الادعاء بأن الحوثيين يعودون بنسبهم إلى الرسول محمد ﷺ هو إحدى أكثر الروايات تضليلاً والتي تستخدم لأغراض سياسية ودعائية. هذا الادعاء لم يثبت بأي شكل علمي أو تاريخي، ويعتمد على استغلال العاطفة الدينية والجهل بالحقائق التاريخية والأنساب. في هذا المقال، سنفكك هذه الادعاءات بعناية، ونقدم دليلاً دامغاً على أن الحوثيين لا يمتلكون أي صلة مباشرة بنسب النبي الكريم، مستعرضين زيف الروايات والمغالطات التي يُبنى عليها هذا الادعاء.
بداية، من المهم فهم السياق الذي يُطرح فيه هذا الادعاء. الحوثيون هم حركة سياسية ومسلحة تنتمي إلى المذهب الزيدي في اليمن، ويزعمون أنهم ينحدرون من نسل الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، حفيد النبي ﷺ. هذا النسب إن صحّ، يمنحهم شرعية دينية ضمن المجتمع اليمني الذي يحترم ويجل أهل البيت، ويزيد من نفوذهم السياسي والاجتماعي. ومع ذلك، فإن النسب ليس مجرد كلمات تُقال أو شعار يُرفع، بل قضية تتطلب إثباتاً علمياً وتاريخياً صارماً.
أولاً دعونا نبدأ بالأساسيات: الأنساب ليست مجرد ادعاءات شفهية، بل علم دقيق يعتمد على سجلات موثوقة وشواهد تاريخية موثقة. إذا نظرنا إلى الأدلة التي يقدمها الحوثيون لإثبات نسبهم، نجدها تفتقر تماماً إلى المصداقية العلمية.
الروايات التي يعتمدون عليها هي روايات شعبية أو قصص متناقلة دون أي سند قوي أو مرجع تاريخي موثق. العلم الحديث، بما في ذلك تحليل الحمض النووي (DNA)، يقدم اليوم أدوات دقيقة لتتبع الأنساب، ومع ذلك لم يجرِ الحوثيون أي تحليل علمي لتأكيد ادعاءاتهم.
ثانياً يجب أن ننظر إلى السياق التاريخي لنشأة الحوثيين. أسرة الحوثي تنتمي إلى محافظة صعدة في شمال اليمن، وهي منطقة يغلب عليها الطابع القبلي والمذهبي الزيدي. المذهب الزيدي هو أحد المذاهب الشيعية التي تختلف عن الاثني عشرية وتتركز أساساً في اليمن. ادعاء النسب الهاشمي كان شائعاً في تاريخ اليمن بين الزعامات الزيدية كوسيلة لتثبيت الشرعية السياسية والدينية، لكنه كان في كثير من الأحيان وسيلة سياسية أكثر منه حقيقة تاريخية. زعماء الأئمة الزيديين عبر التاريخ استخدموا النسب الهاشمي كأداة للهيمنة والسيطرة، وليس كل من ادعى النسب كان يمتلك أدلة حقيقية.
ثالثاً إذا عدنا إلى المصادر التاريخية المتعلقة بأنساب أهل البيت، نجد أن التوثيق الدقيق لأبناء الحسين بن علي رضي الله عنه ينحصر في خطين رئيسيين: ذرية الإمام زين العابدين، وذرية محمد الباقر. هذه الخطوط موثقة في كتب الأنساب والتاريخ، وهي محفوظة بدقة كبيرة في العالم الإسلامي. الزيديون بشكل عام قد يكونون منتسبين فكرياً وروحياً للإمام زيد بن علي، لكن ذلك لا يعني أن كل فرد زيدي ينتمي بالضرورة إلى أهل البيت. هذا الخلط بين المذهب والانتماء النسبي هو إحدى المغالطات الأساسية التي يستغلها الحوثيون.
رابعاً العلم الحديث يقدم أدوات دقيقة لفحص مثل هذه الادعاءات. تحليل الحمض النووي (DNA) يُعتبر أداة قاطعة في تحديد الأصول والأنساب. على الرغم من أن العديد من العائلات حول العالم أجرت اختبارات DNA لتأكيد أو نفي ادعاءاتها النسبية، إلا أن الحوثيين لم يقدموا حتى الآن أي دليل علمي لإثبات صلتهم بالنبي محمد ﷺ. في المقابل، نجد أن العديد من الدراسات التي أُجريت على مجتمعات تزعم النسب الهاشمي قد أظهرت في بعض الأحيان نتائج تنفي تلك الادعاءات.
خامساً الجانب السياسي من هذا الادعاء لا يمكن تجاهله. الحوثيون يستخدمون هذا الزعم كوسيلة لبناء شرعية سياسية ودينية بين أتباعهم، ولإضفاء هالة قدسية على مشروعهم السياسي. هذا الادعاء يُستخدم أيضاً لتبرير الانتهاكات التي يرتكبونها ضد الشعب اليمني، حيث يتم تصويرهم كمدافعين عن (الحق إلهي) المزعوم. لكن الحقيقة أن هذا الزعم لا يتعدى كونه أداة للتلاعب بالعواطف الدينية واستغلال الجهل لتمرير أجندات سياسية.
سادساً الزعم بالنسب النبوي ليس جديداً في التاريخ الإسلامي، بل هو سلاح استخدمته العديد من الجماعات عبر القرون لتحقيق أهدافها. الأئمة الفاطميون، على سبيل المثال، زعموا النسب إلى فاطمة بنت الرسول محمد ﷺ، لكن هذا الادعاء كان مثار جدل تاريخي كبير ولم يُثبت بالدليل القاطع. الحوثيون يتبعون النهج ذاته، مستغلين ضعف الوعي التاريخي والديني لدى الكثيرين لتمرير روايتهم.
سابعاً أهل اليمن يعرفون جيداً التاريخ المحلي والجذور القبلية للحوثيين، ولم تكن هذه الأسرة معروفة في الماضي بادعائها النسب النبوي. ظهور هذا الزعم تزامن مع صعود الحركة الحوثية كقوة سياسية وعسكرية، مما يثير التساؤلات حول دوافع هذا الادعاء وتوقيته.
في الختام، يمكن القول بثقة إن ادعاء الحوثيين بأنهم يعودون بنسبهم إلى الرسول محمد ﷺ لا يستند إلى أي دليل تاريخي أو علمي موثوق. هذا الادعاء هو مجرد وسيلة سياسية لاستغلال الدين وتعزيز الهيمنة، لكنه لا يرقى إلى مستوى الحقيقة. على المسلمين جميعاً أن يكونوا حذرين من مثل هذه الادعاءات، وأن يعتمدوا على الحقائق والعلوم في تقييمها. النسب النبوي شرف عظيم، لكنه لا يمكن أن يُستخدم ذريعة لتمرير الظلم أو التلاعب بمصير الأمة. الحقيقة تبقى واضحة: الحوثيون ليس لهم أي صلة بالنبي محمد ﷺ، وأفعالهم تشهد عليهم أكثر من كلماتهم.