسرى “حماس” في السجون، وشارك في سلسلة من الإضرابات عن الطعام، بما فيها إضرابات أعوام 1992 و1996 و2000 و2004.
في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2011، أُطلق سراحه ضمن الصفقة التي عُرفت باسم “صفقة شاليط”، حيث أطلقت حماس الجندي الإسرائيلي “جلعاد شاليط”، مقابل الإفراج عن 1027 أسيراً فلسطينياً.
محاولات انتزاع الحرية
تنقّل السنوار، بين عدة سجون؛ منها المجدل وهداريم والسبع ونفحة، وقضى 4 سنوات في العزل الانفرادي. وتشير تقارير صحفية إلى أنه حاول الهرب من سجنه مرتين، إلا أنهما باءتا بالفشل.
فحين كان في سجن المجدل بعسقلان، تمكن من حفر ثقب في جدار زنزانته بواسطة سلك ومنشار حديدي صغير، إلا أن محاولته كشفت في لحظاتها الأخيرة مع انهيار القشرة الخارجية الأخيرة للجدار، ليعاقب بالسجن في العزل الانفرادي.
والمحاولة الثانية كانت بسجن الرملة، حيث استطاع أن يقص القضبان الحديدية من الشباك، ويجهز حبلًا طويلًا، لكنه كشف أيضًا في اللحظة الأخيرة.
خلال فترة اعتقاله، تعرض لمشاكل صحية متعددة، وعانى صداعًا دائمًا، وارتفاع حاد في درجة الحرارة. وبعد ضغط كبير من الأسرى أجريت له فحوصات طبية، وخضع لعملية جراحية لإزالة نقطة دم متجمّدة في الدماغ.
ورغم مرارة السجن، إلا أن السنوار، عكف على القراءة والتعلم والتأليف، ونجح في تعلم اللغة العبرية وفهم العقلية الإسرائيلية، وألف عددًا من الكتب والترجمات في المجالات السياسية والأمنية والأدبية.
دور قيادي
بعد خروجه من السجن، شارك السنوار، في انتخابات حركة حماس الداخلية عام 2012، وفاز بعضوية المكتب السياسي للحركة. وتولي مسؤولية الإشراف على الجهاز العسكري “كتائب القسام”.
في العام ذاته (2012)، تزوج وأنجب ولدين هما “إبراهيم وعبد الله”، وبنتًا تدعى “رضا”.
خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، لعب دورًا كبيرًا في التنسيق بين الجانبين السياسي والعسكري في الحركة، وبعدها أجرى تحقيقات وتقييم شامل لأداء القيادات الميدانية نتج عنه إقالة قيادات بارزة، وفق الجزيرة نت.
في سبتمبر/ أيلول 2015، أدرجته الولايات المتحدة، في لائحة “الإرهابيين الدوليين”. فيما وضعته إسرائيل على قائمة المطلوبين للتصفية في قطاع غزة.
في 13 فبراير/شباط 2017، انتخب رئيسًا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة، خلفًا لإسماعيل هنية.
حينها، عمل على إعادة تقييم علاقات حماس الخارجية، بما فيها تحسين العلاقات مع مصر حيث التقى ضمن وفد سياسي وأمني مع قيادات من المخابرات المصرية في القاهرة 2017، وتوصلا لاتفاقات أمنية وإنسانية.
داخليًا، حاول إصلاح العلاقات بين حماس والسلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح، وإنهاء حالة الانقسام السياسي في الأرضي الفلسطينية ضمن مصالحة وطنية.
في مارس/آذار 2021، انتخب رئيسًا لحماس في غزة لولاية ثانية مدتها 4 سنوات في الانتخابات الداخلية للحركة.
في 6 أغسطس/آب الماضي، أعلنت “حماس”، أن هيئاتها اختارت بالإجماع “السنوار”، رئيسًا جديدًا للحركة خلفًا لإسماعيل هنية، الذي اغتالته إسرائيل في مقر إقامته المؤقتة بالعاصمة الإيرانية طهران، التي زارها لحضور مراسم تشييع الرئيس الإيراني الجديد.
