أعد التقرير لـ“برّان برس”- إيناس الحميري:
في ظل الحرب المستمرة الدائرة في اليمن، منذ اجتياح جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب للعاصمة صنعاء واستيلائها على مؤسسات الدولة في 21 سبتمبر/أيلول 2014، يعاني ملايين اليمنيين تداعيات الأوضاع الاقتصادية والإنسانية.
وتظهر البيانات الأممية وجود 17 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 6.1 ملايين يعيشون في المرحلة الرابعة من التصنيف الدولي، وهي المرحلة الأخيرة قبل المجاعة، في حين أن أسرة واحدة من بين كل 5 أسر تعاني فجوات شديدة تؤدي إلى زيادة في الوفيات.
ومع تزايد الحاجة إلى المساعدات الغذائية في الآونة الأخيرة، تفاجأت بعض الأسر بإسقاط أسمائها من قوائم المساعدات المقدمة من برنامج الغذاء العالمي والمنظمات الدولية الأخرى “دون توضيح كافٍ للأسباب”، الأمر الذي أثار موجة استياء بين الفئات المحتاجة التي وجدت نفسها أمام واقع جديد يدفعها نحو الهلاك جوعًا.
انكسار وأسئلة كثيرة
منال عبدالملك، أم لخمسة أطفال، تقول لـ“بران برس”: عندما ذهبت لاستلام السلة الغذائية، تفاجأت بأن اسمي قد تم إسقاطه من قوائم المستفيدين”.
وتضيف أن المساعدة الغذائية كانت “تخفف عنا الكثير من العبء، حيث كان عمل زوجي المتقطع يكفي لسداد الإيجار، بينما الإغاثة تساعدنا في تغطية احتياجات المنزل الأساسية”.
وعند سؤالها عن سبب إسقاط اسمها قالت: “قيل لي إنه قرار من المنظمة، دون أي توضيح، وحينها رجعت إلى البيت وأنا مكسورة”.
وتساءلت: “كيف سأوفر طعامًا لأطفالي؟. كيف سأقسم القليل من المال بين احتياجاتهم المختلفة من تعليم وطعام وإيجار؟”.
ما ذكرته “منال”، يعكس واقعاً تعيشه كثير من الأسر التي كانت تعتمد على المساعدات الغذائية الدورية قبل أن تجد نفسها “فجأة” خارج قوائم المستفيدين منها.
خارج القائمة
زينب الوضاحي، أرملة وأم لبنات، فقدت هي الأخرى حصتها من المساعدات الغذائية، فقدت زوجها في حادثة غرق، ولجأت للعمل منظفة بإحدى المدارس.
تقول “زينب” لـ“برّان برس”، إنها كانت تتسلم “سلة غذائية” من منظمة “كير”، وهي وكالة إنسانية دولية كبرى تقدم الإغاثة الطارئة ومشاريع التنمية الدولية طويلة الأجل، قبل أن تحرم “فجأة” من هذه المساعدة الملحّة بالنسبة لها.
وتضيف أن تلك المساعدة كانت “تسد بعض الاحتياجات الأساسية، مثل الأرز والزيت، وكانت توفر لي طعامًا يسد رمقنا”.
وعن كيفية حصولها على تلك المعونات قالت: “كنت أسجل في منظمة كير، وأستلم سلة غذائية كل شهر. لكن هذه المرة، تم إسقاط اسمي بحجة أن المعلومات التي قدمتها غير متطابقة، رغم أنني أستلم بها كل شهر وكانت صحيحة”.
وبعد إسقاط إسمها من قائمة المستفيدين قالت: “وجدت نفسي فجأة خارج القائمة، ولم أتمكن من معرفة السبب الحقيقي وراء هذا القرار”.
وفي ختام حديثها لـ“برّان برس”، قالت: “العديد من الأسر مثلي تم إسقاط أسمائهم، رغم فقرهم واحتياجهم الشديد، دون أي سلطة لنا على هذا الوضع”.
آثار نفسية واجتماعية
إسقاط الأسماء بشكل مفاجئ ودون إشعار مسبق جعل الأسر المتضررة تواجه وضعًا معيشيًا واقتصاديًا أكثر صعوبة.
وتظهر أحاديث الأسر التي قابلها “بران برس”، تأثيرات نفسية واجتماعية كبيرة طرأت على العائلات التي فقدت حصتها من المساعدات، خصوصًا التي تعتمد أساسًا على تلك المساعدات لتلبية احتياجاتها الغذائية الأساسية.
