عبر التاريخ، كانت السجون شاهدة على جرائم الأنظمة الاستبدادية ضد شعوبها، حيث تُمارس فيها أبشع الانتهاكات بحق الإنسان وكرامته.
وتُعد سجون اليمن مثالاً صارخًا على هذا الواقع المؤلم، حيث تتشابه في قسوتها مع سجون صيدنايا السورية، التي أصبحت رمزًا عالميًا للقمع والتعذيب.
في اليمن، يمارس العنف والتعذيب بأبشع أشكاله بحق كل من يحاول التعبير عن رأيه أو انتقاد الفساد والحكومة.
هذا القمع يمتد عبر الأجيال، من عهد الإمامة، مرورًا بالعهد الجمهوري، وصولًا إلى ما بعد سيطرة مليشيا الحوثي، التي فاقمت الأوضاع بشكل مأساوي.
شهدت اليمن خلال فترة حكم الأئمة استبدادًا دينيًا وسياسيًا، حيث كانت السجون أداة للقمع.
تم اعتقال كل من حاول معارضة النظام الإمامي أو طرح أفكار جديدة. عاش اليمنيون في ظل هذا النظام حياة مليئة بالخوف والترهيب، وكانت السجون مليئة بأولئك الذين عارضوا السلطة المطلقة للأئمة. رغم التحول إلى نظام جمهوري في منتصف القرن العشرين، لم يتحقق الكثير من التغيير فيما يخص حقوق الإنسان.
استمرت السجون كأداة لإسكات المعارضين السياسيين والصحفيين والناشطين، وأصبحت الانتهاكات الجسدية والنفسية جزءًا من سياسات القمع. ازدادت الأوضاع سوءًا بعد سيطرة مليشيا الحوثي على صنعاء في عام 2014، حيث تحولت السجون إلى مراكز للتعذيب الممنهج والاختفاء القسري.
تم توثيق آلاف الحالات من الاعتقال التعسفي للصحفيين والناشطين والمدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال، الذين يُعاملون بوحشية مروعة.
أشكال العنف في السجون اليمنية ازدادت بشكل ملحوظ بعد سيطرة الميليشيات الحوثية كالتعذيب الجسدي والنفسي مثل التعليق لفترات طويلة، الضرب بالهراوات، والصدمات الكهربائية، والإذلال النفسي من خلال العزل التام والحرمان من النوم والطعام.
وكذلك الاعتداءات الجنسية حيث تعرض العديد من السجناء، رجالًا ونساءً، للاغتصاب والاعتداء الجنسي كوسيلة للإذلال والقهر، ويتم استهداف النساء بشكل خاص للضغط على أسرهن وإجبارهن على الخضوع أو العمل لصالح الحوثيين.
وأيضاً الإعدام خارج إطار القانون حيث تم توثيق حالات إعدام لسجناء بعد محاكمات صورية أو دون محاكمات على الإطلاق مثل حادثة الاعدام الجماعية لتسعة من أبناء تهامة في سبتمبر 2021، بينهم قاصر، بتهم كيدية وملفقة، ولم تتوقف المأساة عند هذا الحد، ففي نوفمبر 2024 تم إعدام سبعة آخرين بحقنهم بالسم، بعد تلفيق تهم مماثلة.
ومن أشكال العنف الأخرى والشائعة هي الاخفاء القسري حيث يتم إخفاء المعتقلين قسريًا لفترات طويلة، مما يترك عائلاتهم في حالة من اليأس والقلق دون معرفة أسباب السجن أو مصير السجين.
يواجه الصحفيون والناشطون في اليمن خطر الاعتقال والتصفية بسبب تقاريرهم أو مواقفهم المنتقدة.
تتعرض الصحافة في البلاد للتكميم التام، ويُستخدم السجن كوسيلة رئيسية لإسكات أي صوت يطالب بالإصلاح أو يتحدث عن الفساد المستشري.
منذ سيطرة الحوثيين، أصبحت السجون أدوات لإرهاب المجتمع، وتحولت اليمن إلى مسرح لانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
المليشيا لا تستهدف فقط المعارضين السياسيين بل تشمل المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء. حيث أنشأت مليشيا الحوثي شبكة من السجون السرية التي تُمارس فيها أشكال بشعة من التعذيب، ويتم استخدام المعتقلين كأوراق ضغط للحصول على مكاسب سياسية ومادية. رغم كل القمع والانتهاكات، لم تتوقف الأصوات المنادية بالحرية.
من داخل السجون، تظهر صرخات تطالب بالعدالة والمساواة، مما يُظهر قوة الإنسان في مواجهة الظلم. يعكس هذا النضال حقيقة أن الأنظمة الاستبدادية مهما بلغت قوتها، ستنهار أمام إصرار الشعوب على استعادة كرامتها. إن أمام المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة حيث يجب على المنظمات الدولية أن تتحرك بشكل أكبر للضغط على الأطراف المختلفة لوقف هذه الانتهاكات، والتحقيق في الجرائم المرتكبة في السجون اليمنية ومحاسبة المسؤولين عنها عبر المحاكم الدولية.
ختاماً من صيدنايا إلى سجون اليمن، القاسم المشترك هو الطغيان، لكن النتيجة الحتمية هي أن صوت الحرية أقوى من أي سجن. السجون قد تقيد الجسد لكنها لا تستطيع قمع الأفكار، وسيظل النضال مستمرًا حتى تتحقق العدالة وتُمحى عروش الطغاة. رغم كل ذلك الظلم، لا تزال إرادة الأحرار قوية، ولا تزال أصوات المظلومين تتردد بين جدران الزنازين المغلقة، منتظرة اليوم الذي تُكسر فيه تلك الأقفال الحديدية، ويُفتح الباب للنور كي يتسلل إلى تلك الزوايا المظلمة. قريبًا، كما حدث في سوريا، ستسقط رموز الطغيان في اليمن، وستتحول صرخات المعتقلين إلى صيحات انتصار.
ستتحطم أغلال الظلم، ويتحرر الأحرار من قيودهم، معلنين بداية عهد جديد قائم على العدل والمساواة. نهاية الظلم ليست مجرد حلم، بل هي حقيقة قادمة. وعد الحرية، رغم كل التحديات، هو النور الذي يضيء طريق الشعوب نحو مستقبل أفضل.