بعد أن تخرجت من كلية الإعلام والتحقت بسوق العمل، عانيت صعوبة في وظيفتي كمحرر يكتب أخبار وتقارير ومواد صحفية، إذ أنني لم أكن قد اكتسبت الخبرة والمران من واقع الميدان، اللهم إلا خبرات قليلة اكتسبتها طيلة الأربعة الأعوام في البكالوريوس لا تعدو كونها تنظير، وهذا ينبغي للطلبة أن يحذقوه، بأن الجامعة تعطيهم مفاتيح فقط ولا تؤهلهم للحياة، وعليهم أن يتحملوا مسؤوليتهم، ويذهبوا إلى تطوير ذواتهم، وصقل مهاراتهم.
صعوبة الوظيفة دفعتني إلى طلب المساعدة من صديق يعمل كاتباً ومحرراً في وكالة عالمية خارج الوطن، بدوره رشح لي كتاب" اللغة العالمية العربية الصحيحة للمذيع والمراسل ولكل صحفي للكاتب عارف حجَّاوي". قرأت الكتاب بالإضافة إلى قراءة مواد يحررها كتاب كبار ومرموقين في عالم الصحافة، وبدأت ألاحظ التطوير يتنامى في كتاباتي وأعمالي شيئاً فشيئاً، على أنني لن أدخر جهد في الاستمرار الدائم في تطوير نفسي. من حين عزمت الأمر على منافسة نفسي فحسب، بدأت التجليات تظهر في حياتي، بدا السريان يفيض عليَّ، وبدت الأهداف واضحة، والرؤى صافية.
لا أكتم علماً أنني أردت المقالة وخصصتها للغة العربية في يومها العالمي؛ لكنني عدلت عن هذا إلى موضوعاً آخر، حين رأيت أن الفكرة لابدّ أن تكون شاملة وتتطرق إلى ذكر المواضيع الجوهرية الّتي تصب في المستوى الأول للقراءة، وهو القراءة الوظيفية، تلك التّي يقرأ بِها المرء في تخصصه العلمي ووظيفته؛ ولعلني في هذه العجالة السريعة أشارك حتّى بجهد متواضع، يستفيد منه الطلبة بشكلٍ عام.
كطالب تمتلك موهبة التعبير، ويعتريك شغف إلى الصحافة، لن يتم لك ما أردت، ولن تبلغ غايتك حتّى ترهق نفسك في القراءة والمطالعة، وتدمن الكتب إدمانك للشراب، ولن تكتف بذلك في سبيل الوصول إلى حلمك الّذي يراودك طويلاً، بل تزد عليه احتراقات كثيرة مع الكتاب، تستخلص نفسك للقراءة وتنذر عمرك لها، تجعلها مدار حياتك ووظيفتك الّتي هبطت إلى هذا العالم لتقوم بتأديتها.
في اليوم العالمي للغة العربية، يجدر بنّا أن نضع في الحسبان إن الله سبحانه وتعالى خلق العرش أولاً، ثم خلق الكلمة والمعنى، وكان أول تنزيل إلهي:{ اقرأ}، وبهذا المعنى فالقراءة تأتي أولاً، قبل الدَّين، قبل الأخلاق، قبل كلّ شيء. الجاهل لن يعبد الله بشكل صحيح وسليم، وحتى الله لمّا عرف على نفسه قال: ﴿الرحمن، فسأل به خبيراً﴾ صدق الله العظيم.