وعلى سبيل المثال، تقول زينب الوضاحي: “شعرت بالخذلان عندما تم إسقاط اسمي، فقد كانت السلة الغذائية كانت توفر لنا ما لا يمكننا الحصول عليه من دخل عملي المتواضع”.
وعن وضعها وأسرتها حاليًا قالت: “أصبحنا مضطرين للبحث عن حلول أخرى، رغم أنني بالكاد أستطيع تحمل النفقات اليومية”.
شح دولي وعجز محلي
إبراهيم المسلمي، مسؤول منطقة تعز في مؤسسة تمدين شباب (منظمة محلية غير حكومية)، أوضح لـ“برّان برس”، أن السبب الرئيس وراء إسقاط آلاف الأسر من قوائم برنامج الغذاء العالمي، يعود إلى “شح التمويلات الدولية”.
وقال: “حقيقة، هناك نقص كبير في التمويلات التي تحصل عليها المنظمات الدولية العاملة في اليمن، بما في ذلك برنامج الغذاء العالمي”، مبينًا أن “هذا النقص أجبر البرنامج على تقليص عدد المستفيدين وتقليل حجم المساعدات المقدمة”.
وذكر “المسلمي” أن هذا التقليص “لا يقتصر هذا على محافظة تعز وحدها، بل يمتد إلى مختلف مناطق اليمن”.
وعن آلية التقليص، قال إنه “تم إجراء تقييم جديد وشامل للأسر المستفيدة من المساعدات عبر فرق ميدانية قامت بمسح ميداني لكل أسرة”. وبناءً على هذا التقييم، يقول: “تم استبعاد الأسر التي شهدت تحسنًا طفيفًا في أوضاعها، أو تلك التي لديها مصادر دخل أخرى”.
وذكر أن “هناك أسر تحسنت أوضاعها قليلًا، كتلك التي لديها أفراد يعملون في الخارج أو التي لديها مصادر دخل أخرى، ولو كانت قليلة. بينما لا تزال هناك أسر أخرى تعاني من الفقر المدقع وتحتاج إلى المساعدة”.
وعن دور الحكومة ممثلة بالوحدة التنفيذية للنازحين، أوضح “المسلمي” أن دورها “محدود ويقتصر على الإشراف على بعض الأنشطة، وليست قادرة على تعويض الأسر التي تم إسقاطها من برنامج الغذاء العالمي لدم امتلاكها ميزانية كافية لتوفير بدائل”.
مسوحات ميدانية
بشأن معايير الوكالات الدولية لتحديد الأسر المستفيدة من المساعدات، قال “المسلمي” في حديثه لـ“برّان برس”، إن “هناك معايير واضحة تحدد من هو الفقير ومن هو الغني، ومن يستحق المساعدة ومن لا يستحق“.
وبيّن أن “هذه المعايير تم وضعها بالتعاون مع شركاء محليين ودوليين، بما في ذلك السلطات المحلية في اليمن، ويتم تطبيقها بدقة من خلال فرق ميدانية تقوم بجمع البيانات وإجراء مسوحات ميدانية”.
ورغم هذا، قال “يبقى هناك تحد كبير في التحقق من دقة المعلومات المقدمة، خاصة في ظل الظروف المعيشية المتغيرة بسرعة. مرجحًا أن “بعض الأسر قد يتم إسقاطها بناءً على معلومات غير متطابقة أو غير محدثة، وهذا ما قد يؤدي إلى حرمان بعض الأسر المستحقة من المساعدات”.
دورة المساعدات
من جانبها، قالت الناشطة المجتمعية، مها عون، إنه “منذ عامي 2020-2021، كان برنامج الغذاء العالمي، يخطط لتقليص عدد المستفيدين بسبب الأزمات العالمية مثل حرب أوكرانيا. والآن، ومع تصاعد الأزمات الحالية مثل حرب غزة ولبنان، أصبح البرنامج يواجه ضغطًا أكبر”.
وأضافت في حديث لـ“برّان برس”، أنه “أولى خطوات البرنامج كانت تحويل المواد الغذائية إلى مبالغ نقدية تُصرف عبر البصمة في بعض المناطق كحضرموت وعدن. وكان يُمنح لكل فرد في الأسرة حوالي 10,000 ريال، مع عدم احتساب الأفراد فوق 10 أشخاص في الأسرة”.
وهذا النظام، “ساعد في إزالة الأسماء الوهمية واستمر لفترة من الزمن. لكن لاحقاً، عاد البرنامج لتوزيع المواد الغذائية بدلاً من النقد”، وفق الناشطة مها.
