برّان برس - وحدة التقارير:
مع تولي “دونالد ترامب”، منصبه رئيسًا للولايات المتحدة، في يناير/كانون الثاني 2017، شهدت منطقة قيفة بمحافظة البيضاء (وسط اليمن)، عملية الإنزال الأمريكي الشهيرة، والتي أودت بحياة العديد من المدنيين.
جاءت العملية في حين كانت جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب، تخوض أكبر معاركها ضد أبناء البيضاء، لمحاولة إخضاعهم لمشروعها الكهنوتي الذي حاربه آبائهم وأجدادهم في ستينيات القرن الماضي.
ومع عودة “ترامب”، مجددًا إلى البيت الأبيض، بدأت الجماعة منذ 9 يناير/كانون الثاني 2025، هجوماً عنيفاً ضد أبناء “حنكة آل مسعود” في قيفة، باستخدام الدبابات والمدفعية والطيران المسيّر، بذريعة “محاربة الإرهاب”.
أسفر الهجوم الذي تزامن مع حصار خانق وقصف شديد على المنازل والممتلكات، عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين، وتهجير عشرات الأسر. وبعد يوم من اجتياحها للقرية، أحرقت وفخخت ونهبت 22 منزلاً.
هذا التزامن أثار عدّة أسئلة حول عودة الحوثيين لاستخدام ورقة “الإرهاب” لمغازلة الإدارة الأمريكية الجديدة، واستمالة دعمها لضرب خصومها تحت لافتة “محاربة الإرهاب”، خصوصًا بمحافظة البيضاء، التي يرفض أبنائها وجود جماعة الحوثي وفكرها الكهنوتي المدعوم إيرانيًا.
منذ بداية ظهورها المسلّح قبل عقدين، استخدمت جماعة الحوثي مبررات وذرائع متعددة للتغطية على حروبها التوسّعية، وآخرها وأبرزها المتوافقة مع السردية الأمريكية لمحاربة الإرهاب سواء “القاعدة” أو مؤخراً “داعش”.
وأثناء توسّعها بعد اجتياحها للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، كانت قيادات حوثية تتباهى بمستوى التنسيق الأمني بين الجماعة وبين الأمريكان خصوصاً فيما أسموه “الحرب ضد الإرهاب”. وتفاخر الكثير منهم بالدعم اللوجستي الذي تقدمّه لهم المسيّرات الأمريكية، ووصف البعض منهم هذا الإسناد بأنه “دعم إلهي”.
ومن هؤلاء القيادي الحوثي “عبدالكريم الخيواني”، الذي وصف دعم الطيران الأمريكي لحربهم ضد قبائل رداع، بأنه مساعدة إلهية. وقال حينها في منشور بصفحته على “الفيسبوك”: “إن الله يُسخر لأوليائه الصالحين في جماعة أنصار الله حتى أعداءهم من الأمريكيين وطائراتهم بدون طيار في قتالهم ضد تنظيم القاعدة”.
كانت البيضاء في مقدمة المحافظات التي اجتاحها الحوثيون أواخر 2014، بحملة عسكرية ضخمة ضمّت عشرات الدبابات والمدرعات التي نهبوها من معسكرات الجيش، وتمكنوا من سحق مقاومة بعض القبائل، وطبقًا لتأكيدات قيادات في جماعة الحوثي فإن هذه المعركة كانت بتنسيق وتغطية من الطيران الأمريكي المسيّر.
وفي أوقات متفرقة، خلال العقد الماضي، شهدت البيضاء غارات جوية أمريكية استهدفت بشكل واسع المدنيين والبنية التحتية، وتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. هذه الغارات الكثيفة وغير المسبوقة، رافقت زحف الحوثيين نحو المحافظة الاستراتيجية، وساندت محاولتهم المستمرّة للسيطرة عليها بذريعة محاربة الإرهاب.
مع الهجوم الأخير على “حنكة آل مسعود”، تحت شعار “محاربة الإرهاب”، عادت الأسئلة حول مغزى الشعارات التي ترفعها جماعة الحوثي في حروبها ضد خصومها، خصوصًا وأنها تسيطر على البيضاء منذ 10 سنوات.
الصحفي “مارب الورد”، قال في سلسلة تدوينات بحسابه على منصة “إكس”، رصدها “بران برس”، إن الحوثيين يلجؤون إلى “تكتيكات قديمة جديدة” لمحاولة “استرضاء الولايات المتحدة عبر ادعاء محاربة الإرهاب”.
وأوضح أن الهدف من ذلك هو “إقناع الإدارة الأمريكية القادمة، إدارة ترامب، بتخفيف الضغط عنهم، بعد أن استفادت واشنطن منهم لفترة طويلة لتحقيق مصالحها، ومنها الضغط على الجارة (المملكة العربية السعودية)”.
وأضاف “الورد”: “مع تغير المزاج الدولي تجاه الحوثيين لا سيما مع تزايد التوتر مع إسرائيل وتراجع نفوذ إيران في المنطقة، بالإضافة إلى مخاوفهم من أن يصبحوا الهدف القادم، لجأ الحوثيون إلى تكرار استراتيجيتهم السابقة التي استخدموها قبل السيطرة على صنعاء”.
وبيّن أن هذه الاستراتيجية “تمثلت في محاولة كسب ود الولايات المتحدة عبر شن هجمات على المدنيين في رداع، تحت ذريعة محاربة تنظيم القاعدة وداعش”.
