أعد القصة لـ“برّان برس” - إيناس الحميري:
في الحروب والنزاعات، تقف العائلات وجهًا لوجه في مواجهة أهوال الموت والتشرّد، ورغم الظروف المرّة والمرعبة يبقى الصمود والأمل هو خيارها الوحيد. هذه هي قصة المعلم عادل منصور سفيان سعيد (54 عامًا)، الأب الذي لم يذق طعم الراحة طوال سنوات الحرب، إلا أن الأمل في الحياة لا يزال ينبض في قلبه.
سنوات من الخوف والتشرّد والقذائف والموت والجراح التي لم تلتئم، عاشها “عادل” وأسرته، وما يزالون يقاسون مرارتها حتى الآن.
كان عادل، يعيش آمنًا مطمئنًا في منزله بحي حوض الأشراف في تعز (جنوبي غرب اليمن)، ومع اشتداد الاشتباكات ودخول جماعة الحوثي إلى المدينة، اضطر عادل وزوجته وأطفاله الأربعة، إلى النزوح إلى مدينة التربة في عام 2016.
ورغم مرور سنوات، لا تزال تلك الأيام المثخنة بالآلام والمخاوف محفورة في ذاكرته، وفقا لما سرده “عادل” عن مأساته لـ“برّان برس”.
بعد تحرير تعز، يقول “عادل”، إنه قرر وعائلته العودة إلى منزلهم في الحوض، على أمل أن تكون نهاية لمعاناة النزوح والتشرّد.
ومع وصولهم إلى المنزل، تفاجأوا بأنه قد تعرض للسرقة والنهب، بينما دُمّر بالكامل.
رغم هذا، لم يتمكّن “عادل” من الاستقرار في منزله مع استمرار القصف الحوثي على الأحياء السكنية بالمدينة، فقرر النزوح مجددًا في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، وهذه المرّة إلى مدينة عدن، المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد (جنوبي اليمن).
وحتى في مدينة عدن، مثّل النزوح معاناة جديدة للعائلة. فقد كانت القذائف تلاحقهم أينما ذهبوا، إلى أن قرروا العودة مجددًا إلى تعز في رمضان عام 2017.
ورغم الأمل البسيط بالاستقرار، إلا أن القدر كان يخبئ لهم “كارثة”. ففي الأول من يناير/كانون الثاني 2017، بينما كان الطفل أحمد عادل (9 سنوات)، يلعب مع أصدقائه في الحارة، فاجأهم صاروخ نوع “كاتوشا”، ليتوفى الطفل أحمد الفور.
كان هذا الحزن الثقيل الذي ارتطم بالعائلة لا يُحتمل، إلا أنه لم يكن آخر الأحزان.
بعد أشهر من الواقعة الأليمة، (تحديدًا 26 ديسمبر/كانون الأول 2017)، بينما كان عادل مع ولده الثاني “حمزة” (17 عامًا)، أمام منزلهم، سقطت قذيفة أخرى. وهذه المرة، أصيب عادل بجروح خطيرة في قدمه تسببت ببتر جزء منها، بينما أصيب حمزة بشظايا.
أُدخل “حمزة”، غرفة الإنعاش في المستشفى، لكن جسده لم يتحمل الصدمة، ليتوفى بعد يومين من إصابته.
وهنا، فَقَدَ “عادل”، قدمه، وفقد أيضًا ابنه الثاني حمزة، ليتجرع مرارة فقدان الابن الأكبر والأصغر في حرب لا ترحم.
لم تحمل الزوجة، كل هذه الصدمات. تدهورت حالتها النفسية بعد فقدان ولديها، مما تسبب في إصابتها بالاكتئاب الشديد.
رغم محاولات عادل، العلاج والبحث عن المساعدة، إلا أنه لم يجد أي دعم من الجهات الحكومية أو المنظمات الإنسانية، كما يقول في حديثه لـ“بران برس”.
اصطدم طلب “عادل”، المساعدة لعلاج قدمه التي فقد جزءًا منها، بجدار من الإهمال والتجاهل. لم يجد استجابًة من الجهات المختصة. كانت آماله معلقة على المساعدة الحكومية، إلا أن الردود كانت دائمًا: "أنت مدني، ونحن لا نملك القدرة على مساعدتك"، كما يقول.
مع مرور الوقت، قرر “عادل”، أن يترك منزله الذي كان ملكًا له في المنطقة التي تطالها القذائف، وانتقل إلى منطقة الضبوعة، حيث استأجر منزلاً جديدًا هو وزوجته وأولاده (محمد ومنصور)، الذين ظلوا بجانبه بعد فقدانه لأخويهم.
اليوم، يواجه “عادل”، وضعًا صعبًا للغاية. راتبه كمعلم لا يكفي لتلبية احتياجات أسرته الأساسية، وهو يكافح يوميًا لكي يحافظ على كرامته وأمان أسرته. ورغم كل الظروف القاسية التي مر بها، لا يزال الأمل في قلبه ينبض.
بعث “عادل” لـ“برّان برس” عدد من الصور لجراحه ولمنزله أثناء تعرضه للقصف والنهب، ووثائق وتقارير طبّية تثبت حالته الصحيّة ومتطلبات العلاج، ويأمل في أن يتجاوز ما يعانيه لتتوقف معاناته وخساراته عند هذا الحدّ.
قصة “عادل منصور” ليست مجرد حكاية عن الألم والفقد الكبير، بل هي أيضًا ملحمة صمود فردي وجه الحرب والدمار. إنها دعوة للإنسانية لعدم تجاهل هؤلاء الذين طحنتهم الحرب، والذين لم يفقدوا الأمل بالمساعدة المنقذة للحياة وللأمل وللغد الأفضل.