مهندس الطوفان
اعتبرته إسرائيل العقل المدبر لعملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حماس، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، التي كبدتها خسائر بشرية وعسكرية وهشّمت الصورة الأسطورية لأجهزتها الأمنية والعسكرية أمام العالم.
بعدها أصبح اسم “السنوار” الأكثر حضورًا وشغل كثيراً من دوائر الأمن والسياسية في إسرائيل وخارجها.
بات المطلوب الأول لدى إسرائيل، إضافة للقائد العام لكتائب القسام، “محمد الضيف”. وأصبح التخلص منه أهم الأهداف الإستراتيجية للحرب الإسرائيلية المدمّرة على غزة، بدعم أمريكي مطلق.
في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على قيادات من حماس تشمل تجميد أصول وحظر السفر، من بينهم السنوار.
في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أصدرت السلطات الفرنسية مرسومًا بتجميد أصول السنوار، لستة أشهر.
في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، محاصرة قوات الجيش الإسرائيلي منزل السنوار، لكن لم يتم الوصول إليه.
محاولات اغتياله
يمتلك السنوار، مهارات قيادية عالية، وله تأثير قوي على أعضاء الحركة، ويوصف بأنه شخصية حذرة، لا يظهر علنًا إلا نادرًا.
تعرض منزله للقصف عدة مرات الأولى عام 1989، ومن ثم قصفته طائرات الاحتلال ودمرته بالكامل عام 2012، ومن ثم خلال العدوان على غزة عام 2014، وخلال غارات جوية إسرائيلية في مايو/أيار 2021.
مؤلفاته:
إلى جانب كونه سياسيًا ومقاتلاً، كان السنوار، أديباً وله الكثير من المؤلفات والترجمات في المجالات السياسية والأمنية، من أبرزها:
- كتاب “المجد“، يرصد عمل جهاز “الشاباك” أصدره خلال فترة اعتقاله من داخل سجون الاحتلال.
- ترجمة كتاب “الأحزاب الإسرائيلية عام 1992”، يتطرق إلى الأحزاب السياسية في إسرائيل خلال تلك الفترة.
- كتاب “حماس: التجربة والخطأ“، يتناول تجربة حركة “حماس” وتطورها على مر الزمن.
- رواية أدبية “شوك القرنفل”، تحكي قصة النضال الفلسطيني منذ عام 1967 حتى انتفاضة الأقصى.
نهاية بطولة
مساء الخميس 17 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، يحيى السنوار، خلال اشتباك بالميدان جنوبي قطاع غزة.
وقال الجيش، في بيان له، إن قوة تابعة له رصدت وقتلت 3 من عناصر حماس خلال اشتباك عرضي في تل السلطان بمنطقة جنوبي قطاع غزة، وبعد عملية فحص الحمض النووي يمكن التأكيد أن السنوار “قُتل”.
ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية صورًا لجثمان السنوار، وهو مسجى في ميدان المعركة مرتديًا سترة عسكرية وجعبة وبجواره سلاحه.
ولاقى إعلان استشهاده تفاعلاً واسعاً بمنصات التواصل الاجتماعي على المستويين العربي والعالمي، وتصدر اسمه محركات البحث العالمية.
وأجمعت التفاعلات والردود على أن التاريخ سيخلّد “السنوار”، كأحد أبطال المقاومة، ستذكره الأجيال كأيقونة في الكفاح ضد الاحتلال بعد أن ناضل وقاتل مع شعبه بشجاعة وبسالة، وترّجل في الخطوط الأمامية للمعركة.
وأكدوا أن استشهاده لن يوقف مسيرة النضال والتحرير، فالأبطال لا يموتون، بل يخلدون في ذاكرة الأمة، وإن كان رحيله ينهي مسيرة محارب عنيد وقائد شجاع أرهق الإحتلال وزعزع وجوده وأذهل العالم بدهائه وشجاعته.
المصدر: بران برس+ وكالات+ مواقع إخبارية أخرى