تُعد الملاحة الدولية شرياناً حيوياً للتجارة العالمية، ويمثل مضيق باب المندب واحداً من أهم ممراتها، حيث يمر عبره ما يزيد عن 12% من حجم التجارة العالمية سنوياً ، بما يعادل 40% من إمدادات الطاقة. ومع تصاعد هجمات جماعة الحوثي الإرهابية في السنوات الأخيرة، تعرض هذا الشريان الحيوي لاضطرابات أثرت على الاقتصاد العالمي بشكل مباشر، مع خسائر تقدر بمليارات الدولارات سنوياً.
تشير التقارير إلى أن أكثر من 4.8 مليون برميل من النفط تعبر يومياً عبر مضيق باب المندب، إلى جانب أكثر من 60 سفينة شحن تنقل بضائع وسلعاً تغطي احتياجات الأسواق العالمية. ومع تزايد تهديدات الحوثيين الارهابية على الملاحة الدولية وعلى هذا الممر الإستراتيجي ، واجهت شركات الشحن تحديات غير مسبوقة تمثلت في ارتفاع تكاليف التأمين على السفن بنسبة 30% على الأقل، نتيجة إدراج البحر الأحمر كمنطقة ذات مخاطر عالية ، وتحويل المسارات إلى رأس الرجاء الصالح، وهو ما يزيد من تكاليف الوقود والزمن اللازم لنقل البضائع بنسبة تصل إلى 45% مما تسبّب في تعطل سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة 10-15% في بعض المناطق.
الهجمات الحوثية المتكررة، بما في ذلك استهداف ناقلات النفط والسفن التجارية، لم تقتصر على التأثير المادي المباشر، بل أثرت بشكل كبير على استقرار أسواق الطاقة. في إحدى الحوادث عام 2023، ارتفعت أسعار النفط عالميًا بنسبة 5% خلال 24 ساعة فقط، بعد تقارير عن استهداف سفينة في البحر الأحمر. مثل هذه الزيادات تؤثر بشكل مباشر على الاقتصادات العالمية ، خاصة في ظل التوترات الاقتصادية الناجمة عن التضخم العالمي.
وفي الجانب الآخر، تحمل الدول النامية النصيب الأكبر من هذه الخسائر. مع اعتمادها على الواردات لتلبية احتياجاتها الغذائية والطاقة، فإن أي زيادة في تكاليف النقل أو التأمين تترجم إلى أعباء إضافية على المستهلكين، مما يزيد من معدلات الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي.
التأثير يمتد أيضاً إلى القطاع البحري العالمي. تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 35% من السفن التي تعبر البحر الأحمر باتت تتجنب المرور عبر المناطق القريبة من اليمن، مما يؤدي إلى تقليل كفاءة الشبكات اللوجستية العالمية. يقدر الخبراء أن التكاليف الإضافية الناتجة عن هذه التغييرات في المسارات تصل إلى 3.5 مليار دولار سنوياً ، مع تأثير غير مباشر على الصناعات المرتبطة بالتجارة البحرية مثل صناعة السفن والتأمين البحري.
أما بالنسبة للمستقبل، فإن استشراف التبعات يشير إلى صورة قاتمة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة. استمرار التهديدات على مضيق باب المندب قد يؤدي إلى ارتفاع أكبر في أسعار الطاقة: إذا تعطلت الملاحة بشكل كامل، قد تصل أسعار النفط إلى مستويات قياسية تتجاوز 150 دولارًا للبرميل، مما سيؤدي إلى تضخم عالمي لا يمكن السيطرة عليه ومع تعطل سلاسل الإمداد، ستتأثر أسعار المواد الغذائية الأساسية، مما سيضاعف من أزمة الجوع العالمية، خاصة في الدول التي تعتمد على الواردات مثل اليمن والقرن الأفريقي كما أن المجتمع الدولي سيضطر إلى تخصيص مليارات الدولارات لتعزيز الوجود العسكري في المنطقة لضمان أمن الممرات المائية ، وبطبيعة الحالة ستشهد الأسواق المالية اضطرابات كبيرة مع تصاعد المخاوف بشأن استقرار التجارة الدولية، مما يؤدي إلى تراجع الاستثمارات العالمية.
في ظل هذه الأرقام والإحصائيات، من الواضح أن تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية ليست مجرد أزمة إقليمية، بل تحدٍ عالمي يتطلب استجابة حاسمة. إذا استمرت هذه التهديدات دون ردع، فإن الاقتصاد العالمي بأسره سيجد نفسه على حافة هاوية، حيث تتعطل الممرات المائية التي تُعتبر شرايين الحياة للتجارة والطاقة.
إن التحديات التي يواجهها مضيق باب المندب ليست مجرد قضية أمنية، بل أزمة اقتصادية عالمية تستدعي من المجتمع الدولي التدخل الفوري لحماية استقرار التجارة الدولية. ففي عالم يعتمد على التكامل الاقتصادي، لا يمكن لأي دولة أن تعزل نفسها عن التداعيات إذا تعرضت الملاحة الدولية لشلل طويل الأمد.