ومنذ ذلك التاريخ، قال الورد إن الحوثيين برروا “توسعهم وسيطرتهم على عدة محافظات بمحاربة القاعدة ومنعها من تعزيز نفوذها، حتى لا تفتح باب التدخل الخارجي في اليمن”.
في ديسمبر/كانون الأول 2020، كشفت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، عن غضب “لويد أوستن”، قائد المنطقة المركزية الوسطى حينها، ووزير الدفاع الأمريكي الحالي، من تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الحكومة اليمنية ضد الحوثيين.
وبرر “أوستن”، وفق ما نشرته المجلة الأمريكية نقلًا عن ضابط عمل معه، موقفه المعارض بشدّة لهذا التدخل بأنه ”سيؤثر على دعمهم للحوثيين في محاربة الإرهاب”.
وعن هذا الدعم، قال الصحفي الورد، صعود الحوثيين تزامن “مع ظهور تنظيم داعش، ما دفع واشنطن حينها إلى تحويل أولوياتها الإقليمية نحو محاربة التنظيم، بجانب مواجهة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من اليمن مقراً له، وكذلك التركيز على توقيع اتفاق نووي مع طهران”.
وأضاف أن “هذه السياسات، إضافة إلى التغاضي عن دخول الحوثيين إلى صنعاء، ساهمت في خلق بيئة مكنت الحوثيين من تعزيز سيطرتهم وتوسيع نفوذهم”.
بررت جماعة الحوثي هجماتها “الوحشية” على قرية “حنكة آل مسعود”، واتهمت قبائل "آل مسعود" بالتستر وحماية “العناصر التكفيرية”، متوعدة باستمرار حملتها "الوحشية"، ضد أبناء القبائل.
فيما أكد ناشطون من “قيفة”، أن الحوثيين يسعون للقبض على شباب من “آل مسعود” يقومون بتدريس القرآن، لافتين إلى أن الجماعة تحاول منع تحفيظ القرآن منذ فترة عبر مشرفيها في المنطقة، ولهذا هاجمت القرية بكل الأسلحة من أجل تركيع القرية وأبنائها.
عن استخدام الجماعة الحوثية لـ“يافطة الإرهاب” أثناء هجماتها على القبائل، قالت الباحثة اليمنية في إدارة النزاعات، “ندوى الدوسري”، لـ“بران برس”، إن “الحوثيين يستخدمون شعار الإرهاب منذ البداية، ويتهمون كل من يعارضهم خصوصا المقاتلين على الأرض والقبائل بالإرهاب"، وفي ذلك، برأي الدوسري “محاولة لخلط الأوراق”.
وأضافت “الدوسري”، وهي متخصصة في شؤون القبائل والحوكمة غير الرسمية في اليمن، أن “الغرب أحياناً يتأثر بهذه السردية، خاصة وأن القاعدة لها تواجد في البيضاء”.
وفي السنوات الأولى من الحرب، قالت إن مسؤولين أمريكيين “كبار”، قالوا إنه “بالإمكان أن يكون الحوثي شريكًا في مكافحة الإرهاب، وقالوا إنهم نسقوا مع الحوثي لضربات في البيضاء”.
ولهذا قالت إن الحوثيين “يريدونها فرصة لتسويق أنفسهم في الخارج، بالإضافة إلى أن في ذلك جزء من إهانة الناس والقبائل بأنهم دواعش وارهابيين”.
منذ سيطرة الحوثيين على البيضاء أواخر 2014، ظلت ورقة “الإرهاب” حاضرة في المحافظة، وظلت القبائل هدفًا ثابتًا لهذه اللعبة التي تدير جماعة الحوثي خيوطها.
خلال العشر السنوات تعرّضت القبائل لسلسلة حروب حوثية بذريعة “محاربة الإرهاب”، ولعدّة هجمات أمريكية بذات الذريعة، كما واجهت بعض القبائل محاولات “داعش” السيطرة على مناطقها دون أي مساندة من الحوثيين.
والأخطر هو تحالف جماعة الحوثي مع تنظيم “داعش” ضد بعض القبائل التي كانت قد واجهتهما في حروب منفصلة كما حدث مع أسرة “آل صلوح” ومن معها بقرية حميضة شطير بمديرية ولد ربيع شمال غربي البيضاء.
كانت أسرة “آل صلوح”، التي تنتمي إلى قبيلة آل شطير التابعة لقبائل قيفة، قد تصدّت لهجوم الحوثيين على القرية مطلع 2014، قبل أن تواجه هجومًا مماثلًا شنّه “داعش” وتتصدّى له الأسرة وتجبره على الفرار.
وفي وقت لاحق، تحالف الحوثيون مع “داعش” للهجوم على القرية التي لا يتجاوز سكانها 350 نسمة، والانتقام من أهلها.
ووفق المركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، فإن مسلّحي الحوثي و“داعش” شنوا حرباً “مشتركة انتقامية” على أهالي قرية حميضة، وفرضوا عليهم حصاراً خانقاً لقرابة سنة، تزامن مع قصف بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وانتهى باقتحام القرية منتصف 2018.
ومن الانتهاكات التي استعرضها المركز الحقوقي، في تقريره “دموع على الركام” (أكتوبر 2023)، مقتل 5 مدنيين بينهم طفلة (7 سنوات)، وإصابة 6 آخرين بينهم امرأه، وتفجير 5 منازل، وتدمير 8 مزارع وبئر، وتهجير الأسر التي تضم 60 فرداً، جلّهم نساء وأطفال.