لا شيء يضاهي العقيدة في القدرة على التغيير الراديكالي للمجتمعات، على مستوى مبادئ تلك المجتمعات وثقافتها او ولائها وفلسفتها، الا5 المال، لا سيما في البلدان النامية التي تشكوا من العوز والحاجة.
وليس أكثر من يمننا يشكوا العوز والحاجة ومعهما الجهل والتعصب، وهي البيئة التي رآها الكثير في دول المنطقة والاقليم مشجعة وحاضنة مناسبة لخزعبلاتهم ومشاريعهم التوسعية.
فخلال وقت قياسي استطاعت جماعة الحوثيين -ذراع ايران في اليمن- استقطاب الكثير من مختلف فئات وشرائح المجتمع من داخل ومن خارج صعده.. بأفكار وهرطقات ضلالية لا يستسيغها عقل ولا منطق، مستغلا جهل تلك الفئات او بالأصح (التجهيل المتعمد الذي كان يمارس ضد سكان تلك المناطق بغية ضمان تبعيتهم وولائهم لوجاهات قبلية او لقيادات عسكرية)، الأمر الذي نتج عنه جيل أمي بامتياز وجنى ثماره الحوثيين.
وهؤلاء هم المادة الخام التي بدأت بهم المليشيات لبناتها الأولى والذين سُمًوا فيما بعد بالعقائديين، وبالمال اشترت الولاءات والتحالفات لاسيما في بداية حربها المعلنة لاحتلال العاصمة صنعاء.
ومن لم يستطع الحوثيين إقناعهم بالمال والدجل والخرافة، كانت ويلات الحرب من فقر وتشرد، كفيلة بدفعهم إلى صفوفهم خاصة في مناطق سيطرتهم، إما ليأمنوا شرهم أو لينتشلوا عائلاتهم من مجاعة محتمة بعد أن صادرت المليشيات رواتب الموظفين والتي تزامن معها شح في فرص العمل وانتشار الفقر بمعدلات مهولة.
فكان الجهل والفقر هما بطاقات الحظ التي راهن عليها الانقلاب لانه تعلم من خلال التجربة الايرانية والعراقية أن لا مكان لهم إلا في مستنقعات الجهل والتخلف حيث يستطيعون نشر سمومهم وأباطيلهم.
وما زال يعمل على تفعيلها وتقويتها بعدة وسائل منها، الحرب الشعواء على العلم ومن يدور في فلكه عالما أو متعلما، ونشره للمراكز الصيفية والدورات "الثقافية"، محاولا بذلك تجذير عقيدته الاثنى عشرية – العقيدة التي يتحول معها الانسان إلى مسخ على هيئة بشر- ليحدث في المجتمع تغييرا راديكاليا قائما على أفكارا عقائدية، آملا تكوين أرقام صحيحة تضمن له البقاء أكبر وقت ممكن.
والنشء اليوم هم الأكثر عرضة لمخاطر الوقوع في تلك المحاولات، حيث توليهم المليشيات أولى اهتمامها في إعدادهم وتلقينهم لخرافاتها والولاء لمرجعياتهم، الأمر الذي لم يحدث في المحافظات الجنوبية ذات الأكثرية المتعلمة فكان من الصعب بمكان أن تجد أيا من الخرافات والمعتقدات الوضعية، موطأ قدم.
غير أن تلك المحافظات لم تكن أوفر حظا، فحيث لا تجد مستنقع الجهل، ابحث عن مستنقع الفقر والحاجة وعن جذور العمالة وهو ما اتقنته السياسة الإماراتية التي لم تدخر جهدا في الاستقطاب والانفاق حد الهستيريا على مرتزقتها وتجنيد عصابات وتشكيلات، خارج عن إطار الدولة، ولم تتحرج في الإفصاح عن ذلك سيما بعد أحداث 29 من آب 2019م التي راح ضحيتها المئات من الجيش الوطني في قصف اماراتي مباشر على مشارف محافظة عدن.
وكان إعلان واضح أن عاصمة البلاد الاقتصادية وما جاورها تخضع فعليا لإدارة إماراتية خالصه، وما يعني استراتيجيا (تقسيم البلاد) ودخول عدن بعد تحررها في 1967م تحت الوصايه الخارجيه من جديد.
واليوم الامارات ومن خلال صناعتها لما يسمى بالانتقالي، صارت تنفذ مخططاتها وسياستها الاستيطانية بأياد يمنية رخيصة، في صورة لا تختلف كثيرا بل تتشابه حد التطابق مع الوضع في شمال اليمن حيث التدخل الايراني السافر واستعماله اليمنيين أدوات رخيصه لتنفيذ مشروعه التوسعي.
فما بين المال والمعتقد أيا كان ذلك المعتقد ومهما تفاوتت درجات صحته أو ضلاله، فقد انقسم اليمنيين فعلا تحت يافطات وشعارات واشعلوا الجبهات والحروب بامتداد الوطن، حروبا لا تمثلهم ولا تمثل يمنيتهم، وإنما تمثل الكفيل والممول، وسياسات ومصالح الدول الراعية لتلك الصراعات.
صراعات.. اليمنيين فيها مجرد بيادق يخوضون حربا بالوكالة ضد بعضهم البعض من أجل تسليم ثروات وطنهم وهويتهم وقرارهم لأطراف خارجية..وللقارئ أن يتخيل مدى سخرية الأمر، ومدى التدخل السافر للأطراف الإقليمية والدولية وتورطها في تقسيم اليمن ارضا وانسانا، وكيف تقسمت اليمن بفعل حروب الوكالة.