وعن السلال الغذائية، قالت: “في البداية، كانت كاملة، لكنها بدأت تتقلص تدريجيًا. فبدلاً من السلة الكاملة، أصبح المستفيدون يتلقون النصف. وبعد فترة، أصبح التوزيع غير منتظم، حيث تسلمت بعض الأسر سلالها كل عدة أشهر، وقد تصل الفترات بين التوزيع إلى 3 أو 4 أشهر. ومؤخراً، تم إسقاط حوالي 35% من المستفيدين”.
وفيما يتعلق بالمستفيدين، قالت “مها” إنهم “اعتمدوا بشكل كبير على السلال الغذائية منذ بداية الحرب، وكانت تغطي الكثير من احتياجاتهم. وحتى بعد تقليصها، كانوا يشعرون بالفرحة الكبيرة عند نزولها”.
والآن، بعد سقوط بعض الأسماء، أشارت إلى أن “بعض الأسر تأثرت بشكل كبير، بينما وجد آخرون أن الأمر طبيعي وبدأوا يفكرون في حلول بديلة كإنشاء مشاريع صغيرة لتغطية احتياجاتهم بدلاً من الاعتماد على السلال”.
معايير مركزية
وعن الجهة المسؤولة عن تحديد المستفيدين، أكدت الناشطة عون، لـ“برّان برس”، أن “سقوط الأسماء ليس من الشركة المنفذة، بل من برنامج الغذاء العالمي نفسه، الذي يمتلك قاعدة بيانات شاملة للمستفيدين”.
وتحدثت عن معايير البرنامج في هذا السياق، وقالت إنه “يعتمد على معايير دقيقة، إلى درجة حذف الأسر التي تضم أفرادًا يدرسون في مدارس خاصة. لكن بعض الأسر، رغم معاناتها الكبيرة، تم إسقاطها”.
وعلى سبيل المثال، قالت إنها “تعرفت على حالة امرأة مطلقة تعيش في غرفة واحدة في ظروف مأساوية، ومع ذلك تم إسقاط اسمها، ربما بسبب معايير مثل عدد الأفراد في المنزل أو أن المنزل ليس مؤجرًا”.
نهاية متوقعة
بشكل عام، ترجح الناشطة مها عون، أن برنامج الأغذية العالمي “يسعى لإنهاء تقديم السلال الغذائية بعد أكثر من 10 سنوات من الدعم المستمر”. مضيفة أن “البرنامج أيضًا يجري دراسات لقياس مدى تأثر المستفيدين في الفترات التي لم يحصلوا فيها على السلال الغذائية”.
وعن هذه التأثيرات قالت إنها متفاوتة “فبينما تأثرت بعض الأسر بشدة، تكيف البعض الآخر مع الوضع الجديد”.
وتعتقد “عون”، أن “هذا القطع قد يكون مفيدًا لبقية المستفيدين، لأنه يدفعهم للتفكير في حلول جديدة وجذرية، مثل البدء في العمل أو إيجاد مصدر رزق بديل.
بدائل ممكنة
في ظل هذه الأزمة، ترى الناشطة عون، أن “الحل يكمن في دعم الأسر المتضررة ببرامج تمكين اقتصادي تتيح لها الاعتماد على نفسها مثل النقد مقابل العمل، وبرامج التدريب المهني، التي يمكن أن تساعد الأسر على تجاوز هذه الأزمة”.
وتؤكد أنه “لا يمكن الاعتماد فقط على المساعدات الغذائية، لأن التمويلات ستظل محدودة، ويجب أن نبحث عن حلول مستدامة”.
خاتمة برّان
مع استمرار الحرب في اليمن وتفاقم الأزمة الإنسانية، يبدو أن المعايير المتبعة في توزيع المساعدات الغذائية، رغم أهمّيتها لضمان وصول الدعم للفئات الأكثر احتياجًا، إلا أنها تسببت بحرمان العديد من الأسر الفقيرة من المساعدة المنقذة للحياة.
قصص منال وزينب وغيرهما، تعكس حجم المعاناة التي تعيشها آلاف الأسر اليمنية المتضررة من الحرب، وتبقى الحاجة ملحة لإعادة تقييم المعايير المتبعة في توزيع المساعدات، وتوفير بدائل مستدامة لدعم هذه الأسر.
ينبغي على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية مواصلة الضغط لزيادة التمويل وتوسيع نطاق المساعدات، حتى لا تترك الأسر المتضررة في دائرة الفقر والجوع دون أي مساعدة. ففي الأخير، لا يجب أن يدفع الفقراء ثمن المعايير الصارمة والتمويلات الشحيحة، وهم الأكثر ضعفًا في هذا الصراع الممتد منذ عقد.